بلد المليون شهيد والعسكر
ماكنت مؤمنا بأن حتف المرء يكمن بين فكيه إلى أن تابعت واقع الجزائر ومحنة شعب المليون شهيد، ولعل ما يثير الإستغراب أن النظام الحاكم بالجزائر نسي تضحيات الشعب ضد الإستعمار الفرنسي، اكثر من هذا فوزارة الخارجية الأمريكية في تقريرها السنوي أقرت أن الجزائريين لا يتمكنون من تغيير حكوماتهم في سياق التضييق على الحريات.
يتأكد اليوم وبالملموس في اطار العهدة الخامسة حجم التضييق، وواقع الآذان الصماء كاستراتيجية النظام العسكري الحاكم تجاه الشعب ، وهو ما جعل منظمات المجتمع المدني تخرج عن صمتها وتصدر بيانا شديد اللهجة بتاريخ 28 فبراير 2019، تقول في مستهل بيانها ” “طيلة سنوات عديدة تفنن النظام الحاكم في منع الحريات والتضييق عليها، فمارس القمع على نطاق واسع وأغلق جميع فضاءات التنظيم، والتعبير الحر والتظاهر السلمي على الجزائريين والجزائريات، كما عطّل كافة آليات الوساطة الاجتماعية، وأضعف جمعيات المجتمع المدني، وهمّش النقابات والأحزاب السياسية. ولم تسلم من هذا التحطيم الممنهج أية شريحة من المجتمع لا نساء ولا شباب ولا عاطلين عن العمل ولا عمال ولا أطباء ولا صحفيين ولا حراڨة.. الخ”
الملايين خرجوا للشوارع وهتفوا بصوت واحد كدرس من دروس الإحتجاج والرفض قدمها الجزائريون للعالم، معبرين بطرق حضارية عن رفضهم لإستمرار مهزلة حكم الرئيس بوتفليقة التي حكم لأزيد من 16 سنة ويترشح لعهدة خامسة وكأن بلد المليون شهيد عاجز عن انجاب من يحكم البلاد طيلة عشرين سنة !!!!
بغية فهم واقع اليوم، لابد من الوقوف على ما تشهده الجزائر في السنوات الأخيرة من إنهيار أخلاقي على مستوى السلطة وهو ما يؤثر ويؤدي إلى تهاوي سلم القيم لدى المجتمع الجزائري ككل، ويشتكي معظم المواطنين الجزائريون من سوء الأوضاع المعيشية، غلاء في الأسعار، قلة فرص العمل، أزمة السكن وغيرها، كما أن البروليتاريا بالجزائر أضحت تعيش واقع الإضرابات المتتالية لأجل المطالبة بحقوقهم المهضومة.
نضيف أيضا أن نظام الحكم بالجزائر، فتح الباب للباطرونا الأجنبية على حساب المواطن الجزائري من أجل العمل في العديد من الميادين ونخص بالذكر قطاع البناء، بحيث أصبحت الشركات الأجنبية تتولى مهمة إنجاز مختلف المشاريع من جسور، طرقات وغيرها….. وتعتمد على يد عاملة أجنبية مع تشغيلها لعدد قليل من الجزائريين.
عموما لم يتغير وضع الجزائر، ولا حال المواطن الجزائري منذ حكم بن بلة ذو الأصول المغربية، ففي بحث انجته الباحثة الجزائرية بـن دحمـان سـارة بعنوان واقع الجزائر الاجتماعي والثقافي فيما بين (1962-1978م ) تشير فيه أن بن بلة ينتمي إلى عائلة من صغار الفلاحين يعود أصلها إلى عرش سيدي رحال في مراكش، بالمغرب وقد هاجرت عائلته إلى الجزائر هروبا من عملية الثأر، إذ قام عمه بقتل أحد اللصوص ففروا إلى تلمسان واستقروا بمغنية, يدعى أبوه محجوب بن مبارك وأمه فاطمة بنت الحاج. بوتفليقة مغربي ولازالت اوراق ترشحه في سلك الدرك الملكي بأرشيف المؤسسة شاهدة على ولادته بمدينة وجدة وهو ماذهب إليه الكاتب يحي أبو زكريا في كتابه الجزائر من أحمد بن بلة إلى عبد العزيز بوتفليقة، المنشور بدار ناشري للنشر والتوزيع.
ووفقا للأرقام الإقتصادية، وبكل صراحة نتأسف لحال الجزائر التي بدل أن تكون قوة اقتصادية في شمال افريقيا فإنها تتذيل مراتب متدنية وكأنها دولة لا تزخر بأي ثروة طبيعية أو بشرية، فالجزائر استهلكت 13 حكومة منذ عام 1999، وأنفقت أكثر من 600 مليار دولار، ومع ذلك لم تتمكن البلاد بفعل الفساد وغياب المحاسبة وتسلط النظام الحاكم من تحقيق مراتب متقدمة ، كما أن نسبة البطالة مرتفعة بنسبة 17 في المائة، بالأخص في صفوف الشباب، مع العلم أن الأرقام الرسمية تُشير إلى أن نسبة البطالة بلغت 9.3 في المائة.
الجزائر خامس دولة مستوردة للقمح، على الرغم من الأراضي الزراعية الشاسعة التي تملكها على الساحل. كما بقيت البلاد قيد تبعية استيراد الأدوية بقيمة ملياري دولار سنويا. كما ظلت عائدات الجزائر تعتمد بنسبة 98.3 في المائة على مبيعات المحروقات، علما أن النسبة كانت 92.1 في المائة في عام 1992.
وضع مثير للشفقة تعيشه الجزائر ومثير للدهشة في نفس الوقت، فالعسكر حول كل أموال البترول إلى سويسرا والشعب قدم مليون شهيد لبناء دولة ديمقراطية، مفارقة عجيبة فعلا ، وفي الوقت الذي نرى كيف إستفادت دول الخليج عموما والإمارات خصوصا من الثروات النفطية في بناء الأبراج الشاهقة والمعاهد العلمية إكتفت الجزائر بشراء الألعاب النارية من روسيا و بأثمنة خيالية والرفع من الطاقة الإستيعابية لسجون الحراش وسركاجي علما أن الجزائر لها من الإمكانات الطبيعية ما يكفي لخلق حياة كريمة للمواطن في عوض إرغامه على حمل السلاح في الجبال أو ركوب القوارب والتشرد في أوروبا؛ أما الرئيس إن أراد أن يصبح زعيما حقيقيا فسيلقى مصير بوضياف رحمة الله عليه، فالعسكر أحكم قبضته على كل دواليب الحكم مع ترك هامش للرئيس للظهور أمام الكاميرا من حين لآخر…رحم الله الأمير عبد القادر والمقاومين الحقيقيين وليس مقاومي إرادة الشعب الجزائري.
ذ/الحسين بكار السباعي.
رئيس مرصد الجنوب لحقوق الأجانب والهجرة.
باحث في الإعلام والهجرة وحقوق الإنسان.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.