رشيد الحاحي//
لفهم ما يجري اليوم، وتقييم حصيلة الأمازيغية خلال الخمس سنوات بعد 2011، عدت إلى كتاب الأمازيغية والسلطة وتأكدت لدي خلاصاته التي صغتها مند تسع سنوات، ومنها:
وضحنا كيف إن السلطة المهيمنة مارست نفوذها عبر عدة مواقع وبتوظيف عدة آليات وقنوات، اعتمادا على تصورات إيديولوجية لامست مختلف أبعاد الوجود الاجتماعي والثقافي، وقضايا الوعي والهوية والمقدس، بشكل منتج للتصورات والاعتقادات والأفكار والقيم، وضامن لمسعاها في إعادة الإنتاج الاجتماعي، والحفاظ على مصالح الفئات والأطراف الاجتماعية المسيطرة عبر إستراتيجية للتحكم والتوجيه والاستيعاب القسري.
نعلم مع لوي التوسير أن الإيديولوجية منظومة من التمثلات ليست لها صلة كبيرة بالوعي . فهي في أغلب الأحيان صور وتصورات لا تفرض ذاتها على معظم الناس إلا كبنيان دون أن تمر بوعيهم. إنها موضوعات ثقافية تدرك وتقبل و تعانى وتعاش، فتفعل فعلها في البشر عبر مسلسل يفلت من أيديهم.
وبما أن إستراتيجية تنظيم وممارسة السلطة، ومواقع اشتغالها في محاصرة الأمازيغية لغة وثقافة وخطابا همت مستويات وحقول وبنيات متعددة، يتقاطع فيها الديني والسياسي والتعليمي والثقافي، حيث نفذت إلى مختلف مسارات الإنتاج الاجتماعي، ودواليب ومؤسسات الدولة ومجلات التكوين والتوجيه والإنتاج الشعبية منها والعصرية، فإنه من الواضح أن نقد إستراتيجية الهيمنة يطرح بإلحاح أسئلة الشأن العام ومواضيع الديمقراطية والحداثة والجهوية والعلمانية والتنمية، وذلك بشكل يؤكد مدى ارتباط مطلب إعادة الاعتبار للأمازيغية ومسعى تبوئيها مكانتها العادلة في الحياة الاجتماعية والمؤسساتية المغربية، بمشروع وورش التغيير والتقدم والإنعتاق من القيود والاختيارات التي أفضت إلى وضعية الأزمة التي ورثها المغرب والمغاربة عن القرن العشرين.
وإذا كان المطلب الأمازيغي في بدايته انطلق من الوضع اللغوي والثقافي، فإن تحليل ونقد هذا الوضع والتدابير الإدارية والتحريفات الإيديولوجية والإجراءات المؤسساتية التي أفرزته، ونتائجها الاجتماعية، يتجاوز المسألة اللغوية والثقافية، ويطرح في العمق سؤال الاختيارات السياسية والصراع الاجتماعي، وهذا ما يفند كل محاولة لحصر الموضوع في حدود مشكل لغوي بسيط، ويؤكد تعقد وتشعب نتائجه وحلوله، بقدر تعقد وتشابك أسبابه وإستراتيجية إنتاجه وتكريسه.
بيد أنه تبين أن تحقيق إدماج الأمازيغية عبر المواقع والمسارات الإستراتيجية للإنتاج الاجتماعي، وفي إطار شبكة السلطة والمؤسسات القائمة وما يرتبط بها من بنية علائقية ونظام للاستيعاب والمقاومة، هو عمل ضئيل النتائج وطويل الأمد وصعب المنال والتحقيق، مما يطرح بإلحاح ضرورة التفكير في الشروط الضرورية والمدخلات الكبرى والفاعلة لتحقيق هذا الانتقال.
فالاعتقاد في إمكانية تقييم وضع الأمازيغية وجعلها تحظى بمكانتها الفعلية في فضاء المجتمع عبر إدماج متردد ومحاصر في أنظمة التربية والتعليم والإعلام، لا يعدو أن يكون في الوقت الراهن وداخل بنيات السلطة السائدة، سوى إجراءا شكليا وهشا داخل إستراتيجية استيعابية جديدة، حيث لن تتعدى نتائجه التي تتطلب عقودا من الزمن،الحفاض على الأمازيغية كموروث يؤثث ذاكرة المجتمع ومجال نفوذ اللغة والثقافة والهوية المهيمنة.
– إن طبيعة السلطة السائدة ورهانات القوى المتحكمة في مستقبل الأمازيغية في المغرب،وما يرتبط بذلك من توازنات وصراعات منها المعلن ومنها الخفي، تضع مصير هذه القضية بين أيادي المدافعين عنها،وذلك بقدرتهم أو عدمها على تفعيل مسارات فعلهم النضالي والثقافي والعلمي بشكل تكاملي قادر، من جهة، على فضح وتقويض مسعى إدماج الأمازيغية داخل بوتقة السلطة وخيار الاستيعاب،ومن جهة أخرى،على تجاوز انقساماته وإعطاء الامتداد الضاغط لمسعى تبوئ الأمازيغية،لغة وثقافة وهوية ومشروعا مجتمعيا، مكانتها العادلة في مؤسسات وفضاء مغرب المستقبل. ولا شك أن تحقيق هذا الامتداد يرتبط بعمل كل مكونات الحركة الأمازيغية، سواء الثقافية أو العلمية أو السياسية، على تجاوز مفعول السلطة، وبمدى توفرها على الكفاءة والإمكان الاستراتيجي في تدبير مشروعها ومستقبلها داخل اختلالات رهانات النظام السياسي،من جهة،والمساهمة الفعلية،من جهة أخرى، في تحديث بنيات الفكر والحياة العامة المغربية، وتثبيت قيم الكفاءة والمشروعية و النزاهة والنسبية والتعددية والاختلاف…في صيرورة بناء المغرب الجمع.
– بما أن الوضعية الدونية للأمازيغية وإقصاءها هو نتيجة لواقع فعلي وللهيمنة والإجماع المضمر لدى النخب، وهو إجراء غير معلن يتم تصريفه وممارسته عبر إستراتيجية السلطة وأجهزتها الإيديولوجية التي تتظاهر كثيرا بحيادها أو حرصها على الأمازيغية، وأن وضع الثقافة الأمازيغية، هو رهين بطبيعة ودرجة الوعي لدى الأمازيغ، إضافة إلى أن الإيديولوجية المهيمنة على مدى نصف قرن فعلت فعلها في البشر عبر مسلسل يفلت من أيديهم ومن وعيهم حتى، فنظرا لكل هذه الأسباب فإنه من غير الممكن تصور حلول وكيفية جعل الأمازيغية تحظى بدورها الحيوي ومكانتها العادلة في فضاء الإنتاج الاجتماعي اعتمادا على الرهان الرمزي وإعادة تشكيل وترتيب السوق الثقافية واللغوية،وانتظار الكرم المزعوم للسلطة السائدة.
إن الأمر يتطلب تعاقدا اجتماعيا وثقافيا، يحدث رجة وعي وشعور بما يخلخل النزاعات الإيديولوجية المناوئة ومفعولها المتجدر في وعي ولا وعي الأفراد والنخب،و بما يتيح انخراط الأطراف السياسية والاجتماعية المهيمنة في إدماج فعلي للأمازيغية يترجم بالملموس إرادتها في تصحيح اختياراتها ومواقفها التاريخية، ومنح الأمازيغية لغة وثقافة وهوية موقعها ودورها الفاعل في سياق قيام مجتمع ديمقراطي وتعددي وحداثي.
إن التعاقد الذي نتصوره ونقترحه لا يمكن أن يحصل عبر إدماج متعثر للأمازيغية في نظام وبينات متصلبة ومؤسسات محكومة بدهنيات مقاومة، ولا بخطاب إعلان النوايا أو سياسة الكرم المزعوم لبعض الأطراف، ذلك أن التعاقد المطلوب يتطلب الإنصاف والمصالحة ورجة تصحيحية اعتمادا على خطوات أساسية:
– تقوية الموقع الاحتجاجي والإنتاجي والتفاوضي للصوت الأمازيغي، وذلك بتفعيل مسارات عمله النضالي والثقافي والعلمي بشكل تكاملي، وبتطوير كفاءته وإمكانه الاستراتيجي في تأزيم اختلالات ورهانات النظام السياسي وفرقائه في علاقتهم بالأمازيغية.
– تقديم الدولة المغربية لاعتذار رسمي عن انتهاكاتها واختياراتها التاريخية التي سببت في الإبادة الثقافية للأمازيغية وإفراز الوضع الراهن المتأزم، مع ما يصاحب طبيعة هذا الإجراء من تسخير كافة إمكانيات الدولة ومؤسساتها وأجهزتها لتنفيذ قرار سياسي حازم، وتعاقد فعلي من منطلق أولوية وطنية.
– التنصيص على رسمية اللغة الأمازيغية، وتغيير الفقرات والاختيارات التي تتنافى وأمازيغية المغرب في نص دستور ديمقراطي
*منخاتمة كتاب “الأمازيغية والسلطة، نقد استراتيجية الهيمنة”.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.