حرقة السؤال في دوامة حيرة المثقف
” موقف يلزمني وربما يلزمكم..”صيحة ثكلى في زمن التطبيع ..
صيحة صـــامت ..
للمرة الألف بتنا نبحث عبر الخريطة العربية البلهاء عن فضاء يواري سوءتنا في زمن اختلت فيه الموازين واستبيحت الشرعية الدولية ونجوم في السماء تنظر ولا تسعف..هكذا دخل الزناة بيوت بني كنعان ولا نخوة تذكرنا بالتاريخ الذي ولى وراح..أبعد الآن لا زال المهرولون إلى لعبة التطبيع لم يستحيوا من قامتهم النخرة؟.ألا يحق لهم الآن أن يهودوا علانية عروبتهم الذابلة؟..
سحقا لنفوس دنيئة لا زالت تطل علينا عبر كتاباتهم المغشوشة حتى النخاع؛ وقد ربحت نفسها وخسرت العالم..ها هي ذي الشيشان بعد لبنان والبوسنة تموت واقفة فلتشربوا معشر العرب البحار..ها هو بلد الشيح والعرعار والأرز والصفصاف يقول لكم :إليكم عنا يا من بعتم عروبتكم بثمن بخس زهيد، واستبحتم طهارة ملة إبراهيم، وصفاء أخلاق خير البرية.. إنكم حقا حثالة زمن رديء فزنروا حقدكم كيف تشاءون ما دام للخريطة العربية البلهاء أبطال أشاوس لا زالوا يؤمنون أن للعدل ربا يحميه..ولا زال في القلب المكلوم متسع لعشق تاريخ نراه يعض على النواجد أسفا، ويبكي مجدا أضاعه نخاسو عروبة عارية مثل الحقيقة في بلادكم..
حرقـــة المتـــاه ..
سنمتطي معشر المقهورين مسحة الضباب ونقاتل الصمت في بوابة العذاب.. هذه النياشين تبحث في وجداننا عن معنى للسراب.. عبثا سنتفرس نيزكا يخترق الضلوع ويطارد لعنة نسيت لعنتها..فيا أيها النسيان فض بكارة التيه، ولملم سوءة الأحبة الموتى خارج أسطورة الغراب.. نسي الطين ساعة أنه طين-فمن يشتري المتاه في زمن الدوار؟..من يرتل بعد الآن أبجدية الخراب؟..من ينكر أن البسمة استحالت إلى سحاب؟.. حيارى أنتم جيل الضياع..تبحثون عن وطن الميعاد ولا وطن يا أحباب.. ترسمون شكل البحر على الشفاه ولا بحر يحتويه اليراع.. هكذا قالت قارئة الفنجان واحتمى القمر المنهزم خلف الكثبان.. هكذا عسعس الليل البهيم وعانق عشاق بلادي مواويل الناي العليل..
سنبحث عنك -أيها المتاه العربي ،يا قاتلنا- في الجفون الناعسة.. سنخترق فيك نوايا الصبايا وما اقترف الفؤاد.. أنت نشيد الغرباء وربيع الفقراء.. سنرسم الخطى على بقايا الرماد..وسنحكي عن قصة طائر الفينيق، ونحتج لسليمان عن منطق الطي..وسنقد من دبر قمصان العذارى في بلاد العروبة..سنضرب الأزلام ونعقر ناقة الله..سخطا أيها المتاه العربي.. تقتل الفتى وتدخل جثته اعتمارانموت،ت نحن المتيمين العرب حين نموت ،ونحمل تعبنا على جفوننا ،وقدرنا على تراتيل جنوننا..زمن العرب بوابة مشرعة على الفراغ.. وصمت العرب رمانة مكورة على الإسفلت الحزين..رصاصة طائشة رباه في زمن المتاه!..
حرقة السؤال..مجرد استفهامات ..
أحقا في هذا العالم المسكون بآلات الدمار لا يسع المثقف إلا أن ينثر كنانته من جعبة تآكلت مثلما تآكلت عصا موسى؟..هي ذي هشاشة الوقت تفضحها سيرة خريطة عربية بلهاء تحسن السر ولا تعشق الكر..أيكون الوقت معشر المثقفين كاذب أفاك ليعلن فيكم تفاهة كتب التاريخ الخجولة حتى من نفسها؟لعنتكم إخوتي المثقفين بيضاء بياض وقتكم الحالم..ولسنا ندري بأي ذنب تعاقبون والحقيقة أنكم لم ترتكبوه..!أيحق لكم بعد الآن أن تعلنوا لعنة ًنزار قبانيً حينما تساءل مستنكرا خيفة وتوجسا عن وفاة العرب؛ ووارى-وفي قلبه شيء من حتى-جثتهم إلى مثواها الأخير مخافة أن تنهشها الغربان ونجوم في السماء تنظر ولا تسعف..؟أكذب من قال ًالجحيم هم الآخرون ،ًوفيكم من نمق سراديب الجحيم ودوزن إيقاعاتها في فضاءات القيل والقال وما يقولون؟..وكأننا بلغة المثقف لم تعد تحتمله في هذه الأزمنة الجائرة،وغدت سياسته لقيطة،تبحث فيه عن هوية مشاعة تتبناها سلالة هابيل وقابيل حين التفت المدية بالمدية ،وسيق الكل إلى الخطيئة الأزلية ؛فكان ميلاد المقاومة ًالغرائبيةً..
حيرة ثقافة..حيرة مثقفين..
ما الذي يشد المثقف إلى ثقافة مستنفرة في زمن ضاع فيه الملاح والمجداف؟..زمن الأنين هنا وهناك..زمن العطالة التي أربكت بنيات اسر لفتها غشاوة أمل قد تأتي ولا تأتى في مثل هذه الحالة الجديدة والغريبة على وجود الإنسان المثقف ووضعه ،ألا يصبح من الأصح كما يقول محمد الخطيب أن يغير نمط تفكيره وأجوبته؟أليس من الأصح أن نقول كمثقفين أن التاريخ والمستقبل صارا إمكانية مزدوجة ،فيها طريق التقدم وفيها إمكانية الفناء ،وأن نكافح بالتالي عبر طريق التقدم؟هكذا يصبح المثقف وبشكل جلي يغوص عميقا في مأزق شامل يحتاج إلى مراجعة ونقد وتعويض.إن المأزق الراهن الذي يعيشه المثقف لا يختلف عن المأزق السياسي. وإن كان المثقف يطرح سؤال الأزمة بإلحاح وتصميم وغضب.بل ربما يدفعه الغضب أحيانا إلى آفاق السواد والإحباط والمتاهات المفتوحة.أي زمان هذا الذي يعيشه المثقف والمتلقي معا.غرابة تعانق غرابة، ورداءة تحمل في طياتها رداءة..الرداءة في أي مكان..في الشارع، في الحياة العامة والخاصة، بل حتى في علاقة الناس بعضهم البعض.فما الذي جعل الرداءة تنتشر في هذا ال، وصدالعربي العليل؟هل هو المناخ الذي ساعد المثقف على ذلك؟أم انه فقدان التقاليد الفعالة للعلا، وصدد الأبواب في وجه كل محاولة لحقن هذا الجسم بالمصل المضاد لها؟تلك علة غدت تزحف وبسرعة الضوء نحو العقول والقلوب بصورة مرعبة..
أجل،من لا يكبر فيه وسواس الثقافة ليس بمثقف أو بمشروع مثقف ولو احتفظ بغموض النوايا حتى آخرها..شئنا أم أبينا الثقافة هي الوحيدة والقادرة على تأليف ذاكرتنا على شكل قصائد مثقوبة ..تغازل قاموسا زئبقيا متجددا كل لحظة وحين..أسئلة تتناسل من واقع الحال المأساوي الذي أصبحنا نعيشه ولا من إجابة واحدة، والمثقفون في آخر المطاف هم الضحايا بامتياز، يرفضون، يصرخون، يحتجون، ينشطون، يموتون على نحو بطيء ولا من يكترث.. الأشياء تتحرك في الثقافة الآنية كما تتحرك في الواقع فوضى..ثقافة دخانية تمارس غموض الاحتيال على المكان والمبدعون يشاركون المحاربين بالرقص حول الجثة وعليها..لعلكم معشر المثقفين لا تختلفون ولن تختلفوا على أن حقيقتنا الثقافية يجب أن تعيش صحوة عقلية فري.
د.عبد السلام فيزازي
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.