أزول بريس -عبد السلام الخلفي
لا أحد يمكنه أن يمنع أو يجرم شخصا قرر الانتماء إلى حزب سياسي. كل المواطنين أحرار في انتماءاتهم واختياراتهم السياسية والأيديولوجية. تماما كما أن اي شخص له الحق في أن يخلع عنه معتقداته وقناعاته السابقة ويلبس أخرى جديدة. مناسبة هذا الكلام ما حصل مؤخرا من التحاق بعض مناضلي الحركة الأمازيغية بحزب الأحرار. فقد آخذ عليهم بعض نشطاء الحركة الأمازيغية تسرعهم والتحاقهم بحزب لم يقدم لحد الآن- كما قالوا- اي شيء للامازيغية، بل وذهب البعض الآخر منهم إلى اتهامهم بأشياء لا نحبذ ذكرها.
الواقع ان التحاق أفراد أو مجموعات ينتمون للحركة الامازيغية باحزاب سياسية والترشح بأسمائها ليس وليد اليوم، بل هو أمر قديم. فالعديد من الفعاليات الامازيغية التي لم تجد نفسها في الخطاب الامازيغي الكلاسيكي ذي الطابع الجمعوي، اتخذت لها وجهة هذا الحزب أو ذاك أو سكتت عن الكلام ولم يعد لها اي حضور في الساحة.
هناك تقديرات مختلفة لهذا الالتحاق (الالتحاقات). فالبعض يرى فيها استغلالا لرموز الحركة الأمازيغية ولنضالاتها، وهناك من يرى أن هذا الالتحاق يشكل ضربة أخرى للحركة الأمازيغية، اذ كلما مرت عشرية أو عشريتين الا وجاء المخزن ليقطف بعض الرؤوس القائدة، وهناك من رأى أن الالتحاق سيعزز مكتسبات الأمازيغية لأنه لا يعقل أن يظل الأمازيغ يطالبون من السلطات ومن الأحزاب السياسية ان تمن عليهم ببعض فتاتات الاعتراف دون أن يكون لهم حضور داخل دواليب الدولة ( التشريعية والتنفيذية) ودون أن يشاركوا في صنع القرار.
اعتقد أن التحولات العميقة التي عرفتها الحركة الأمازيغية والتي جعلت منها حراكات (بالجمع) لم يواكبه على مستوى المرجعيات الكبرى بناء مشاريع ذات أبعاد فكرية واجتماعية وثقافية. فإذا ما استثنينا الأدبيات التي انتجها الرعيل الأول والثاني من أبناء الحركة الامازيغية، وإذا ما استثنينا كذلك أدبيات حقوق الإنسان وبعض الأصوات التي تنظر لامازيغية علمانية، ليس هناك، لحد الآن، اي مجهود فكري جدي يؤصل لهذه المشاريع بما يجعل منها مرجعيات قادرة على التعبئة الأيديولوجية والسياسية. صحيح أن هناك محاولات من طرف أشخاص أرادوا أن يؤسسوا لأحزاب، لكن محاولاتهم اصطدمت بقرار إداري بسيط حكم عليهم بالحل: حل الحزب الامازيغي لاعتبارات عرقية. هل كان هذا ممكنا لو ان الحركة الأمازيغية تمكنت من إنتاج مشاريعها الفكرية والمجتمعية؟ هل كان ذلك ممكنا لو كان لتلك المشاريع امتدادات عميقة في هذا الشتات الامازيغي الذي يسمى الحركة الامازيغية؟. لقد كنت دائما اقول ان أول قوة سياسية بالمغرب هي الحركة الامازيغية، إذا أخذنا بعين الاعتبار أعداد المناضلين والمناضلات والمتعاطفات والمتعاطفين معها، ولكنها مع ذلك هي القوة الأضعف بسبب تشتتها وتآكلها الداخلي.
امام هذا الوضع، ونظرا لانتشار بعض تقاليد التخوين والتخوين المضاد، وأمام تنامي بعض الزعامات الفردية، فإن الكثير من الرموز التي اشتغلت على موضوع الأمازيغية وناضلت من أجلها ستجد نفسها أمام خيارين:
– اما ان تغلق عليها الباب وتنتظر، كما يفعل الكثير منهم،
– أو تبحث لها عن متنفس آخر لتحقيق طموحاتها السياسية التي لا يمكن أن يحققها لها ارخبيل من الجمعيات التي لم تستطع، لحد الان، أن تجتمع ولو في إطار واحد لمنتدى امازيغي للحوار. ان هذا هو ما جعل ويجعل الكثير من الفاعلين الأمازيغ يلتحقون بالإطارات الأخرى. والمؤكد أن هذا لن يتوقف ما دامت شروط البقاء غير متوفرة.
هل هذا يعني أن الذين التحقوا باحزاب جاهزة قد ضاعوا من الحركة الأمازيغية للأبد. لا اعتقد ذلك. فتواجدهم داخل تلك الإطارات قد يقدم خدمة للامازيغية وللحركة الأمازيغية في نفس الوقت. ولكن هذه الخدمة مشروطة كذلك بنوع التعامل البراكماتي الذي قد ينهجه الفاعلون الأساسيون في الحركة الأمازيغية. فإن أحسنوا توزيع الأدوار يمكن أن يحققوا بعض المكاسب، وأن لم يفعلوا، فإن الاغتراب وتعميق التشتت سيكون سيد الموقف.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.