تانيرت أو الهوية الأمازيغية في الرواية الفرنسية

صدر للكاتبة الفرنسية مليكة كانان (Mika Kanane) ذات الأصول الأمازيغية المغربية خلال سنة 2018 رواية بالفرنسية تحمل عنوان “تانيرت”، وهو أول عمل روائي للكاتبة التي ينحدر آباءها من ضواحي مدينة تزنيت بأعماق سوس. كان أبوها من أوائل المهاجرين السوسيين إلى الديار الفرنسية ويعتبر بحق ذاكرة حية عن تاريخ هذه الهجرة وتطورها بفرنسا.

وقد سمح له عمله في إحدى المؤسسات الثقافية الفنية بالعاصمة الفرنسية من اللقاء بوجوه فنية عالمية وبكبار الشخصيات الفرنسية فانفتح عقله على العالم. وقد وجدت ابنته مليكة، التي تتحدث الأمازيغية بطلاقة، في الكتابة الروائية مجالا للتعبير عن ما يخالج صدرها من رؤى وأفكار بخصوص عائلتها وهويتها.

فمليكة تشتغل إطارا عاليا في إحدى شركات الاتصال الفرنسية وهي بنت المدرسة الفرنسية مما جعلها تتشبع بثقافة مجتمعها الفرنسي وفي نفس الوقت متشبثة أشد الارتباط ببلدها المغرب وخاصة منطقة سوس الذي تربطها بها اللغة الأمازيغية الموروثة عن أبويها ولم يسمح لها مسارها من تعلم العربية.

فاسمها “مليكة” من منظور باقي الفرنسيين يحيلها على أصولها المغربية، وحين ترتفع الحرارة بباريس يذكرها زملاءها بقدرتها على التحمل لأن المغرب بلد مرتفع الحرارة رغم أنها تعاني مثلهم من شدة الحر وفي المغرب ينظر إليها أحيانا باستغراب، خاصة في الإدارات، لأنها لا تتقن الدارجة المغربية وهم لا يتقنون الأمازيغية، ولا الفرنسية، لغتا مليكة، التي تحس أنها مغربية في فرنسا وفرنسية في المغرب، وأمازيغية بين عائلتها وأهلها. وقد يكون اختيار عنوان أمازيغي لرواية فرنسية انعكاس للواقع المعاش للكاتبة وهو ما يؤكده أيضا تغيير الاسم الشخصي من “مليكة” إلى “ميكا” ولاحتفاظ بالاسم العائلي “كانان”، مما يعطي اسم “ميكا كانان” المقبول لدى الأذن الفرنسية والعالمية، خاصة وأنه لا يحيل على هوية معروفة. 

ليست ميكا الأولى ولا الوحيدة التي جسدت الثقافة الأمازيغية في الرواية الفرنسية، بل هي استمرار لما قام به قبلها مولود معمري وكاتب ياسين ومحمد خير الدين وعبد الخالق جيد، وأخرون، لتعيد من جديد طرح اشكال تصنيف هذا النوع من الروايات أهي “رواية أمازيغية” حتى وان لم تكتب باللغة الأمازيغية أم “رواية فرنسية” أم “رواية بالفرنسية” أم “رواية مغربية (مغاربية) مكتوبة بالفرنسية” أو “رواية فرنسية-مغربية” بحكم ازدواجية جنسية الكاتبة.

وكيفما كان التصنيف فقد نجحت كانان في روايتها في التعبيرعن حياة عائلة أمازيغية مهاجرة من سوس إلى فرنسا مند السنوات الأولى لاستقلال المغرب. وعاشت وضعية الطفلة المهاجرة والقاطنة في بيت نجحت في وصفه ووصف جيرانهم المهاجرين بدورهم من البرتغال ليعيش الجميع باختلاف الأصول واللغات في وضعية الهجرة بفرنسا وما يفرضه ذلك من ضرورات العيش المشترك والتعاون رغم الاختلاف الثقافي.

كما تعتبر رواية “تانيرت” شاهدا على التحولات التي عرفتها العائلة المغربية في سياق الهجرة، من عائلة منفتحة، وهو ما تبينه ميكا من خلال لباس أمها وتزينها خلال سنواتها الأولى في فرنسا وكيف تحولت بمرور السنين إلى عائلة منغلقة بعد تأثرها بأفكارجديدة تحرم ما كان عاديا في السنوات الماضية. وخلال الرواية يتبين دور العائلة في الحفاظ على القيم الأمازيغية لغة وثقافة وارتباط الأبناء بالمناطق الأصلية لآبائهم حيث نجحت ميكا في وصف نمط عيشها والتحولات الاجتماعية التي تعرفها ومكانة المرأة في المجتمع السوسي مما جعل رواية “تانيرت” تعبيرا صادقا وفي أسلوب سلس عن قضايا المرأة عموما بمعاناتها وإصرارها والتحديات التي تواجهها كما تعبر رواية “تانيرت” عن الهوية الأمازيغية في الرواية المكتوبة بالفرنسية. 


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading