حوار مع الحسين ايت باحسين* : السنة الأمازيغية وعي هوياتي، مرجعية تاريخية ومطلب سياسي

%d8%a7%d9%8a%d8%aa-%d8%a8%d8%a7%d8%ad%d8%b3%d9%8a%d9%86

حاوره الحسن باكريم//

     تستضيف جريدة “نبض المجتمع”، عبر هذا الحوار الشيق، أحد الوجوه البارزة في الحركة الثقافية الأمازيغية وأحد المناضلين البارزين من أجل الاعتراف بأمازيغية المغرب، الأستاذ والباحث الحسين أيت باحسين … من رواد (1970) أول جمعية أمازيغية أسست سنة 1967: “الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي” المعروفة اختصارا ب (“أمريك” AMREC) التي أعطت الكثير في مجال الترافع والدفاع عن الأمازيغية لغة وثقافة وهوية وحضارة. نسافر معه في الحديث عن السنة الأمازيغية وعن “جمعية أمريك”. (الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي قوة اقتراحية من أجل ترسيم الأمازيغية لغة وثقافة).

يتسأل الكثيرون عن أصل السنة الامازيغية، انتم بصفتكم باحثا امازيغيا من أين جاء هذا الاحتفال وهذه السنة ؟ وهل هناك فعلا تقويما أمازيغيا ؟

بداية أنوه بجريدة “نبض المجتمع” التي تستمر في شق طريقها من أجل الترافع والدفاع عن مجموعة من القضايا، المحلية والوطنية، التي ناذرا ما تهتم بها المنابر الإعلامية الأخرى؛ كما أشكرها على الاستضافة، عبر هذا الحوار، من أجل المشاركة في رفع بعض الالتباسات التي تحيط باحتفال لا ينكر أحد أنه مرتبط ببلدان شمال إفريقيا دون غيرها، من حيث مختلف عاداته وتقاليده وطقوسه ورمزياته، ومن حيث زمانه ومكانه. وتجدر الإشارة إلى أن هذا السؤال وحده يستدعي كتابة مقالة مطولة ومفصلة من أجل تقديم جواب واف عنه.
وللإجابة على سؤالكم، ينبغي بداية التمييز بين ثلاثة مفاهيم متمايزة بعضها عن البعض وهي: “ظاهرة الاحتفال”، “السنة الأمازيغية” و”التقويم الأمازيغي”.
في ما يتعلق بمفهوم “ظاهرة الاحتفال” تجدر الإشارة إلى أننا نجد في كل الثقافات والحضارات، وعند مختلف شعوب العالم ثلاثة أنواع من الاحتفالات: “احتفالات دينية” قد تخص ثقافة معينة أو شعبا معينا، وقد تتقاسمها ثقافات متنوعة أو شعوب مختلفة؛ و”احتفالات وطنية سياسية” مرتبطة بأحداث سياسية خاصة بكل دولة قائمة بذاتها؛ و”احتفالات شعبية بيئية” مرتبطة بالبيئة وبنوع تمثل مجموعة بشرية مّا للمظاهر البيئية التي يتفاعلون معها بشتى العادات والتقاليد والطقوس وما يرافق ذلك من دلالات رمزية محايثة لمختلف سلوكاته الاحتفالية.
كما أن ظاهرة الاحتفال، عند المغاربة تستمد عادات وتقاليد وطقوس كانت ولا زال البعض منها مرتبطا بالمراحل الرئيسية للسنة الفلاحية المتمثلة في فصول السنة كما هو الشأن بالنسبة لطقوس الخصوبة في فصل الربيع (احتفالات النزاهة) وطقوس الماء والنار في فصل الصيف (احتفالات العنصرة والشعالة) وطقوس الاستسقاء في فصل الخريف (احتفالات “تاسليت ن ؤنزار” و”تّل غنجا”) وطقوس التضامن في فصل الشتاء (احتفالات ئنّاير)؛ وهي كلها مرتبطة بعلاقة الإنسان بالأرض خاصة، وبالطبيعة عامة وبالبيئة بصفة أعم).
إن ارتباط إنسان شمال إفريقيا بالأرض، منذ أقدم العصور، تثبته كثير من القرائن الجغرافية والتاريخية والعقائدية والاجتماعية والانتروبولوجية)، لا سبيل للتفصيل فيه هنا. ويمكن العودة، عبر الرابط التالي:http://www.ahewar.org/m.asp?i=5013 للوقوف على مجموعة من المقالات (9 مقالات إضافة إلى هذا الحوار) حول الاحتفال برأس السنة الأمازيغية، تلك المقالات التي تتضمن مختلف الطقوس المرتبطة بالبعد الاحتفالي لهذه المناسبة الخاصة بشمال إفريقيا والتي يتقاسمها الناطقون بالأمازيغية وغير الناطقين بها، من جنوبه إلى شماله ومن غربه إلى شرقه، وبتعدد تسمياته وتنوع عاداته وتقاليده وطقوسه من منطقة إلى أخرى. وقد عرفت هذه الظاهرة الاحتفالية نوعا من النكوص بعد الاستقلال خاصة من حيث مدة الاحتفال بها ومن حيث تقلص شرائح المجتمع التي لا زالت تقوم بها؛ لكن مع نشأة الحركة الثقافية الأمازيغية تم الشروع في استعادة الظاهرة، حتى في المجال الحضري وتمت محاولات تثمينها وتحديث طرق الاحتفال بها وربطها بالبعد الهوياتي؛ ومن هنا مبادرة اتخاذها مناسبة للبحث عن مرجعية تاريخية وتأريخية للهوية الأمازيغية، مرجعية مقرونة بحدث تاريخي موثق عريق يرمز إلى مساهمة الأمازيغ في بناء الحضارة الإنسانية، يمكن اتخاذه بداية متوافق عليها يتم التأريخ بها لتاريخ الأمازيغ، سواء تعلق الأمر بما بعدها أو ما قبلها، حفاظا على ذاكرته.
وهذا ما يستدعي الحديث عن مفهوم “السنة الأمازيغية”. لقد سبق لي، في إحدى المقالاات السابقة حول الاحتفال بالسنة الأمازيغية أن أشرت إلى مرجعية السنة الأمازيغية التي يمكن اختصارها في ما يلي: ” في ما يتعلق بالحدث الذي اتخذ كمرجعية للتأريخ ل «السنة الأمازيغية» أي بداية ل «التقويم الأمازيغي» تجدر الإشارة – هنا أيضا – إلى أن تقاويم معظم الشعوب والحضارات الإنسانية هي عبارة عن مواضعات تستند إلى توافق لم ينل دائما قبول كل الواضعين لجذره وكل المعنيين بهذا التأريخ أي بداية التقويم. ففي السبعينيات اتخذ حدث وصول شيشونق الأول «الأمازيغي»، سنة 950 قبل الميلاد، إلى هرم السلطة المصرية الفرعونية بداية للتقويم الأمازيغي . وشيشونق الأول هذا، هو سابع خليفة لقائد عسكري استغل ضعف السلطة الفرعونية فبسط نفوذه على هرقلة (Hierakléopolis) في مصر الوسطى، وغزا الدلتا وقسّم الأرض بين «الأمازيغ» وأسس الأسرة الثانية والعشرين وامتد حكم «الأمازيغ» كفراعنة في مصر إلى كل من الأسرة الثالثة والعشرين والأسرة الرابعة والعشرين ودام طيلة الفترة الممتدة من سنة 950 أو 945 قبل الميلاد إلى سنة 715 قبل الميلاد”. وقد ورد ذكر هدا الحدث التاريخي موثقا في الأهرامات التي شيدتها تلك الأسر كما ورد ذكرها في التوراة وأشار إليها شارل أندري جوليان في كتابه “تاريخ شمال إفريقيا” وكذا بعض المؤرخين الإنجليز الذين اهتموا بتاريخ مصر الفرعونية.
ومن المعلوم أنه يتم العمل، في المغرب، بتقويمين أساسيين هما: «التقويم القمري» (Calendrier lunaire) و«التقويم الشمسي»؛ كما يتم العمل، ضمن التقويم الشمسي، ب«التقويم الكُريكُوري» (Calendrier grégorien) وب «التقويم اليولياني» (Calendrier julien) ، إضافة إلى التقويم العبري الذي هو «تقويم قمري – شمسي» في نفس الآن. وإذا أخذنا بعين الاعتبار مختلف هذه التقويمات، وكذا مختلف اليوميات والتقويمات المعتمدة في المغرب، سيتبين أن لدينا التقويمات التالية التي توافق هذه السنة ما يلي: «سنة هجرية» (1438 هـ)، «سنة ميلادية» (2017 م)، «سنة رومية – فلاحية» (2327 ر.ف.)، «سنة فلاحية أمازيغية» (2967 أ) و«سنة عبرية» (5777 ع). لكن، تجدر الإشارة إلى أن السنة الفلاحية الأمازيغية؛ التي يوافق فاتح يناير منها يوم 14 يناير من السنة الميلادية وفق التقويم الكًريكًوري المخالف للتقويم الميلادي اليولياني؛ هي تقويم شمسي – فلاحي ويخضع لتعاقب منتظم لفصول السنة وتغيرات الطبيعة المستمرة نتيجة فعل دوران الأرض حول الشمس. إنها الدائرة المنتظمة للدورة الطبيعية للسنة وللأشغال الفلاحية، الدائرة التي لا يمكن بدونها ضبط الدورات الفلاحية بسهولة. وبذلك يمكن القول بأن خصوصية هذا التقويم الفلاحي، العريق في الزمن التاريخي، هو بمثابة الأساس لتنظيم الزمن عند الفلاح. وقد أضفت عليه الحركة الثقافية الأمازيغية طابعا حداثيا بتحديث طرق الاحتفال به وطابعا هوياتيا بربطه بحدث تاريخي يجعله بداية تقويم لسنة أمازيغية وطابعا مطلبيا باعتباره عيدا وطنيا بيئيا يستمتع فيه المغاربة بيوم عطلة اعترافا بخصوصية المناسبة ثقافيا واجتماعيا واعترافا بثقافة الفلاح المغربي وبإبداعات المرأة المغربية وحرصها على الحفاظ على التراث الثقافي اللامادي العريق والأصيل والذي يمثل ذاكرة علاقة الإنسان بالأرض والطبيعة والبيئة كقضايا أصبح المنتظم الدولي يوليها أهمية قصوى، وانخرطت فيها الدولة المغربية بتعهدات والتزامات ومشاريع، آخرها تظاهرة الكوب 22 المنظمة مؤخرا في مراكش، وكذا مشاريع الطاقة النظيفة التي يعتبر مشروع نور بورزازات أهمها لحد الآن. ولا يخفى ما للمعارف التقليدية الأصيلة وللمعارف الأدائية التقليدية الأصيلة من دور في استلهام ما يمكن أن يخدم استراتيجيات الحفاظ على البيئة.

احتفل الامازيغ بهذه السنة بشمال افريقيا مند عهود قديمة، كيف كان هؤلاء يحتفلون ؟ وما هي العادات والتقاليد المعروفة في الاحتفال والتي لاتزال راسخة لدى ساكنة المنطقة الى اليوم؟

للحديث عن هذا البعد الاحتفالي ينبغي أن نميز بين مفهومين ، هما “السنة الفلاحية” و”السنة الأمازيغية”. فالاحتفال بمناسبة “السنة الفلاحية”؛ (والتي ينبغي أن نميز فيها بين “السنة الفلاحية الرومية” التي تبدأ في 13 أكتوبر الميلادي الكريكوري؛ وبين “السنة الفلاحية الأمازيغية” التي تبدأ في 14 يناير الميلادي الكريكوري)؛ وردت إشارات مقتضبة حولها منذ العصور الوسطى لدى الإخباريين المسلمين، لتنتقل مجموعة من المصادر المحلية والأجنبية لتفصيل الحديث في بعض عادات وتقاليد وطقوس هذا الاحتفال سواء منها المرتبطة بالتقاليد الاحتفالية أو العادات التغذوية أو الطقوس المعتقدية المرتبطة أساسا بالأرض والطبيعة والبيئة في أحوالها ومظاهرها وتمثلاتها. أما بالنسبة للاحتفال ب “السنة الأمازيغية” فهو مظهر جديد وحداثي للاحتفال بنفس المناسبة، ولكن بوعي هوياتي ومرجعية تاريخية ومطلب سياسي وبعد بيئي وتقويم زمني ينهل مما له علاقة بتدبير الزمان في الثقافة الأمازيغية من تدبير لأشغال الفلاحة والرعي، وظواهر الطبيعية، وتغيرات الفصول، و”علوم التوقيت”، و”النوازل” لدى الفقهاء الأمازيغ، وكذا المصطلحات اللغوية المرتبطة بالتقويم الزمني في اللغة الأمازيغية.
أما فيما يتعلق بظاهرة الاحتفال ذاتها، فينبغي التمييز بين “الاحتفال الشعبي” و”احتفال الحركة الثقافية الأمازيغية” في انتظار “الاحتفال الرسمي”.
“الاحتفال الشعبي” يطلق عليه “احتفال رأس السنة الأمازيغية”، تتقاسمه كل بلدان شمال إفريقيا (من سيوا إلى المغرب)، ويتقاسمه الناطقون بالأمازيغية وغير الناطقين بها، كما تتقاسمه كل مناطق المغرب. وتتعدد أسماؤه بتعدد المناطق التي تحتفل به. ففي بعض المناطق المغربية يسمى الاحتفال بالمناسبة: «ئض ن ئنّاير» أو «ئض ن ؤسكًّاس»، وفي مناطق أخرى يطلق عليه «حاكًّوزا» أو «لحوادس»؛ وفي القبايل الجزائرية يطلق عليه «تاكًّورت ن ؤسكًّاس» أو «تابّورت ن ؤسكًّاس» (Porte de l’année).
وتتعدد أيضا الأطباق التي يتم الاحتفال بها من منطقة إلى أخرى، فهناك من يهيئ طابق “تاكَلاّ” (العصيدة)، وهي أنواع سواء من حيث أنواع الحبوب التي تهيأ من دقيقها، أو من حيث ما يضاف إليها من أنواع الدقيق الزكي، أو أنواع الزيوت؛ وهناك من يهيئ طابق “الدجاج مصحوبا بالبيض”وهناك من يهيئ طابق”سّكسو ب 7 خضاير” (الكسكس المهيأ ب 7 أنواع من الخضر)؛ أو “بركوكس د ؤملو” (الكسكس الغليض المسقي بزيت أملو)؛ أو “بركوكس د ؤملو د تامّنت” (الكسكس الغليض المسقي بزيت أملو والعسل)؛ أو “تّريد د ؤفولّوس” (أنواع من الرقائق الخاصة المسقية بإدام الدجاج والمؤفقة بلحم الدجاج)؛ أو “أوركيمن” (خليط من الحبوب المجففة وسيقان الغنم أو المعزالمطهوة طيلة اليوم تحت نار هادئة)؛ “بغرير” أو “إدرنان” (رغائف رقيقة وهي كذلك أنواع من حيث أشكالها أو من حيث المواد التي تهيأ منها)؛ “لبسيس” (نوع الحلوى المهيأة بدقيق خاص ممزوج بأنواع من النباتات الطبية والزكية)؛ “لفاكيا” (أنواع من الفواكه الجافة)؛ “تيروفين” أو “تيغواوين” (بذور الشعير أو القمح أو الذرة التي تم قليها فوق لهيب نار بمقدار لا تحترق معه) وغيرها من أطباق لا توجد لحد الآن دراسات يمكن حصرعددها وأنواعها.
وتمارس فيها أيضا طقوس تحضيرية (طقوس التحضير التي تمارس قبل يومين من بداية “السنة الفلاحية الجديدة” تهيئا لطقوس الاحتفال بليلة قبل بداية السنة الجديدة وطقوس تمارس في اليوم الأول من السنة الفلاحية الجديدة”. هذا إضافة إلى طقوس تجميلية بالمناسبة وطقوس صيدلية مرتبطة بما يقطف من أعشاب معينة تجود بها الطبيعة في هذه الفترة من الزمان تهيأ منها أدوية تقليدية يحتفظ بها للعلاج متى دعت الضرورة إلى ذلك. ويتم أيضا تبادل الزيارات العائلية والأطباق التغدوية في هذه المناسبات. وقد تقلصت هذه الظاهرة الاحتفالية بعد الاستقلال، لتنتعش مع نشأة الحركة الأمازيغية. ويظهر مصطلح “السنة الأمازيغية”. لكن مع تقليص فترة الاحتفال من ثلاثة أيام إلى يوم واحد.
إذ مع دينامية الحركة الأمازيغية، سواء داخل المغرب أو خارجه أو سواء في بلدان شمال إفريقيا أو في الدول الغربية، حيث توجد الدياسبورا الأمازيغية، أصبحت التسمية المتداولة والشائعة هي: «ينّاير» أو «ئض ن ؤسكًّاس أمازيغ» (أي «رأس السنة الأمازيغية»). إن الاهتمام على هذا المستوى (أي مستوى الحركة الأمازيغية) بدأ في البحث عن الدلالات الثقافية، وخاصة منها السوسيولوجية والأنتروبولوجية، التي تكمن خلف تلك الطقوس التي تمارسها الفئات الشعبية في مختلف بلدان تامازغا، الناطقة منها بالأمازيغية أو بالعربية، والتي من شأنها أن تساهم في إغناء الثقافة والهوية الأمازيغيتين خاصة والمغاربيتين عامة. وظهرت مطالب جديدة بشأن الاحتفال ب”السنة الأمازيغية”: تتلخص في جعل هذا الاحتفال “يوم عطلة وعيدا وطنيا”، خاصة وأنه عيد بيئي بامتياز، يجعل بلدنا منخرطا في نادي كل بلدان العالم التي تحتفل، إضافة إلى أعيادها الدينية والوطنية، بأعياد بيئية تنشئ أجيالها المستقبلية على التربية البيئية من أجل الحفاظ على ترواثهم البيئية.

الاحتفال مند القدم بالسنة الامازيغية كان تلقائيا، ومع بروز الحركة الامازيغية اعطي لهذا الاحتفال بعدا ثقافيا ونضاليا ، كيف تم الانتقال من هذه التلقائية الى النضال من اجل ترسيم السنة الامازيغية؟

كما تمت الإشارة إلى ذلك، في الجواب على السؤال الثاني، ساهمت الحركة الثقافية الأمازيغية على نقل الاحتفال بالسنة الأمازيغية من احتفال شعبي إلى احتفال عصري وحداثي، من حيث طرق وأشكال الاحتفال به ومن حيث مضامينه الثقافية والاجتماعية والسياسية. إذ جعلته يخرج من بين جدران المنزل العائلي إلى فضاءات الجمعيات الثقافية والفنية وإلى ردهات بعض المؤسسات العمومية وإلى الفضاءات العمومية، وتم اتخاذه مناسية لعقد ندوات فكرية وتنظيم مهرجانات فنية وعرض لفنون الأطباق التي تهيأ بالمناسبة، ودعوة المنابر الإعلامية، بمختلف أنواعها المكتوبة والمسموعة والسمعية-البصرية والإلكترونية، للمشاركة في تغطية الحدث أكثر فأكثر. كما أن الحركة الأمازيغية بادرت، منذ أواخر الستينات، إلى تحويل هذا الاحتفال إلى مناسبة للمواضعة على تقويم زمني، على غرار التقاويم الزمنية للشعوب ذات الخصوصيات اللغوية والثقافية والحضارية المتميزة، والتي تجد لها مرجعية هوياتية في حدث تاريخي موثق ودال على مساهمة الأمازيغي في الحضارة الإنسانية. وتم اختيار الفترة التي ساهم فيها الأمازيغية في الحضارة المصرية الفرعوني التي ساهمت بدورها في إغناء الحضارة الإنسانية؛ وذلك قبل وجود روابط حضارية بين الأمازيغ بكل من الفينيقيين واليونان والرومان وغيرهم من الحضارات الأخرى الوافدة فيما بعد. واعتبر وصول شيشانق الأول إلى السلطة السياسية، سنة 950 قبل الميلاد، ووصول ابنه إلى السلطة الدينية في معبد آمون بسيوا، وكذا إنقاذ الفراعنة الأمازيغ الحضارة المصرية الفرعونية من الانهيار اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا وعسكريا وثقافيا (خاصة الأسرتين الثانية والعشرين والثالثة والعشرين الممتدتين من 950 ق.م. إلى 715 ق.م.).

جمعية البحث والتبادل الثقافي ، انتم احد مؤسسيها، كانت ضمن الجمعيات الامازيغية التي ناضلت من اجل ترسيخ تقليد الاحتفال بالسنة الامازيغية، هل ذكرتم قراء الجريدة بأهم ما قامت به الجمعية وما تقوم به من أجل ترسيم السنة الامازيغية؟

باختصار شديد، يمكن القول أن الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي، كأول جمعية تأسست من أجل إنقاذ التراث الأمازيغي، خاصة منه “التراث الرمزي” أو “التراث الثقافي اللامادي”، كانت المبادرة في البحث عن تحديث أساليب الاحتفال برأس السنة الأمازيغية وبالعمل على التمييز بين مختلف المصطلحات والمفاهيم التي تتقاطع أشكال الاحتفال بالسنة الأمازيغية. وبادرت إلى نقل الاحتفال من داخل جدران المنازل العائلية إلى فضاءات الجمعيات الثقافية، ودعت فروعها إلى الاهتمام بالمناسبة بشكل يخلق الوعي الهوياتي الإيجابي لدى المواطنين. كما أن مجموعة من مناضليها ساهموا ويساهمون، كلما حلت المناسبة، في نشر مقالات وعقد ندوات وتنظيم أيام احتفالية فنية من أجل تكريس هذا الوعي الجديد ويصدرون بيانات من أجل ترسيم السنة الأمازيغية.

ذكرنا جمعية البحث والتبادل الثقافي ، وهي احدى اقدم الجمعيات الامازيغية العتيدة، نريد باختصار تقديم المسار النضالي للجمعية ، وكيف هي اليوم وهل هناك جهود من اجل النهوض بها لمواجهة ما تتعرض له الامازيغية اليوم؟

هنا أيضا، وباختصار شديد، كانت الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي؛ منذ ميثاق أكادير إلى صدور دستور 2011، بمثابة القوة الاقتراحية من أجل ترسيم الأمازيغية لغة وثقافة وهوية وحضارة، اعتمادا على أسلوب الحوار مع الجميع (جمعيات المجتمع المدني بمختلف اهتماماتها الثقافية والحقوقية والنسائية، أحزاب سياسية، فرق برلمانية، وسلطات عليا)، وعلى ندوات محلية ووطنية، وعلى إصدارات علمية وأكاديمية، وعلى بياتات، وعلى مشاركات في تظاهرات محلية ووطنية ودولية. وبعد صدور دستور 2011 الذي أشرط ترسيم الأمازيغية بمجموعة من القوانين التنظيمية أهمها القانونين التنظيميين الواردية في الفصل الخامس من الدستور وهما القانون التنظيمي المتعلق بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية والقانون التنظيمي الخاص بإحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، قامت الجمعية بإصدار مذكرات وبيانات متعددة موجهة لكل المؤسسات المعنية بتفعيل تلك القوانين وللرأي العام الوطني والدولي. وهي عضو في المبادرة المدنية من أجل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية التي لا تكتفي بإصدار بيانات، بل تركز على القوة الاقتراحية لتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية من خلال مذكرات ولقاءات مباشرة مع المعنيين بهذا التفعيل، بمشاركة النسيج الجمعوي الثقافي الأمازيغي وجمعيات ومنظمات الحركة النسائية وجمعيات ومنظمات الحركة الحقوقية. وستستأنف ترافعها هذا مباشرة بعد تنصيب الحكومة الجديدة وتشكيل الفرق البرلمانية الأغلبية والمعارضة؛ وذلك بأسلوب جديد ومتجدد.

ارتباطا بالنضال الامازيغي وبالاحتفال بالسنة الامازيغية سيحتفل الامازيغ قريبا بعامهم الجديد في ظل تراجع خطير يمس القانونين المتعلقين بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية وبإحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، كيف تفكرون في مواجهة هذا التراجع وفي نفس الآن الاستمرار في المطالبة بترسيم السنة الامازيغية؟

لقد بدأت الحركة الأمازيغية، منذ 50 سنة (أي منذ أن تأسست الجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي في 10 نونبر 1967)، بالعمل على جمع وتدوين وإصدار ما كان مهددا بالانقراض من ثقافتنا الأمازيغية نتيجة التهميش والإقصاء والتحقير لكل ما هو أمازيغي إعلاميا ومؤسساتيا وتعليما، ثم انتقلت إلى مرحلة المطالبة بالاعتراف والاهتمام بالأمازيغية مؤسساتيا إعلاما وتعليما، قبل أن تتم المطالبة بالاعتراف بها دستورا. وكان كل ذلك بأسلوب حضاري وبالحوار أولا والحوار ثانيا والحوار ثالثا.
وقد تحقق اليوم جزء مهم مما كنا لا نتصوره في أواخر الستينات وخلال سنوات السبعينات والثمانينات. وإذا أخذنا بعين الاعتبار علاقة ذلك بالسنة الأمازيغية ببعدها التقويمي الزمني المتوافق عليه ، ألا وهو 2967 وطرحنا منه سنة التقويم الزمني الذي أنشئت فيه أول جمعية تسعى إلى العمل على تثمين الأمازيغية لغة وثقافة وهوية وحضارة ألا وهو 1967 (2967 – 2967 = 1000 سنة)، فإننا سنلاحظ أن الأمازيغ، بالرغم من كل الأنظمة الاجتماعية الثقافية والسياسية والقانونية والاقتصادية التي أسسوها طيلة ألف (1000) سنة، وهم في أغلب فترات هذه المدة كانوا مستقلين سياسيا، لم يعملوا قط على مأسسة الأمازيغية وعلى الكتابة بها رغم وجود أبجدية خاصة بها، هذا إذا ما استثنينا ما وصل إلينا من محاولة ماسينيسا اعتماد الأمازيغية لغة وكتابة في دواليب “الدولة” التي أرادها مستقلة عن روما “الإمبراطورية العالمية” في زمانه…
اليوم، يمكن أن نسجل انتشار الوعي، خاصة لدى فئة من الأجيال الصاعدة والمكونة تكوينا علميا وأكاديميا والمتوفرة على وعي وتكوين سياسيين ونضالين يؤهلها لمعرفة واجباتها وحقوقها في ظل أسمى قانون للبلاد وهو الدستور وفي إطار المواثيق الدولية التي صادقت عليها الدولة التي لا ينفك خطابها مسوقا، وطنيا وإقليميا ودوليا، لصورة “دولة الحق والقانون” و “البلد الاستثنائي” و”دولة التعدد اللغوي والتنوع الثقافي”.
علينا ألا ننهزم أمام أصوات التشكيك في قضيتنا المشروعة والتي تعتبر من بين الملفات السيادية (القضية الوطنية، القضية الدينية، القضية النسائية والقضية الأمازيغية) إضافة إلى قضية الشباب التي تتقاطع مع كل هذه القضايا الأربعة؛ كما علينا أن نتفادى واقع التشردم وأسلوب التخوين والصراع المجاني والتنافس السلبي وأسلوب الزعامات الفردية. وما دمنا لا نحبب للغير الأمازيغية، لغة وثقافة وهوية وحضارة، ونقوم بتثمينها وتحديث ما يستلزم منها التثمين والتحديث، وما دمنا لا نشكل، في هذا المضمار، قوة اقتراحية بأسلوب حضاري، فإن المكتسبات نفسها لن يتم ترصيدها، فبالأحرى تفعيل ما لم يفعل بقوة الدستور نفسه.
أتمنى سنة أمازيغية جديدة (2967) سعيدة لكل النساء اللائي حافظن على عادات وتقاليد وطقوس السنة الأمازيغية بتمريرها من جيل إلى آخر، ولكل من ساهم في تثمين وتحديث أشكال الاحتفال بالسنة الأمازيغية في المغرب أو شمال إفريقيا أو في الدياسبورا، ولكل سكان العالم الذين أتمنى لهم أيضا ارتباطا سليما فيما بينهم وبين الأرض والطبيعة والبيئة، التي بدون الحفاظ عليها وتدبيرها تدبيرا عقلانيا، سيكون وجودنا كإنسان، وبدون أدنى شك، في خبر كان. خاصة وأن قيمة القيم التي يقدمها لنا الاحتفال بالسنة الأمازيغية هي: الاحتفال باعتماد “تدبير الندرة” و”مواساة الطبيعة في ألمها” في هذه الفترة من فصول السنة الفلاحية، والتي تليها “فترة الخصوبة” في احتفالات فصل الربيع. وإلى تلك الفترة نتمنى مزيدا من تحقيق الحقوق اللغوية والثقافية والبيئية في بلدنا ليستحق، بالفعل، وصف “البلد الاستثنائي”.

*الحسين أيت باحسين
باحث في الثقافة الأمازيغية
الكاتب العام للجمعية المغربية للبحث والتبادل الثقافي بالنيابة

————————————–
ملحقات:
روابط نحو مجموعة من المقالات التي تم نشرها في الحوار المتمدن حول “الاحتفال بالسنة الأمازيغية” :
الاحتفال برأس السنة الأمازيغية
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=296823
على آثار الجذور الثقافية والتاريخية للسنة الأمازيغية احتفالا وتقويما
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=449670
الأفكار تتضارب حول تواريخ الاحتفالات برأس السنة الأمازيغية
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=337919
الاحتفال برأس السنة الأمازيغية: “أثر من آثار نزول نوح عليه السلام من السفينة”
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=340264
من أطباق السنة الأمازيغية: أكلة “تاكَلاّ” (Tagwlla) (جد الرخيصة التكلفة والعميقة اللدلالات)
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=450958
السنة الأمازيغية : بعد احتفالي، حدث تاريخي ومطلب سياسي
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=500745
الاحتفال ب”السنة الأمازيغية” من أجل تجديد الارتباط بالأرض وبالبيئة
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=501029
السنة الأمازيغية: ظاهرة احتفالية، بُعدٌ بيئي، حدث تاريخي، بُعدٌ تقويمي ومطلب سياسي
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=544467
طقوس الاحتفال بالسنة الأمازيغية تقاوم الزمان
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=544796


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading