الحركات الإحتجاجية .. وضرورة إعادة الإعتبار للعمل السياسي
…..إن الحَرَكَة من مظاهر الفعل والحياة والنشاط الإنساني إيجابا وسلبا .
وفي علاقة بالحراك نذكر ب “المِحْراكُ ” الذي يطلق على الخشبة التي تُحَرَّك بها النار ، وفي علاقة بالتدبير السياسي له يفترض أن يكون المسؤولون في تواصل وحوار ومعالجات للمطالب والسياسات التي أثارت الإحتجاج ، لا أن يكونوا من موقع المسؤولية ” كالمِحْراك ” الذي يتسبب في تأجيج الإحتقان والتصعيد ..
إن الحراك دليل على الحياة ، وكاشف للأحوال والأوضاع و الإختلالات والعلل .. وعكسه السكون الذي لايدل بالضرورة على أن كل شيئ على مايرام ، فالأخطر أن تكون المعاناة والألم والمتضررون ساكنون لأن ذلك من علامات المرض المهلك للمجتمع والوطن بفقد الإحساس وتعطل المناعة والمقاومة التي تسهل العلاج والشفاء ..
:قال الشاعر
هل نقيضُ السكونِ إِلا حراكٌ … ونقيضُ الحراكِ إِلا السكونُ
إن الذين يتعللون بأن وراء كل حراك اجتماعي وحقوقي واحتجاجي دوافع سياسية بتعمدون محاربة العمل السياسي ليحتكروه هم والمستهدف أساسا من ذلك الأحزاب التاريخية المؤسسة للعمل الوطني والتي ناضلت ولا زالت من أجل بناء دولة الحق والقانون وإقرار العدالة الإقتصادية والإجتماعية والتوزيع الديموقراطي للثروه .. وواقع الحال أن وراء الإحتجاجات سياسات حكومية تمس ببعض تشريعاتها المستحدثة وإجراءاتها حقوق الناس وتلحق الضرر بأحوالهم وأوضاعهم وتسعى لسلبهم حتى بعض مكتسباتهم ..
إن كل مطالب المحتجين في جوهرها تنتقد سياسات الحكام وتسعى إلى إقرار بدائل مخالفة لها لتنمية المكتسبات وتحصين الحقوق وتأسيس أخرى تساير الدول الرائدة في المجال الحقوقي والإجتماعي والتنموي وتحسين الأوضاع وإصلاح اختلالات السياسات والتسيير والتدبير العمومي …
فهل أصبح البعض بالحكومة يتضايق من دستور البلاد الذي أقر بأن بناء الشأن العمومي يرتكز على العمل السياسي بالتأطير الذي تقوم به الأحزاب والنقابا ت وهيئات المجتمع المدني البناءة والجادة ،، ليقوم المواطنون والمواطنات في علاقتهم بالسياسة بالمشاركة الفعلية في الشؤون العامة والترابية وتولي المسؤوليات
حيث (( السيادة للأمة، تمارسها مباشرة بالإستفتاء، وبصفة غير مباشرة بواسطة ممثليها . تختار الأمة ممثليها في المؤسسات المنتخبة بالإقتراع الحر والنزيه والمنتظم.)) الفصل الثاني من الدستور …
إن الحراك فعل أو رد فعل لإثارة الإنتباه لمشكل وقضية أو ظلم أو إنحراف .. وجب ويجب أن يتعامل معه المسؤولون بما يعيد الإطمئنان ليس بالوعود والتهديد والتشكيك والتبخيس ، بل بالمعالجة الفعلية المادية والمعنوية ..
والحراك المتكرر والمستمر لأزمنة دليل على أن المسؤولين إما أنهم لايهتمون بالأمر ، أو أنهم راضون ومتشبتون ببقاء أسباب الإحجاج إلى أن يتلاشى ، أو أنهم يميلون إلى اعتماد أخف الضررين وفق قناعتهم ونصائح المؤسسات النقدية ببعدها الرأسمالي الليبرالي المخالفة لقناعات ومصالح الطبقات الشعبية والشغيلة ..
إنه ليس تفريغا للمكبوت ورغبة في التظاهر كطقس “فولكلوري” ،، بل هو تعبير إنساني ديموقراطي ،حضاري ودستوري وظاهرة صحية و يحمل قيم المواطنة الحقة من أجل حث من يعنيهم الأمر للقيام بالإصلاح والتغيير وللتجاوب مع مطالب يمكن استخلاصها من عناوين و موضوعات التظاهر والشعارات المرفوعة و التي تتدرج في رفع سقف المطالب بسبب تعصب وتناور ورفض يصطبع بصور العبوس والتولي والمواجهة التي يبرزها بعض المسؤولين المعنيين بالتعامل مع التظاهر ..
إن أي تشريع عندما يوضع دون الأخذ بعين الإعتبار رأي وإرادة ومصالح الشعب أو فئات منه ، يكون من مصادر وأسباب المشاكل والأزمات والإحتقان ،،كما هو الحال في ملفات الاراضي السلالية والغابوية والعدالة المجالية فيصبح من الضروري والواجب تعطيل المواد المثيرة للمشاكل أو إلغاء التشريع كاملا إن كانت بنيته تقوم على التأزيم وتؤدي له ، ذلك أن حتى النصوص الدينية المقدسة تقتضي المصلحة الشرعية الراجحة أحيانا الإجتهاد في تأويل وتفسير النص بما يستحضر التيسير وليرفع عن الأمة الإحراج والتعقيد ،،
إن التشريع الذي لا يطور ولايحسن أوضاع الشعب ولايحقق عدالة شاملة دون تمييز تضطرب عدالته وقد تتعطل ، لهذا من الطبيعي والمنطقي أن تقوم الشعوب وحكوماتها الوطنية بعد تحررهم من الإستعمار بإسقاط قوانينه وتشريعاته وسياساته الظالمة ، وتعديل وملاءمة البعض منها لما فيه مصالح الوطن والشعب ، ووضع تشريعات جديدة بيناء الدولة المستقلة المنشودة ..
إننا أصبحنا في حاجة إلى إحداث أمانة عامة مستقلة عن الأمانة العامة للحكومة تمثل المجتمع المدني والكفاءات العلمية والديموقراطية والحقوقية مهامها مراقبة مشاريع القوانين ليس فقط من حيث دستوريتها بل من حيث عدم مساسها بمصالح الشعب وحقوقه ومكتسباته . أو ما سيترتب عليها من آثار ستؤزم وتؤثر سلبا على مستقبل استقرار وتقدم أحوال الناس في جميع القطاعات ، وأن تكون لها قوة معنوية لتعطيل ما يمكن أن يشكل تراجعا سيتسبب في إثارة الإحتجاجات أو رهن سياسة الدولة وظروف عيش الأجيال اللاحقة ..
إن سياسة البعض بحكومات العالم الثالث تخالف وتناقض نفسها وأحيانا تبطل العديد مما كانت تنادي وتتزايد به في حملاتها الإنتخابية للظفر بأصوات الناخبين وللوصول إلى الحكم ،، وهذا يوصف في أبسط أوجهه بعدم الوفاء بالإلتزامات والعهود والمواثيق التي هي تعاقد رسمي بين طرفين : من كان يسعى للحكم والشعب يمارس سيادته ..
إن من يريد أن يحارب الفقر ويضع حدا للإحتجاج عليه أن يزيل الأسباب ، ومن يبتغي إصلاح أي قطاع فعليه أن يجعل خدماته في مستوى تطلعات المواطنين والمواطنات وليس بالإستناد إلى حلول “مفترضة” تكون آثارها متسببة في تدهور الأوضاع وإختلال التوازنات المرتبطة بالعدالة الإقتصادية والإجتماعية التي يقوم عليها الإستقرار..
فبعد كل الذي حصل ويحصل والذي وسع من فقدان الثقة والعزوف ورفع منسوب اليأس والتدمر ، متى سيسترجع العمل السياسي اعتباره ؟ ،إننا أمام ضرورة أخلاقية وسياسية تفرض على الجميع بالحكومة والمسؤوليات المختلفة وبالأحزاب والنقابات ..إلخ .. ممارسة نقد ذاتي كأفراد وكهيئات و الإعتراف بالأخطاء وامتلاك الجرأة والإرادة القوية في تغيير وتصحيح المسارات ومراجعة الإلتزامات والبرامج ومناهج العمل لتتجاوب وانتظارات وتطلعات الوطن والشعب ،، والإبتعاد عن التجريب والتقليد والإرتجال في القضايا الصغرى والكبرى وادعاء احتكار المعرفة ، وعدم الإعتراف بوعي الآخرين .وقدرتهم على التأثير والفعل في مسارات الدولة والوطن .
* بقلم مصطفى المتوكل الساحلي
تارودانت : الأربعاء : 03 أبريل 2019
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.