تقويض نظرية المؤامرة : حماد ويحمان وشيخه ع الصمد بلكبير أنموذجا..
محند الرﮜــــيــــﮜــ،*
مقدمة :
شكّلت خرجات حماد ويحمان عن الامازيغ حالة استثنائية يصعب فهمها ما لم نضع صاحبها تحت مجهر التحليل الموضوعي .إذ جعل من الحركة الامازيغية و نضالها من اجل الاعتراف بحقوقهم اللغوية والثقافية الشماعة لشرعنة نظريته الخرقاء التي يروج لها من خلال هلوسته ووهمه عن مشروع تفكيك الدولة المغربية الى دويلات عبر استخدام ما يسميه حماد ويحمان المهلوس ب”الإسلام الأمازيغي ” و”الياكوشية “المدعوم -حسب زعم حماد-من قبل الصهيونية وتحديدا معهد موشي دايان.
الجدير الذكر أن حماد ويحمان لم يأت بالجديد. كل ما قام به هو تطويره لنظرية “المؤامرة “التي روّج لها شيخه عبد الصمد بلكبير منذ عقد الثمانينات. بلكبير الذي ارتبط اسمه بالتيار العروبي الذي طالما حارب الحركة الأمازيغية. سنحاول في هذه الورقة تفكيك وهم نظرية المؤامرة لدى حماد ويحمان الذي تبيّن مؤخرا، ومن خلال خرجاته في اليوتيوب ،أنه يخدم أجندة جنرالات العسكر ؛إذ هاجم السياسة الخارجية الدولة المغربية التي اقامت علاقات ديبلوماسية مع اسرائل بمعية العديد من الدول العربية في اطار اتفاق ابراهام خدمة للمصالح العليا للبلد والوحدة الترابية . دون أن ننسى بلكيير شيخ نظرية المؤامرة الذي لايزال الوحيد المدافع عن بشار الأسد جزار الشام الذي شرد شعبه وأباد الآلاف.
يان : عبد الصمد بلكبير وحماد ويحمان : وهم نظرية المؤامرة ونظرية الوهم
لا شك أن المتتبع لخرجات وتصريحات الثنائي الأستاذ عبد الصمد بلكبير ومريده حماد ويحمان (ينظرقناة Maroc télé والعديد من الفيدوهات في اليوتوب ( سيلاحظ أن الرجلين يفسران كل الوقائع والأحداث والحركات الاجتماعية والأمراض والكوارث الطبيعية ب”نظرية المؤامرة “التي ينسج خيوطها، في تصور المحلليْن العبقريين، الثالوث الخطير الذي يهدد البلاد والعباد : الصهيونية-الماسونية والولايات المتحدة الأمريكية والاستعمار.
الأستاذ عبد الصمد بلكبير شيخ من شيوخ القومية العروبية الذي ظل يدافع عن هذا المشروع السياسي العرقي منذ عقود من الزمن. منتوج تعرض للإفلاس والبوار منذ أن انتهت مدة صلاحيته مع أفول الأنظمة التوتاليتارية التي أقيمت على أساس فكرة عنصرية مقيتة(القومية العروبية،الحزب الواحد،المصير الواحد،الدم الواحد…) التي روّجت لها شرذمة من العرب المسيحين منذ نهاية القرن 19 ( جورجي زيدان،فرح أنطوان ،البستاني…)مرورا بالناصرية ، فحزب البعث العربي بشقيه السوري والعراقي، ووصولا إلى إلى الهواري بومدين ثم الكولونيل معمر القذافي.
أما حماد ويحمان –أمازيغي من تنجداد– فهو مجرد تلميذ نجيب للانقلابي الفقيه البصري،ظهر مؤخرا على أنقاض خطابه التهويلي والتخويفي الذي ما انفك يهدد به المغاربة محذرا إياهم من ظهور جمهوريات في المغرب. يحصرها تارة في 4 دول وتارة أخرى في 3 دول ( جمهورية “سوس” وجمهورية “أسامّر” ثم جمهورية“الريف ). ناسيا أو متناسيا جمهورية ” البوليزاريو” التي تعتبر نتاجا من نتاجات الأنظمة االشمولية التي تعتنق عقيدة القومية العربية كما هو شأن شيخه الفقيه البصري. ونعني بتلك الأنظمة الديكتاتورية الفاشلة نظام الهواري بومدين و معمر القذافي وحافظ الأسد الذين لعبوا أدوارا قذرة في خلق هذا الكيان الوهمي (البوليزاريو) بغية جعله شوكة في حلق المملكة المغربية منذ أزيد من أربعة عقود. سيرا على نهج كل الأمازيغوفوبيين الذين يناصبون العداء للحركة الأمازيغية لم يتوان حماد ويحمان في الهجوم على الحركة الأمازيغية واتهامها بالتخوين والانفصال .بل نجزم القول إن المريد حماد ويحمان أكثر راديكالية وأكثر شراسة من شيوخه. فالشيوخ اكتفوا بالحديث عن الصهيونية والامبريالية والتآمر على الوطن ،أما المريد فقد أنذر وحذر ملاْ الدنيا عويلا وصراخا قائلا: “احذروا وترقبوا قيام دويلات في سوس والريف وأسامر ، تمتد هذه الأخيرة حسب تحليل المحلل المستبصر من بوعرفة إلى محاميد الغزلان)، وحذرنا، معلنا النفير العام، بأن الموساد والصهيونية العالمية تشتغل ليلا و نهارا، مستنفرة ضباطها و أجهزتها وعتادها اللوجيستيكي من أجل قيام هذه الدول وتقسيم المغرب والاستيلاء على موارده ، في أفق استعماره من قبل الصهيونية العالمية. ويرى هذا المحلل-المتنبئ أن ملامح توغل الموساد وإسرائيل في دولة أسامّر(الجنوب الشرقي) المزعومة تتضح من خلال استثمارهم في أجود الثمور (المجهول)(كذا)والتوغل اقتصاديا إلى أن تنفصل منطقة دولة“أسامر“. أما توغل الموساد وإسرائيل في سوس فملامحه تظهر في شرائهم لزيت أرﮜان واختراقهم لجمعيات نسائية من سوس. أليس هذا قمة الضحالة الفكرية ؟ واستبلاد لعقول المغاربة ؟.
ما يثير الاستغراب في هذا الرّهاب الاجتماعي الذي ينفثه حماد ويحمان في أوساط المغاربة في جل ندواته التي يشارك فيها هنا وهناك، هو كونه يربط هذا “الانفصال” وهذا “التقسيم” وهذا “التآمر ” المزعو بالأمازيغ حفدة المقاومين الأوفياء(عسو باسلام و وزيد وحماد وموحى أوحمو الزياني وعبد الكريم الخطابي ،زيد أحماد…) الذين جاهدوا وقاوموا الاستعمار دفاعا عن حرمة الوطن منذ 1905 إلى أخر جيوب المقاومة سنة 1934.
سين – من هو عبد الصمد بلكبير صاحب نظرية المؤامرة الذي يقدم” الدروس “في الوطنية والوحدة الترابية لأبناء وحفدة المقاومين والشهداء ؟
هو أستاذ جامعي متقاعد،خريج التعليم الأصيل بمدينة مراكش وكلية الآداب ظهر المهرازبفاس شعبة اللغة العربية. كان أحد أقطاب “لنخدم الشعب ” التي انشقت عن “منظمة 23 مارس “ السرية. كانت الحركات الماركسية اللينينية أو مايسمى باليسار الجديد(إلى الأمام و23 مارس والماويون) يمتحون من روافد إيدلولوجية متنوعة, يمكن إجمالها في أدبيات الماركسية اللينينية ذات التوجه العروبي، وإرث الفقيه البصري السياسي الذي يمثل الجناح العسكري للاتحاد الوطني للقوات الشعبية و “الخيار الثوري” للمهدي بنبركة. كان هدف كل هذه التنظيمات هو قلب النظام الملكي ،النظام السياسي الذي عرفه المغرب منذ الملك الأمازيغي شيشونغ- من أجل استبداله بنظام جمهوري شيوعي. كان أغلب هؤلاء الماركسيين اللينينين العروبيين يستقوون على الدولة المغربية بدول معادية تنتمي إلى المعسكر الشرقي منها الجزائر وليبيا وسوريا . وهي نفس الدول التي ستتآمر ضد المغرب حيث قدمت الدعم العسكري والسياسي للبوليزاريو وكانت وراء القلاقل والفتن التي عرفها مغرب بداية السبعينات.لقد استنزف هذا الكيان الانفصالي المغرب منذ أكثر من 4 عقود. كيان انفصالي وهمي خرج من رحم القومية العروبية “الاشتراكية “.
وتجذر الإشارة إلى أن أصول القومية العربية وروافدها تعود إلى شرذمة من العرب المسيحيين المدعومين من قبل الدولتين الامبرياليتين (فرنسا وبريطانيا) اللتين استعملتا ورقة العرب المسيحين من أجل تقسيم ما كان يسمى آنذاك ب”خبزه الرجل الأوروبي المريض“(تركيا).والدليل على ذلك كون أغلب المنظرين والمدافعين عن إيديولوجية” القومية العربية” كانوا من العرب المسيحين(فرح أنطوان، جورجي زيدان،ساطع الحصيري، ميشيل عفلق…). سنعود في مناسبة مقبلة لتحليل الخلفيات السياسية التي دفعت الدول الإمبريالية إلى دعم تيار القومية العربية، ومحاربة المشروع الإسلامي الذي كان يقوده العالم والمفكر الإصلاحي جمال الدين الأفغاني الذي اغتيل مسموما في ظروف غامضة. وما يتثر الريبة والشك حول أهداف وخلفيات هذا التيار القومي العروبي هو كونه لقي تشجيعا ودعما منقطع النظير من قبل القوى الاستعمارية(فرنسا وبريطانيا)،حيث تُوّج بتأسيس الجامعة العربية بمباركة بريطانية-فرنسية. في مقابل إجهاض المشروع الإسلامي التوفيقي الذي دعا إليه الرواد مند القرن19 كجواب عن سؤال النهضة: لماذا تأخرنا وتقدم الآخر؟.
كان عبد الصمد بلكبير،على غرار رفاقه في منظمة “23 مارس “وتيار”لنخدم الشعب” يتبنى الماركسية اللينينية خيارا إيديولوجيا، وكان يسعى هو ورفاقه، حسب زعمهم، إلى اجتثاث الجذور الفكرية للبورجوازية الصغيرة والمتوسطة التي تتشكل منها الأحزاب الوطنية .كان بلكبير قائدا ميدانيا للاتحاد الوطني لطلبة المغرب ما بين1968و1973 .كان ذاك الشاب المراكشي القمحي اللون ،كما وصفه بعض رفاقه أثناء ولوجه قبة البرلمان سنة1992، من قادة الاتحاد الوطني لطلبة المغرب الذين تبنوا الإيديولوجية الشيوعية والماركسية -اللينينية ، والحزب الثوري الصيني و الفيتنامي. و هي الإيديولوجية نفسها التي كانت تعتنقها تنظيمات اليسار الجديد الذي كان يهدف إلى جعل المغرب بلدا شيوعيا وتحويله إلى جمهورية اشتراكية بعثية توتاليتارية. وإسقاط الملكية التي تتواجد في شمال إفريقيا لأزيد من 30 قرنا.
باختصار شديد، هذا هو الأستاذ بلكبير الذي شغل الدنيا منذ متم الستينات إلى منتصف الثمانيات(1984) من القرن الماضي ،تاريخ تأسيس “منظمة العمل الديمقراطي” التي كان أحد أبرز من ساهم في تقسيمها إلى الوثيقة 1 والوثيقة 2 منتصف التسعينات من القرن الماضي، ناعيا بذلك موت حزب “منظمة العمل الديموقراطي، الذي اعتبر تجربة سياسية وثقافية رائدة قاده المجاهد محماد أيت يدّربحكمة ورزانة.
المثير للاستغراب أن الأستاذ عبد الصمد بلكبير لايزال إلى حدود هذه اللحظة يشكل الاستثناء في دفاعه عن بشار الأسد ،جزار الشام الذي شرد ملايين السوريين وقتل آلاف الأبرياء. بشار الأسد سليل نظام حزب البعث الذي كان يأوي الانقلابيين والمناوئين لنظام الملك الراحل لحسن الثاني، ولطالما قدم دعما لا مشروطا لما يسمى ب “البوليزاريو”. ولا زال هذا النظام القومي التوتاليتاري ،إلى اليوم، يستهدف النظام الملكي المغربي والوحدة الترابية. ويساند الجمهورية الوهمية في المحافل الدولية. ولا شك أن المغاربة يتذكرون الرد اللافح للمندوب المغربي الدائم بالأمم المتحدة السيد محمد لوليشكي على استفزازات مندوب بشار الأسد الدائم في الأمم المتحدة المسمى بشار جعفري الذي استفز الدولة المغربية من خلال تطاوله على البروتوكول الملكي واعتباره الصحراء المغربية أراضي محتلة.
هل يحق، لمن لايزال يدافع عن النظام السوري الديكتاتوري المناوئ للمغرب ،امتلاك مشروعية إعطاء الدروس وتلقين مبادئ الوطنية للأمازيغ المسالمين والوطنيين الوحدويين ؟.هل من يتعاطف ويدافع عن القذافي والأسد رموز الديكتاتورية-الذين استهدفوا استقرار الدولة المغربية مرات عديدة-مؤهل ليمارس العقل الناصح على المغاربة الناطقين ،ويجعل من ورش إدماج اللغة الأمازيغية ،الذي حظيت بعناية المؤسسة الملكية والجمعيات الحقوقية بما فيها “الجمعية المغربية لحقوق الإنسان” – جزءا من مخطط صهيوني أمريكي، والأخطر من ذلك أنه اعتبر الجمعيات المدنية فتنة والفاعلين الجمعويين مخبرين للغرب .وقد صرّح بنفسه أنه أخطأ حينما ساهم في تأسيس هذه الجمعية االتي كانت حاضنة للمظلومين والمعتقلين.
هل يستطيع الأستاذ بلكبير إقناع ملايين السوريين المشردين في المغرب و مختلف دول العالم بعدالة نظام بشار الأسد ونزاهته وعدله ،وهو الذي تستقبله قنوات النظام السوري الدموي إلى الآن لتحليل نظرية المؤامرة دون أن يعير أي اهتمام للدماء الزكية التي سالت في مختلف الأراضي السورية ؟ ما عساه يقول عن السر في عشقه الأبدي لآل الأسد ولحزب البعث الفاشي(ينظر حوار الأستاذ بلكبير مع قناة سورية www.rtv.sy))) ؟.
لاشك أن مقارنة بلكبير بين الروڱي عمر بن إدريس الجيلالي الزرهوني الملقب ب بوحمارة ،والفقيه عبد الحي الكتاني (أحد المحميين) وبعض قادة الحركات الاحتجاجية، يدل على الإفلاس السياسي و الشيخوخة الفكرية للرجل. وأيا كان الأمر، فلا يمكن أن تستقيم المقارنة بين زمنين مختلفين: لأن مغرب أواخر القرن 19 وبداية القرن20 ليس هو مغرب القرن 21. كما أن مغرب مولاي عبد العزيز، الذي كان يتسم بالفوضى والجهل والفقر و ينقسم إلى بلاد السيبة وبلاد المخزن ، وكانت الدول الإمبريالية تتسابق إلى استعماره. ليس هو مغرب اليوم ، البلد المستقر الصاعد. أما فرنسا القوة الاستعمارية القديمة، فقد أصبحت صديقا وشريكا اقتصاديا مهما وحليفا استراتيجيا للمغرب تسانده في قضيته الوطنية الأولى في الأمم المتحدة.
لقد آن الأوان ليخلد الأستاذ بلكبير إلى الراحة ويستمتع بحلويات متجرالحاج بلكبيرالموجود في شارع علال الفاسي بالداوديات وفي حي ﮜـيليز الراقي، و بشاي وطنجية مراكش وسماع الملحون. هو الآن سبعيني، لذلك يتعين عليه أن يتقاعد ويحج بيت لله ويتفرغ إلى الوضوء والصلاة. لقد عرفناه رجلا محاربا للأمازيغية لغة وثقافة، ومعارضا حتى لتلك البحوث العلمية التي كنا ننجزها منذ أن كنا طلبة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش خلال الثمانينات من القرن الماضي.
كراد – تهويل المدعو حماد ويحمان وتفزيع المغاربة بفوبية بلقنة المغرب بدون أدلة:
إذا خصصنا حيزا مهما للأستاذ عبد الصمد بلكبير ،بوصفه إحدى الشخصيات السياسية والثقافية الوازنة التي سجلت حضورا قويا في تاريخ اليسار الجديد ، رغم مآخذنا على تلك التجربة الفاشلة التي ساهمت في تعطيل المسار الدموقراطي بالمغرب. وباعتباره أيضا من مؤسسي كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة القاضي عياض بمراكش وشعبة اللغة العربية وآدابها ،حيث أطر ودرّس لعقود من الزمن ، فإن المدعو حماد ويحمان كان موظفا مغمورا في جماعة مغمورة لم يكن معروفا، فجأة سطع “نجمه” وصنع شهرته على أنقاض النهش في لحوم بني جلدته .لم أكن أعرف هذا الشخص إلا بعد خرجاته التهويلية والتتخويفية والتغويلية من تقسيم المغرب إلى دويلات (دولة أسامّر، دولة سوس ،ودولة الريف ) دويلات لا توجد إلا في مخيلته. والغريب أن هذا التهويل والتغويل والتخويف الذي مابرح يفزع به هذا “المتنبئ الجديد “المغاربة لا يربطه إلا بالأمازيغ. والأغرب من ذلك أننا لم نسمع يوما حماد ويحمان يحذرنا من الدواعش و من التكفيريين- الإرهابيين رغم تفكيك جهاز الأمني المغربي للمئات من الخلايا الإرهابية، منها من وصل إلى المراحل النهائية من التنفيذ. كما أنه لم يحذرنا من خطورة حزب الله وإيران الذين يهددان المغرب من خلال دعمهما وتدريبهما للبوليزاريو الإنفصالية ،رغم أن المغرب قطع ،رسميا، علاقته الديبلوماسية مع إيران الشيعية التي تسعى إلى التوغل في إفريقيا ودول المغرب الكبير. لقد تفتقت عبقرية ونبوءة حماد ويحمان “المحلل السياسي” ذي “البصيرة السياسية” الثاقبة” و”العين المستقبلية النبيهة “من وجود أمازيغ مغاربة يشكلون امتدادا لإباضي غرداية الموجودة بجنوب الجزائر .والأدهى من ذلك أنه صرخ في أحد اللقاءات التي جمعته بالمحامي عبد الرحمان بنعمرو، بصوت عال تغلب عليه اللكنة الأمازيغية التي لم يستطع التخلص منها : ” إذا كان للجزائر غردايتهم، فلدينا هنا غردايتنا يُحضّر لها في المغرب“. لعمري، إنه لتحليل سخيف أجوف. ينم عن جهل لتاريخ منطقة شمال إفريقيا وجغرافيتها . والكل يتذكر خرجته الهوجاء عن المرحوم الوزير باها التي أحرج فيها الوزيرين الرميد والداودي.
انتظرنا طويلا تحقيق “نبوءة”حماد ويحمان التي تنبأ فيها بظهور إباضيين أمازيغ .لكننا لم نر في المغرب لحد الآن، وكما ادعى الشواف السياسيوي ، لا الإباضيين ولا الخوارج ولا الأزارقة ولا هم يحزنون. لم تقتصر نظرية المؤامرة عنده في الصهيونية العالمية والإمبريالية والطابور الخامس، بل تفتقت “وساوسه” التهويلية ليحذرنا من مذهب إباضي مسالم معروف باعتداله وتسامحه، تعتنقه نسبة قليلة من المسلمين في غرداية وجبال نفوسة و سلطنة عمان .
المثير للسخرية هو تنصيب وتسويق حماد ويحمان نفسه سفيرا للأمازيغ لدى الفلسطينيين من خلال رابطة أسماها ” رابطة إيمازيغن من أجل فلسطين“.هل يعتقد حماد ويحمان أن محمود عباس أبومازن في حاجة إلى “رابطته” لحل القضية الفلسطينية التي لم تحلها القوى العظمى (الاتحاد الأوروبي و روسيا والولايات المتحدة الأمريكية والصين)؟.ما لا يدركه عالم التنبؤات والتهيؤات أن المصلحة العليا للوطن تقتضي ربط علاقات دبلومسية ،سواء على مستوى الدولة أو على مستوى المجتمع المدني، مع أي دولة تربطها بها مصالح استراتيجية مشتركة بمنطق براغماتي رابح/رابح. وقد لاحظنا مؤخرا محاولة تقرب جبهة البوليزاريو الانفصالية للتطبيع مع إسرائيل لكسب اللوبي اليهودي للضغط على المغرب.
من المفارقات العجيبة أيضا في ظاهرة حماد ويحمان كونه يقدم نفسه صديقا حميما ووريث سر أحد أكبر المتآمرين على النظام المغربي في مؤامرة 1963 وانقلاب 72 وحركة 3 مارس 1973. حماد ويحمان يفتخر باعتزاز بصداقته مع المتآمر والانقلابي الفقيه البصري ا. لست بحاجة للحديث عن مؤامرات هذا الانقلابي، يكفي الرجوع إلى مذكرات المهندس محمد آيت قدور الذي لازم الفقيه البصري سنوات في الجزائر وليبيا لمعرفة حقيقة صديق حماد المتآمر.
من يمتح من المعين الإيديولوجي والسياسي للفقيه البصري المتآمرضد الدولة المغربية، ويفتخر بصداقته لن يكون موضع ثقة، ولا تتوافر فيه الشروط الأخلاقية والأدبية لإعطاء الدروس للأمازيغ في الوطنية، ولا يمتلك مصداقية تخول له تحليل أي حركة اجتماعية مغربية، وليس من حقه توزيع تهم الانفصال والتخوين ذات اليمين وذات الشمال وقذف أمازيغ أبرياء واتهامهم بالخيانة .ما لا يدركه حماد ويحمان أن أبناء أسامر (الجنوب الشرقي)هم حفدة عسو وباسلام وزيد وحماد، وأن أبناء سوس هم حفدة المختار السوسي؛ وأن أبناء الريف هم حفدة عبد الكريم الخطابي وحدو أقشيش الذين قاوموا المستعمر الفرنسي والإسباني.
مثلما خابت هلوسة حماد وزعمه ظهور غرداية مغربية ذات مذهب إباضي، سيثبت الزمن أيضا خرافتك السخيفة التي هلْوسْتَ فيها بتقسيم المغرب إلى دويلات: الريف وأسامّر وسوس(ينظر حواره مع أسبوعية الأيام، وفيديوهات في اليوتوب).ح ينما يتأكد المغاربة من دجل حماد ويحمان وعدم صحة اتهاماته الرخيصة، آنذاك يمكن للمغاربة أن يدركوا أن مزاعم حماد هي مجرد أحلام أضغاط وهلوسة نفسية . لست أدري لماذا لم تُهلْوس ب دويلة الأطلس. علما أن صديقك الانقلابي الفقيه البصري كان قد اتخذ من منطقة مولاي بوعزة منطلقا لعملياته التخريبية فيما يعرف بحركة 3 مارس 1973، والتي تركت إلى اليوم ندوبا وجروحا عميقة وآلاما لازلت موشومة في قلوب ساكنة قبائل زيان لاسيما قبيلة آيت خويا.
كوز– عود على بدء :حول مفهوم نظرية المؤامرة:
لن أخوض في الدلالات الاشتقاقية والاصطلاحية لمفهوم “المؤامرة”،لأن المقام لا يسمح بذلك. باختصار شديد ،شكلت نظرية المؤامرة التي يقابلها في الإنجليزية(Conspiracy Theory) الواردة لأول مرة في مقالة اقتصادية عام 1920 وتم تداولها على نطاق واسع سنة 1960، لتنضاف بعد ذلك إلى قاموس أكسفورد. لكن الغرب والأوروبيين سيتخلون عن هذه النظرية الطوباوية . ليتلقفها المحللون السياسيون والمفكرون العرب،حيث شغلت حيزا هاما من تحليلاتهم منذ نكبة 1948 .وازداد الإقبال عليها بعد نكسة1967إذ فتحت شهية القوميين العرب لتبرير الفشل الذريع لأنظمة القومية العروبية (الناصرية والبعثية) أمام قوة إسرائيل التي لا تقهر. منذ تلك الفترة أصبحت نظرية المؤامرة بمثابة متنفس سيكولوجي لتلك النخبة المثقفة العاجزة عن التفكير في البحث عن مواطن الداء وتشخيص الدواء، بل جعلت منها نخبة كسولة وعنيدة ومتنطعة لم تستطع أن تكلف نفسها عناء البحث عن أسباب الهزيمة. والمؤامرة عند تلك النخبة تختزلها في الثلاثي:الاستعمارو الصهيونية-الماسونية والإمبريالية.
يقول “آرثر سالزبورجرArthur Salzburger“مؤسس صحيفة “ New York Times”
“ما هو الجواب المتوقع عن أي سؤال حول ما مرّ بالعرب من محن أو ما تعصف بهم اليوم من تغييرات على مستويات عدة؟ قد يكون الجواب الموحد الذي يتفق عليه الكثيرون من العرب هو كلمة “مؤامرة” أو “مخطط”. أصبحت سمة العقل العربي الإيمان بنظرية المؤامرة التي تريح العقل من عناء البحث عن الأسباب، وتغني المراقب عن نقد الذات، وتغذي الشعور بأننا ضحايا لأعداء متآمرين. لولاهم لكان وضعنا أفضل بكثير.لا يحتاج -عادةً -من يطرح تفسيراته للآخرين، بناء على تلك النظرية ، إلى عناء كبير لإثباتها، فالتدخلات الخارجية، حتى وإن كانت ردود أفعال لأحداث محلية ،تغذي تلك النظرة وتريح العقل العربي من عناء النظر في المرآة وتشخيص المثالب”.
هناك إجماع من قبل جل الباحثين والمفكرين العرب والناطقين بالعربية المتنورين (علي أديب، بشارعباس،يوسف زيدان،عبد الوهاب المسيري …) على أن نظرية” المؤامرة” أصبحت قضاء وقدر العرب، وأصبحت مسلمة وقاعدة بديهية لتفسير كل ما يحدث في بلدانهم. وأكدوا على أن إثبات تزوير الوقائع والأحداث وتغليط الرأي العام سيفضي إلى نتيجة معاكسة من ناحية بث اليأس في نفوس المواطنين وزعزعة استقرارهم وثقتهم فيما بينهم.
ولا شك أن حماد ويحمان لا يدرك خطورة ما يقوله حينما يُهوّل ويحذر المغاربة من تقسيم المغرب إلى جمهوريات ، وهو لا يعي أنه يحرض باقي المواطنين المغاربة ضد الأمازيغ الذين دافعوا على وحدة التراب المغربي وكانوا السبّاقين إلى حمل السلاح دفاعا عن الوطن . إن “عالم التهيّؤات ” حماد ويحمان من خلال تشوّفه هذا، إنما يسعى إلى إلصاق تهمة العنصرية لساكنة هذه المناطق التي تشكل العمود الفقري للدولة المغربية، وزرع بذور التفرقة بين مكونات الشعب المغربي.
إجمالا، نظرية “المؤامرة” عند حماد ويحمان والأستاذ عبد الصمد بلكبيرهي أشبه بإشاعة مغرضة أو وشاية كاذبة لا تستند إلى أدلة وحجج دامغة .المؤامرة عند هذا الثنائي الأمازيغوفوبي هي “أسرار من فعل وتخطيط اليهود والموساد والصهيونية العالمية والإمبريالية المتوحشة ،وقد لا نتفاجأ إن أضاف حماد ويحمان الماسونية والفاتيكان والكنيسة الأرتدوكسية، والكونفوشوسية والبودية ، إلى قاموس نظريته.،إذ لاحظنا تحوله من مناضل اتحادي يساري إلى مغازل للجماعات الإسلامية التي كانت في صراع دائم مع اليسار برمته.
لكي يقنعنا حماد و يحمان بأن ظهور هذه الدويلات مسألة وقت فقط، أكد على وجود متدربين على السلاح في مدينة نالوت الليبية. ونحن نرد عليه “إن جل المناطق الليبية (مصراتة و طرابلس و الزنتان و بنغازي و سرت و منطقة الطوارق والتبو، ودرنة…) تعج بالمليشيات والتنظيمات المسلحة بسبب غياب السلطة المركزية.
نطلب من الله أن يلطف بظاهرة حماد ويشفيه من باطولوجية الهلوسة والهلس والوهم والرّهاب. وأن يتقي الله في قريته تنجداد التي نتمنى أن لا تهلوسها و تعتبرها مستقبلا عاصمة “جمهورية أسامر“.
(*) محند الرﮜــــيــــﮜــ، أستاذ التعليم العالي، كلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس-فاس
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.