حاوره: الحسين أبليح//
لم يكد يجف حبر هذا الحوار حتى باغتنا الألمعي “عبد الرحيم الخلادي” بإصدار جديد يتعلق الأمر بكتاب “التناص في الخطاب الشعري” الذي كاد أن ينسخ مضامين هذا الحوار لولا أن الرجل يعد باستقبالنا مجددا لمقاربة المؤلف الذي يعزز به الباحث الخلادي الخزانة النقدية في زمن انحسار الكتابة كما القراءة على حد سواء. تقريبا للقراء من إصدار د. عبد الرحيم الخلادي الموسوم ب” الرسائل السلطانية الأندلسية (ق8 ه) البنية – السياق – التواصل” يفتح موقع ازول بريس احضانه للكاتب
1- دكتور الخلادي، تتقاطع فيكم عدة وجوه أميز منها التربوي والفكري علاوة على الفاعل المدني. لأي وجه من هاته الأوجه تركنون؟
أزول. أولا أشكر طاقم جريدة “نبض المجتمع” المناضلة عامة، والمناضل والمثقف المشاكس الحسين أبليح خاصة، على الدعوة الكريمة وعلى فتح نافذة للإطلالة على قراء هذا المنبر المتنوع الاهتمامات.
بالفعل تتجاذبني اهتمامات متنوعة، منها ما هو تربوي مهني، وما هو فكري وثقافي، ومنها ما هو جمعوي مدني. ورغم صعوبة الفصل بين هذه المجالات، إلا أنني أفضل ما هو فكري، إذ أركن إلى الثقافة والفكر ولا أجد سعادة أكبر من الغوص في كتاب أو فكرة أو نظرية الخ… خصوصا ما يتصل بتخصصاتي في أدب الغرب الإسلامي والنقد الأدبي، وكذا علوم التربية، فكلما صنعت لنفسي فرصة إلا وعدت إلى ذلك الفضاء الرحب الذي يشعرني بالاطمئنان، وبالأخص الكتاب التراثي، الذي يظل حيا شريطة الانكباب عليه بالمدارسة بنظرة حديثة ووسائل جديدة، منها تشغيل آليات تحليل الخطاب، لتفكيك الرموز وإعادة تركيبها وفق قوانين جديدة. ورغم تطور العصر وكثرة الوسائط الحديثة إلا أن الكتاب يحافظ على مكانته وسلطته. وبصراحة فإن الفرص القليلة التي يتركها لي العمل الإداري، أستغلها للإبحار هنا أو هناك، إذ –وبعد كتاب الرسائل السلطانية- استطعت خلال هذه السنة 2016 إصدار كتاب جديد هو الجزء الأول من كتاب “التناص في الخطاب الشعري”، وتنقيح بعض المقالات، أما بعض الأعمال السردية (رواية – قصة قصيرة) فما تزال تراوح مكانها إلى أجل غير مسمى.
2- كيف استطعتم من خلال مهامكم الإدارية خدمة الخلادي الفكري والجمعوي؟
بكل صراحة فإن ثقل المسؤولية الإدارية يكاد يمنعني من مواصلة السير في طريق البحث العلمي، ويكاد يشل قدراتي في مجالات الثقافة والإبداع، فأنا أشغل منذ سنوات منصب رئيس مصلحة الشؤون التربوية في إقليم مترامي الأطراف (تارودانت) يتجاوز عدد التلاميذ فيه المائة والسبعين ألفا وعدد المؤسسات الثلاثمائة والثلاثين. من هنا فإن الالتزام بالهم التربوي اليومي يبني جدارا سميكا بيني وبين اهتماماتي الأخرى. ورغم ذلك فإنني ظللت عازما على حمل صخرة سيزيف إلى قمة الجبل. في هذا السياق وجوابا على سؤالكم، فإن التدبير الإداري والتربوي من موقع المسؤولية أضاف إلي تجارب جديدة وتمرسا أكبر على التحكم في منهجية العمل، والنجاح في تنظيمه وتحويله من مشكلة إلى أداة للفعل والتفوق. كما أنني استفدت من تجربتي الإدارية سواء على مستوى التدبير اليومي والمشاريع التربوية، أو على مستوى ما راكمته في تأطير بعض الفئات وإنجاز عدد من المصوغات في الحقل التربوي. دون أن أخفيك ما تزودني به زياراتي الميدانية للمناطق النائية من طاقة وتجدد، ففي تلك الظروف القاسية تجد من يحمل الهم التربوي ويبدع متجاوزا معاناة الذات للسمو بالرسالة التربوية ولا يسعد إلا وهو يرى تلاميذه في سعادة يراكمون المعارف والمعلومات، وينفتحون على عوالم جديدة. تلك لقطة جميلة من سلسلة اللقطات التي تشحن الخلادي المثقف والجمعوي وتدعوه إلى مزيد من التضحية والعمل ونكران الذات.
3- أصدرتم مبكرا كتابا يحمل عنوان الرسائل السلطانية، وهو سفر أدبي يأخذ القاريء لزمن موغل يصل إلى القرن الثامن الهجري. ما دواعي حفولكم بالرسائل السلطانية؟
يرتبط كتاب “الرسائل السلطانية الأندلسية: البنية – السياق – التواصل” بمرحلة الدراسات العليا والدكتوراه، حيث تخصصت في أدب الغرب الإسلامي، وانشغلت بمواضيع تهم الأدب الأندلسي. حينها انجذبت نحو الرسالة السلطانية نظرا لما تزخر به من معارف وقضايا، ووقفت على إشكالية أثارها الكثير من الدارسين وهي: ما درجة الأدبية في نص الرسالة السلطانية الذي هو أقرب ما يكون إلى الوثيقة التاريخية؟
في هذا الإطار فالرسائل السلطانية عبارة عن موسوعة من المعارف تعكس الثقافة العالية للكُتّاب والذوق الفني الراقي لتلك المجتمعات، تلتقي في نصها الأحداث التاريخية بالمواقف السياسية والدبلوماسية، ويتم التعبير عنها بخطاب متنوع رصين يتفاعل فيه البناء الفني مع الأسلوب البلاغي المتقن، بهدف تحقيق غايتي الإقناع والإمتاع دفاعا عن الأندلس وبحثا عن سبل البقاء ومقاومة الاجتثاث. وبعد مناقشة أطروحة (مكونات الخطاب في الرسائل الأندلسية) بسنوات، أعدت النظر في العديد من الأفكار والقضايا، ثم أخرجت هذا الكتاب إلى الوجود. وكلما تصفحته إلا وتبدَّت أمامي قضايا جديدة وموضوعات مستجَدة تحتاج إلى مزيد من الدراسة والتوسيع، لأن خطاب الرسائل السلطانية ثري جدا، ويفسح المجال للعديد من النظريات والمناهج لدراسته وتفكيكه وإعادة تركيبه، وهو ما أكده لي عدد من الباحثين الكبار الذي اطلعوا على الكتاب.
شكري وامتناني لجريدة “نبض المجتمع”.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.