خبراء مغاربة وإسبان يتدارسون علاقة التراث بالتنمية المحلية بأكادير
نظمت جمعية سوس ماسة للتنمية الثقافية، بتعاون مع المصالح الثقافية بسفارة إسبانيا بالرباط ومديرية التراث بوزارة الثقافة حلقة دراسية تكوينية حول موضوع “التراث والتنمية المحلية” وذلك يومي 13 و14 نونبر 2015 بقرية الكهربائي بأكادير، وقد استفاد منها حوالي 56 شخصا، رجالا ونساء، منهم أساتذة باحثون جامعيون وممثلون عن المجالس المنتخبة ووسائل الاعلام وفعاليات المجتمع المدني، وذلك بحضور السيدة نائبة رئيس مجلس جهة سوس ماسة المكلفة بالثقافة ورئيس لجنة الثقافة بنفس المجلس.
وقد تميزت الجلسة الافتتاحية التي ترأسها الدكتور عمر حلي، رئيس جامعة ابن زهر، بتقديم كلمات الجهة المنظمة وشركائها و ركزت جميعها على أهمية موضوع هذه الحلقة التكوينية، الذي يضع الثقافة بمفهومها العام في صلب التنمية، ويبحث عن سبل جعل التراث وتثمينه قاطرة للتنمية المستدامة كما يلفت الانتباه الى أهمية الثقافة في التقريب بين الشعوب وترسيخ السلام والإخاء .
أما أشغال الجلسة الأولى التي ترأسها الاستاذ حسن بنحليمة، رئيس جمعية سوس ماسة للتنمية الثقافية، فقد عرفت تقديم مذاخلة كل من السيدة سناء علام عن منظمة اليونسكو بالرباط ويوسف خيارا عن مديرية التراث التابعة لوزارة الثقافة المغربية و”فرنا ندو راموس كارسيا” خبير في التراث. وقد تميزت المداخلتين الأوليتين بالتركيز على تحديد مفهوم التراث كمفهوم دائم ومتحول ومراحل تطوره خاصة بفرنسا مند الثورة الفرنسية الى مرحلة المأسسة ومختلف المواثيق والإتفاقيات والوثائق الصادرة طيلة القرن 20 وصولا إلى القانون المغربي الذي لا يتضمن عبارة “التراث الثقافي “. هذا وينتظر أن يأخد مشروع القانون الجديد الذي هو في طور الإعداد بعين الإعتبار تطور مفهوم التراث عل المستوى العالمي. كما تم التركيز على الأهداف الأممية للتنمية المستدامة لفترة 2016 -2030، والتي تضم 17 هدفا و 169 غاية حيث تستهدف الكوكب والناس والعيش بكرامة والرخاء والعدل والشراكة بغية القضاء على الفقر وضمان المساواة بين الجنسين، ويلاحظ أن الثقافة توجد في جل الأهذاف المسطرة من طرف منظمة الأمم المتحدة. وقد كانت هاتين المذاخلتين بمثابة مذخل عام أساسي لعروض تطبيقية من خلال تقديم الوكالة الإسبانية للتعاون الدولي التابعة لوزارة الخارجية الاسبانية وتقديم برامجه التي تلتقي وأهذاف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، كما بينت المتذخلة مجالات تدخل الوكالة خاصة في مجالات التعزيز المؤسساتي والبحث العلمي والاهتمام بالنوع الثقافي. كما قدمت نماذج للأعمال التي أنجزت من طرف هذه المؤسسة ب “السالفادور” و”البيرو” وشمال المغرب، واختتمت الجلسة الصباحية بمذاخلة تطبيقية ركزت أساسا على العناصر التي يجب أخدها بعين الاعتبار لتحقيق نجاح يجعل الثقافة في خدمة التنمية اذ أن الامر يتطلب تخطيطا مسبقا يحدد الأهذاف والوسائل المستعملة لتحقيقيها، بشكل يستجيب لإنتظارات السائح الثقافي.
وخلال الجلسة الثانية التي ترأسها السيد “سانز لوبيز بابلو”، المستشارة الثقافي بسفارة اسبانيا بالرباط، تذخل كل من “خوليو أنطونيو لوبيز”وهو مؤرخ وأستاذ مادة السياحة ورئيس مرصد السياحة “برديترو”، ومصطفى عتيقي محافظ المواقع الأركيولوجي وليلي، التابع لمديرية التراث الثقافي بوزارة الثقافة المغربية. و”جيزي مانويل بارودي” وهو كذلك مؤرخ أركيولوجي ومنتخب بمدينة “سان لوكار بيراميدا” ومن خلال المداخلات الثلاث، اتضحت أهمية الثقافة وتثمين الموروث الثقافي في خلق تنمية مستدامة وتوفير فرص الشغل من خلال تلاثة تجارب : مشروع ابن بطوطة بشمال المغرب، مركز التعريف بتراث موقع وليلي والاحتفال بذكرى أول طواف ملاحة عبر العالم باسبانيا. وبذلك فهذه التجارب التلاثة وضحت ما يجب القيام به لجعل الثقافة في خدمة التنمية من خلال أهمية استثمار التاريخ والاعتناء بالموروث الذي يقوم لدى الساكنة المحلية احساسها بالانتماء لمجالها. فتطوير الموروث الثقافي والاعتناء به يمكن ان يعطي منتوجا سياحيا متكاملا يساهم في التنمية المستدامة.
أما المتدخل الثاني “إمانويل لويس بيريكرينا” و هو مستشار في التخطيط و التنمية، فقد قدم في مداخلته تجربة مشروع “كلمار” المنجز في مدينةوجدة حول طرق و وسائل ومنهجية تثمين التراث وكيفية وضع مسلك ثقافي. هذا ويهدف لترميم إحدى القصبات بهذه المدينة، وخاصة ان المغرب يراهن على هذه الجهة وجعلها قطبا إقتصاديا وقد تم الإعتماد على دراسة معمقة للمنطقة لتفاذي الإرتجال، وإعتمادا على وثيقتين مغربيتين تعطيان معطيات مهمة حول المنطقة و مؤهلاتها الترابية، وقد تم هذا المشروع إشراك متدخلين مغاربة وإسبان، وذلك بترميم بناية مهملة وجعلها مركزا متعدد الوظائف ومرتبطا بباقي مرافق المدينة من خلال الإستفاذة من التجارب و المعارف المحلية و التشاور مع الفاعلين الجمعويين، وقد ساهم هذا المركز في جلب السياح لمدينة وجدة بعد قضائهم فترة استجمام بالسعيدية، كما تم وضع مسالك ثقافية تسمح للزائر بالإستمتاع بالمؤهلات الثقافية للمدينة وفق نظام تشويري واضح و جميل.
أما جلسة اليوم الثاني فقد ترأسها الدكتور أحمد صابر، وافتتحت بالوقوف دقيقة صمت ترحما على أرواح ضحايا هجومات باريس بفرنسا…، وتميزت الجلسة بتقديم مداخلتين لكل من “ألبيرتو بيريز شويكا”، أستاذ الأنتروبولوجيا بجامعة إشبيلية، و”مارتا كولوميناريس” عضو جمعية الراشيدية وقد ركزت المداخلتين المداخلتين على تقديم نمادج من المبادرات الساعية لتنمية التراث وجعله في خدمة التنمية المحلية. وتعتبر تجربة “شبكة وادي الطيبة بإسبانيا” نموذجا بمكن الاحتذاء به في مجال استثمار الموروث التاريخي والثقافي لوضع مسالك سياحية تاخد بعين الاعتبار التطور التاريخي للمدينة بناء على دراسات علمية وتحقيب مضبوط، وترميم المعالم التاريخية والتعريف بها. وهو ما جعل هذه البلدة الصغيرة في محافظة “مالكة” تفرض نفسها في السياحة الثقافية، مع العلم ان هذه البلدة تنتمي للمجال القروي. أما في الجنوب الشرقي لبلادنا وبالضبط بواحة المحاميد على وادي درعة حيث يسكن حوالي 100000 نسمة، فكانت تجربة جمعية الراشيدية المؤسسة من طرف مجموعة من المهندسين المعماريين رائدة في مجال المحافظة على الخصائص المعمارية لقصور المنطفة للمساهمة في تشجيع السياحة الثقافية وربطها بالتنمية المستدامة، وذلك من خلال توفير بعض مناصب الشغل وتشجيع السكان على الاستقرار. أما خلال الورشة التي ترأسها السيد عبد الله العلوي، مدير التراث بوزارة الثقافة فقد تميزت بتدخل الاستاذ أحمد الطاهيري استاذ الاركيولوجيا بالمعهد الوطني لعلوم الاثار والتراث، حول الموقع الأركيولوجي ل”إكليز” “بالاطلس الصغير” وهو رباط المهدي بن تومرت مؤسس الدولة الموحدية. وهو ما سمح لنا بالإطلاع على موقع هام لعب دورا أساسيا في تاريخ المغرب وشمال إفريقيا عموما، وشبه الجزيرة الإيبيرية (إستقر به ابن تومرت 1121-1124قبل ان ينتقل الى موقع “تينمل”) ومحاصرة مراكش وبداية تاسيس امبراطورية وحدت جزء كبير من شمال إفريقيا والأندلس.
و بكل ما أسلفناه وبعد يومين من النقاش العميق حول القضايا المرتبطة بالتراث الثقافي وسبل إدماجه في إستراتيجيات التنمية المحلية المستدامة تمكن المشاركون من الخروج بجملة من التوصيات التي يمكن إجمالها في :
– ضرورة إعطاء الأهمية للثقافة والموروث الثقافي و تنميته وجعله في خدمة التنمية المستدامة
– أهمية القيام بجرد مضبوط للموروث الثقافي ماديا كان أو غير مادي
– ضرورة التعاون والتنسيق مع مختلف المتداخلين والفاعلين والمؤسسات والقطاعت الحكومية و غير الحكومية والمجتمع المدني والجماعات المحلية والجهوية باعتبارها مشاريع مندمجة
– أهمية المبادرات المحلية، خاصة من طرف المنتخبين وفعاليات المجتمع المدني، في التحسيس بأهمية الموروث الثقافي والإتصال بالجهات المعنية لإتخاذ الإجراءات اللازمة
– تطوير القوانين المنظمة لميدان التراث الثقافي مع إدخال هذا المفهوم التراث الثقافي في المعجم القانوني المغربي، انسجاما مع تطور المفهوم في القوانين الدولية و وضع ترسانة قانونية تنظم هذا المجال
– إشراك السكان المحليين في استراتيجيات تنمية التراث بشكل يقوي إحساسهم بالإنتماء للمجال ويجعلهم يتبنون المشروع
– جعل الثقافة بمفهومها العام مصدرا للتنمية وخلق فرص الشغل وتعزيز السلم والتآخي والتعاون بين الشعوب
– الإستفاذة من التجارب الناجحة وطنيا ودوليا وتعميمها على باقي المناطق وخاصة تجربة مركز التعريف بالتراث.
– دعوة الوكلة الإسبانية للتعاون الدولي لإعطاء أهمية أكبر لجهة سوس ماسة بشكل خاص لإنجاز مشاريع في مجالات اهتمامها و جنوب المغرب عامة
– التأكيد على أهمية الجامعة والبحث العلمي والأكاديمي و ضرورة جعلها شريكا رئيسيا في مخطط تثمين التراث وجعله في خدمة التنمية مع تكوين الطلبة في هذا المجال و تشجيعهم على البحث الميداني
– ضرورة التفكير في إدراج مادة التراث الثقافي وأهميته في البرامج الدراسية في كل مستويات التعليم والتكوين مع ضرورة توفر الإرادة السياسية لتحقيق ذلك
– التفكير في التراث في شقيه المادي و غير مادي
– إنشاء مؤسسات للتكوين في فنون المعمار المغربي
– الأخذ بعين الإعتبار المعمار المغربي و مكونات الحي المغربي أثناء إنشاء الأحياء الجديدة وفق تصميمات التهيأة
– خلق وكالة وطنية تهتم بالتراث وإعطائها الإمكانات المادية والبشرية لتحقيق أهدافها
– نشر الأعمال الأكاديمية المنجزة حول التراث
– العمل على تتبع هذه التوصيات حيث التأكيد على الانتقال من مرحلة التنظير إلى مرحلة التطبيق و الإنجاز
– على الإعلام بكل أنواعه أن يلعب دوره في التعريف بالتراث الثقافي للمساهمة في تطويره و التحسيس بأهميته.
وبعد قراءة التقرير العام، أعطيت كلمة للسيدة لممثلة الوفد الإسباني “أناماريا سانسيج” و للسيد عبد الله العلوي مديرالتراث بوزارة الثقافة ليختتم اللقاء بكلمة السيد حسن بن حليمة رئيس جمعية سوس ماسة للتنمية الثقافية الذي ذكر بأهمية هذا اللقاء وبأهم الأفكار المستخلصة منه قبل أن يشكر كل من ساهم في إنجاح هذا اللقاء المتميز الذي تميز بتوفير الترجمة الفورية التي ساهمت بشكل كبير في التواصل مع المتدخلين الإسبان، وفي الختام تم توزيع شهادات المشاركة على المشاركين وأخد صور بالمناسبة.
جمعية سوس ماسة للتنمية الثقافية – جهة سوس ماسة – أكادير/Culture.smd@gmail.com
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.