ينبش عالما آثار مغربي وإسرائيلي في قلب كنيس في واحات أقا، أديم الأرض بحثاً عن أجزاء ولو صغيرة من آثار تشهد على وجود اليهود منذ آلاف السنين في واحة جنوب المغرب.
انطلقت عمليات الحفر غير المسبوقة كجزء من مشروع لاستكشاف وإعادة ترميم التراث اليهودي في الواحات المغربية التي هجرها اليهود وغادر جزء كبير منهم البلاد في مراحل مختلفة.
مخطوط أثري
يمثل اكتشاف جزء من مخطوط ديني باللغة العبرية « إشارة من الله »، على ما يفيد الباحث في علم الآثار الاسرائيلي يوفال يكوتيلي من جامعة بن غوريون في النقب وهو واحد من ستة باحثين إسرائيليين وفرنسيين ومغربيين. وتعززت هذه الشراكة العلمية بفضل تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل عام 2020.
أنوبُني الكنيس في قرية تاكديرت استناداً إلى تقاليد معمارية قديمة، وأُنقذ من الخراب الذي كان محدقاً به. ويقع الكنيس في وسط « الملاّح » (الحي اليهودي)، ويعطي فكرة عن حياة مجتمع أقا التي كانت ذات يوم مفترق طرق للتجارة عبر الصحراء.
يقول عالم الآثار في المعهد المغربي الصغير مبروك إن « هناك حاجة ماسة إلى العمل على هذا النوع من المساحات المعرضة للخطر والتي قد تختفي، في حين أنها تحتوي على أجزاء من التاريخ اليهودي المغربي ».
تراث قديم
وقطن اليهود المغرب منذ العصور القديمة وازداد عددهم منذ القرن التاسع عشر ليصل إلى 250 ألفا منتصف القرن العشرين، قبل أن تنطلق موجات الهجرة إثر إعلان قيام دولة إسرائيل وتقلّص عددهم ليصل اليوم إلى حوالى ألفي يهودي. لكن لم يتم توثيق التواجد اليهودي في هذه الواحة بالشكل المناسب.
وتؤكد عالمة الأنثروبولوجيا الإسرائيلية من أصول مغربية أوريت واكنين أن مشروع الحفريات « يهدف إلى درس هذا المجتمع بصفته جزءا لا يتجزأ من المجتمع المغربي وليس من زاوية يهودية بحتة ».
تتقدم عمليات الحفر فيما يصنّف علماء الآثار أجزاء من كتب دينية وغيرها من الأشياء المدفونة تحت « البيما »، وهي منصة مرتفعة في وسط الكنيس تُقرأ منها التوراة.
يشدد يوفال ييكوتيلي على أنه « اللافت هو أحداً لم يكتب من قبل حول هذا الردم »، معتبراً أنه « كان علينا القيام بحفريات لاكتشافه »، لأنه فيما يتوجّب عدم إلقاء أو إتلاف النصوص الدينية، من غير المعتاد أن تردم في هذا المكان.
ومن بين المواد المحفوظة والمصنفة، رسائل وعقود تجارية وعقود زواج وأوعية منزلية للاستعمال اليومي وقطع من النقود. وبدأ مبنى الكنيس بالانهيار عندما حاول لصوص نهب الكنز المدفون تحت التراب.
ويقول عالم الآثار الإسرائيلي إن « الأمر السار هو أن إحدى الركائز انهارت، ما جعل المرور غير ممكن » إلى هذا المكان.
محاولات نهب متعددة
ووقعت محاولات مماثلة لسرقة ونهب الآثار على مسافة 100 كيلومتر من أقا، ومنها ما حصل في موقع كنيس اكرض تمنارت، حيث أطلقت حفريات في العام 2021. وهذه المرة لم يردم التراث الأثري بل أخفي في مستودع سرّي خلف جدار مكسور. ونجت غالبية المقتنيات من السرقة، بما في ذلك 100 ألف جزء من مخطوطات وتمائم وغيرها.
وتولت المهندسة المعمارية المغربية سليمة ناجي الإشراف على عمليات الترميم في اكرض تمنارت وتاكديرت، مع الأخذ في الاعتبار طبيعة هذه المنطقة القاحلة والنائية.
وصرحت لوكالة فرانس برس « بدأت قبل أكثر من عشر سنوات وضع تصنيفات نموذجية لكل المعابد اليهودية في المنطقة. ساعدتني تجربتي في إعادة تأهيل مساجد وقصور (قرى محصنة)، على فهم أفضل للمعابد اليهودية ».
وتتواصل عمليات الحفر في تاكديرت فيما تعمل فرق الهندسة على إعادة الإضاءة إلى المكان. وينظر المتساكنون المسلمون إلى المشروع بعين الرضاء والتقدير وتقول محجوبة أوباها (55 عاماً) إنه « من الجيّد عدم ترك الكنيس اليهودي مهجورًا ».
ويمكن اكتشاف التراث اليهودي المغربي من درس العديد من المواضيع منها نمط عيش آخر المتساكنين في حي الملاّح.
أجرت عالمة الأنثروبولوجيا الإسرائيلية أوريت واكنين مقابلات مع سكان يهود سابقين في القريتين، استقروا في إسرائيل والولايات المتحدة وفرنسا، وتقول « إنه سباق مع الوقت لجمع هذه الشهادات الثمينة ».
إلى ذلك، يجد الجغرافي الفرنسي دافيد جويري، وهو منسق مشروع الحفريات، « هذه الأماكن المهمّشة ثمينة للغاية لفهم طريقة إعادة توجيه حياتنا اليوم
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.