بنموسى: لماذا قررت الاستقالة من حزب الاستقلال، والانخراط في التقدم والاشتراكية؟
بقلم: محمد بنموسى
فهل يجب التذكير بأن دستورنا، في الواقع، يعتبر أن المؤسسة الملكية هي فوق الجميع وعلى مسافة متساوية من جميع الهيئات الحزبية أو القبلية أو الأيديولوجية أو التجارية؟
لقد فعلت ذلك أيضًا عندما تشرفت بتعيين جلالة الملك كعضو في اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي، حيث شاركت بكل طاقتي وخبرتي في تقييم الحالة الراهنة لبلادنا بشكل صريح وجريء، وفي رسم خارطة طريق طموحة وثورية للعقدين المقبلين.
لقد فعلت ذلك عندما دعوت إلى “نموذج سياسي جديد” مع أحزاب مستقلة تسيطر على قراراتها الداخلية، وقادة سياسيين متفانين كليا من أجل المصلحة العامة، بحكمة ودراية ونزاهة معترف بها، فضلاً عن قواعد للمنافسة الانتخابية تم إعادة تصميمها بالكامل: الديمقراطية الداخلية للأحزاب، عدم تراكم التفويضات، الشفافية المالية، تحديد سقف نفقات الحملات الانتخابية، مراجعة نمط الاقتراع، إلخ.
أخيرًا وليس آخرا، أفعل ذلك اليوم من خلال شرح أسباب استقالتي من حزب الاستقلال لمواطني بلدي، وللطبقة السياسية وجميع النخب المتابعة للشأن العام، والتي يهمها مصير هذا البلد.
خلال المؤتمر السابع عشر لحزب الاستقلال في سبتمبر 2017، كنت قد نبهت المناضلين والمتعاطفين إلى مخاطر تردي أوضاع الحزب، واقترحت عرضًا سياسيًا بديلًا رفضت مشاركته في المنافسة الداخلية للأمانة العامة من قبل قادة الحزب على أساس تطبيق أحد أحكام القانون الداخلي الذي تم الحفاظ عليه في الفورمول منذ السبعينيات.
فحزب الاستقلال لم يعد هو حزب عهد الآباء المؤسسين له، علال الفاسي وأحمد بلافريج، وخليفتهما الطيب الذكر محمد بوستة، بل صار حزبا تلاشت عقيدته الايديولوجية ونهجه السياسي فجأة ليصبح مجرد ذكرى في ضمائر المناضلين المخلصين.
فهؤلاء الرجال الذين حاربوا من أجل استقلال بلادهم، وأظهروا ارتباطهم بالمؤسسة الملكية عندما كان الآخرون يماطلون، وعمقوا المنهجية المحافظة التي أرسوها على توازن عقلاني بين المرجعية الديمقراطية والأصالة الثقافية والدينية المنفتحة على القيم الكونية الإيجابية، واتخذوا خيارات سياسية شجاعة عندما كان الوطن ينهار تحت ضغط “سنوات الجمر والرصاص”، أو عندما عرضت عليهم قيادة حكومة تناوب زائفة في عام 1994.
ثم جاء المؤتمر الثالث عشر المشؤوم في فبراير 1998، حيث توقفت فجأة الملحمة المرموقة التي كتبها رواد الاستقلال وتم جرّ الحزب تدريجياً، من مؤتمر إلى مؤتمر، نحو مزيد من التراجعات والرداءة والشعبوية، والآن، القبلية والمحسوبية وأواصر القرابة العائلية.
كانت منهجية اليقظة التي تبنيتها ودعوت إليها في عام 2017 نذيرًا بتسارع التدهور الذي سيشهده حزب الاستقلال منذ ذلك الحين.
وقد يجادل البعض بعكس ذلك تحت حجة عدد نواب الاستقلال المنتخبين خلال الاستحقاقات التشريعية لعام 2021، حيث ارتفع عدد مقاعدهم من 46 إلى 81 مقعدًا.
لكن هل هم جميعًا أعضاء حقيقيون في الحزب يعتنقون توجهه الفكري والإيديولوجي عن إيمان واستيعاب تام، أم أنهم ينتمون إلى واقع أصبح الآن أشبه بلعبة أرقام وحسابات لا تتعدى المصالح الضيقة، لعبة سوق السياسة الصغرى والانتقالات الانتخابية، التي بموجبها تضع الأحزاب السياسية مصيرها في أيدي الأعيان المحليين الأثرياء الذين يقدمون خدماتهم لأفضل المزايدين؟
ما هي الشرعية التي يجب أن تُمنح لمثل هذا الموعد الانتخابي الغريب، بقوانين يسهل اختراقها، وسلوك تنقصه الأخلاقيات، ومؤسسات حكامة متعثرة ؟
في الواقع إن الذي هو على المحك، هو الرسالة السياسية ومصداقية القيادة والثقة التي يلهمها الحزب السياسي للمواطنين وللدولة.
وعلى ضوء منهجية القراءة هذه، يجب الإقرار بأن حزب الاستقلال في السياق الراهن، هو في حالة تدهور تام، تجعل من غير الممكن إصلاحه، مما يضعه في طريق مسدود، يدل على ذلك ما آل إليه من أوضاع مخلة يمكن إجمالها فيما يلي:
• الموافقة على العصبية العشائرية والقبلية كأسلوب للإدارة الداخلية للحزب.
• عجز في القيادة السياسية تحت إشراف أمانة عامة فرضت عليها الوصاية الداخلية والخارجية.
• التخلي عن الالتزام بسقف هوامش وأسعار المحروقات، وإنكار البرنامج الانتخابي وخرق الثقة مع الناخبين.
• المشاركة النشطة في جهاز تنفيذي يتسم بتضارب المصالح.
• الموافقة على تمثيلية حكومية دون مستوى حزب الاستقلال، ببروفيلات غير معروفة، وبدون إشعاع سياسي، والتي تدير فقط ثلاث قطاعات وزارية تقنية محضة، لا تكاد تزن أكثر من 4٪ من الميزانية العامة للدولة.
• التغاضي عن برنامج حكومي غير طموح، يسيء معاملة الطبقة الوسطى والمقاولات الصغرى والمتوسطة لصالح الطبقات الأكثر ثراءً والمجموعات الخاصة الكبرى.
• التواطؤ في الإعدام المخطط للنموذج التنموي الجديد الذي يدعو إليه كل المغاربة.
ومع ذلك، سوف يستمر الكفاح من أجل الأفكار السياسية الكبرى كما سيظل العمل لصالح الإصلاحات الهيكلية متواصلا.
وسأخوض هذا الكفاح وهذا العمل داخل هيئة سياسية أحترم فكرها السياسي وقيم فريق إدارتها: حزب التقدم والاشتراكية.
لدي العديد من الأصدقاء في هذا الحزب، وفي مقدمتهم أمينه العام نبيل بن عبد الله الذي أظهر ارتباطه بالمؤسسات ورغبته في إصلاح البلاد.
سيكون كفاحنا المشترك الأول هو التنفيذ الفعال والوفي للنموذج التنموي الجديد وتحديث اليسار المغربي.
ومن المؤكد أن توجهنا المبدئي هذا نلتقى فيه مع كل رفاق حزب التقدم والاشتراكية الآخرين الذين وافقوا على الترحيب بي في أسرتهم السياسية، والذين أعبر لهم عن عميق امتناني.
مرتبط
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.