بعض من تاريخ ليبيا الحديث
بقلم : محمد شنيب //
من المؤسف جدآ والمؤلم حقآ أن التاريخ لا يكتبه إلا المنتصرون، والتاريخ الليبي ليس إستثناء في ذلك، حيث تعرض للكثير من التزييف وإهدار حق الزعماء والقيادات الليبية التي كان لها الأثر الكبير والحقيقي في إظهار وإبراز ليبيا الوطن للوجود.
ُأولئك المناضلون الذين كان همهم مركزآ على إبراز ليبيا كوطن حديث لمقاومة الاستعمار الأوروپي لليبيا في بدايات القرن العشرين وكذلك إظهاره كدولة جديدة وحداثية، على الضفاف الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط ، وبمظهر الحداثة وإطفاء المواطنة في إطار الوطن. حاول ُأولئك المناضلون إبعاد ما كان يحاول التيار المتخلف الرجعي بالتعاون مع القوى الأجنبية بفرض إستاتيكية لتعميق القبلية.
فبينما كان الغرب الليبي والذي كان يعرف باسم ولاية طرابلس الغرب، كان النضال رافعآ شعارات إنشاء الجمهورية الطرابلسية وعلى أساس ديمقراطي حديث وكان مناديآ باللحاق بعجلة المستقبل والحداثة.فمنذ 1918 نادى المناضل سليمان پاشا الباروني بإنشاء الجمهورية الطرابلسية
التي تكونت أثناء المقاومة ضد الاستعمار الطلياني وتشكل لها مجلس رئاسي برآسة السيد سليمان پاشا الباروني وبحكم أنه كان والي ولاية طرابلس الغرب وشاركه في المجلس الرئاسي ثلاث مناضلين من قادة المقاومة ضد الطليان الغزاة .غير أن هذه الجمهورية لم تتمكن من البقاء لفترة لم تتجاوز بضع سنوات وكان سبب ذلك هو المحاربة العنيفة التي واجهها بها الإستعمار الطلياني ، مما أدى إلى إنحسار المقاومة وإرغام المناضل سليمان پاشا الباروني من مغادرة ليبيا وموته خارج الوطن في الهند.
هذه الجمهورية التي كانت أول جمهورية في المنطقة التي سيطرت عليها الخلافة العثمانية والتي لو ُكتب لها النجاح كانت من الممكن أن تكون منارة لشعوب المنطقة ككل وبالدرجة الأولى في بلدان المغرب الكبير.
ومن المؤسف أن الكثير من الليبين لا يعرفون دور هذ البطل في مقاومة الإستعمار الطلياني والقليل النادر منهم من يعرف عن هذه الجمهورية. فبعد إعلان الإستقلال (في 24 ديسمبر عام 1951)أيام المملكة الليبة المتحدة كان كل ما يقال عن مقاومة الإستعمار الطلياني هو ما قامت به الحركة السنوسية في برقة وإظهار بطولات عمر المختار وإجحاف حق ودورالمناضلين الليبين الآخرين في النضال….!!!!
ونذكر سليمان پاشا الباروني هنا للحصر فقط، فهناك الكثير من المناضلين في ليبيا لا يذكرهم التاريخ الليبي المزيف وكمثال على ذلك المناضلون أحمد المريض وعبالدالنبي بلخير ورمضان السويحلي (الذين كانوا أعضاء المجلس الرآسي للجمهورية الطرابلسية) وهناك البعض الذين لا تعطى لهم الأهمية بدورهم البطولي نهائيآ ونذكر منهم خليفة بن عسكر،هذا المناضل الذي كان يناضل ضد الطليان في طرابلس الغرب لينتقل أحيانآ للمشاركة في النضال مع التونسيين ضد الفرنسيين في تونس.
ومن المؤسف أن النظام الملكي ومن بعده نظام الإرهاب القذافي لم يذكر في تاريخ النضال الليبي ضد الطليان غير إسم “عمر المختار” ولم يذكر البتة المناضلين من أمثال المحامي “محمد فرحات الزاوي” والذي تخرج من جامعة السرپون الفرنسية وتمكن من المشاركة في النضال مع سليمان پاشا الباروني.ولم يذكر إسم المناضل “أحمد زارم” الذي ولد في قرية “الرحيبات” بجبل نفوسة.وبعد تولي “إدريس السنوسي” الحكم رجع إلى تونس ليعيش بقية عمره هناك وقام بنشر مذكراته.
حاول النظام الملكي بقيادة الملك “محمد إدريس السنوسي” التركيز على إبراز وإعطاء القبيلة دورآ آساسيآ في التكوينة الإجتماعية الليبية وبالذات في القسم الشرقي من البلاد الذي يعرف بإسم ولاية برقة.وكذلك في الناحية السياسية لتسيير سياسية البلاد حيث كان يتم توزيع الوزارات والمناصب العليا على أساس الإنتمآت الجهوية والقبلية وبالذات بين قبائل العبيدات والبراعصة والعواقير في ما يسمى “برقة الحمرا” وقبيلة المغاربة بالدرجة الأولى فيما يسمى “برقة البيضا”
الوزارة الوحيدة التي يمكن إستثنائها من هذه التركيبات الجهوية هي وزارة الشاب المحامي “عبدالحميد البكوش” التي كانت متكونة من مجموعة من الشباب المتعلم وخريجي الجامعات والتكنوقراطيين ذوي الكفآتت العالية. حوالجدرير ذكره هنا هو ما طرحه السيد المحامي “عبدالحميد البكوش” من تركيز على المواطنة الليبية والإنتماء إلى ليبيا وإحياء الشخصية الليبية في إيطار الثقافة الليبية لمواجهة التيار القومجي العروبي الآتي من الشرق الأوسط.
كان أول ما قام به السيد “محمد إدريس السنوسي” ليلة إعلان إستقلال ليبيا هو إلغاء ومنع مزاولة الأحزاب السياسية لأي نشاط سياسي وطرد المناضل الكبير “بشير السعداوي” والذي كان يسمى ب”الزعيم”.وكان هذا المناضل الفد من المنادين بليبيا ككل وبدون السيادة للحركةالسنوسية والأمير “محمد إدريس السنوسي”.وبهذا الموقف من “محمد السنوسي” فتح المجال للقبائل ولا أقول العشائر،حيث أن القبائل في الشرق الليبي بالرغم من تواجدها الهش إلا أنها تصطبغ بطابع الشكل الإداري وليس العشائري الذي يكون له دور سياسي مثل العشائر في أفغانستان والأردن .فالقبائل في الشرق الليبي ليس لها جذور تاريخية تعطيها أولوية القرار في سياسة الدولة.
أما في طرابلس فلم يكن هناك وجود للقبائل،وكان الإنتماء للمدن والقرى حتى أن جاء الديكتاتور القذافي الذي أصر على خلق الإنتماء القبلي والذي كان غير مقبولآ ومرفوضآ في معظم مناطق طرابلس الغرب.
وقبل الحصول على الاستقلال والمجيء ب”محمد السنوسي” كملك للمملكة الليبية المتحدة، كان هناك في إقليم برقة بعض التنظيمات السياسية التي لم تتكون بعد كأحزاب سياسية منها:
1-جمعية عمر المختار وكان قائدها شاعر مدينة درنة “إبراهيم الأسطى عمر”
وكانت تنادي بإستقلال ليبيا وكانت تظم مجموعة من الشباب الوطني ذو الإنتمآت السياسية والثقافية المتاحة آن ذاك لليبيا ، غير أنها لم تتمكن من خلق قاعدة شعبية واسعة لتفرض وجودها السياسي في مواجهة الحركة الدينية السنوسية التي كان لها التأييد الكامل من دولة بريطانيا.
2-الجبهة الوطنية البرقاوية
كانت هذه الجبهة منادية بإستقلال برقة أو بالأحرى إمارة برقة وكانت تناوئ العداء لجمعية “عمر المختار” في مناداتها بإستقلال ليبيا كدولة واحدة
3-رابطة الشباب الليبي
وكانت تجمع سياسي صغير وموالية ل”محمد إدريس السنوسي” ومنادية بإستقلال إمارة برقة وعلى رأسها الأمير “محمد إدريس السنوسي”.
4-المؤتمر الوطني البرقاوي
وهذا أيضآ كان مجموعة صغيرة محدود التوجه السياسي وكان أيضآ من المنادين بإمارة برقة فقط وعلى رأسها الأمير “محمد إدريس السنوسي”.
أما الوضع في طرابلس الغرب فكان مختلف نهائيآ عما عليه الوضع في برقة حيث كانت طرابلس تعج بالأحزاب السياسية التي وصل عددها إلى تسعة أحزاب كانت تتصارع ديمقراطيآ وتطرح نظام الدولة الدستورية الحديثة لكل ليبيا التي كانت تطمح لها ولم تكن تطرح أي طرح قبلي بل طرحآ نضاليآ سياسيآ ديمقراطيآ.وكان من أهم الأحزاب السياسية الفاعلة آن ذاك هي كالتالي:
حزب المؤتمر الوطني الطرابلسي
وكان مؤسس الحزب المناضل بشير السعداوي ألذي كان يسمى”الزعيم”، وكان من أهذاف الحزب هو النضال من أجل إستقلال ليبيا ككل في دولة واحدة وكان هناك الكثير من أعضاء الحزب النشطين والوطنيين من أمثال “صالح النايلي” “محمد زارم” و” سليمان إمحمد قجم” من القادة الوطنيين في جبل “نفوسة”.
كان هناك خلاف في قيادة الحزب حول النظام الذي يجب أن تتبناه ليبيا الواحدة فيما إذا كان ملكيآ أو جمهوريآ
غير أن الإتجاه المؤيد إلى التحالف مع الحركة السنوسية وقبول “محمد إدريس السنوسي” ملك ليبيا هو الإتجاه الذي سيطر على قيادة الحزب مؤخرآ، وكان الدفع لنجاح هذا التيار هو إخراج ليبيا الواحدة كدولة حتى وإن كانت ملكية.
حزب الكتلة:
تم تأسيس هذا الحزب من الأخوين علي الفقيه حسن وأخوه أحمد الفقيه حسن وذلك بعد إنفصال أحمد الفقيه حسن عن قيادة الحزب الوطني بعد نشوب خلاف بينه وبين مصطفى ميزران الذي تولى بعد ذلك قيادة الحزب الوطني.
كان حزب الكتلة واضحآ وراديكاليآ في مناداته بإستقلال كل ليبيا الواحدة تحت نظام جمهوري رافضآ الملكية والتبعية لإي جهة أجنبية كانت
حزب الاستقلال:
من مؤسسي الحزب محمود المنتصر وسالم المنتصر ..كان الحزب ذو ميول قوية للإرتباط بدولة إيطالياوالحركة السنوسية وكان في النهاية مناذيآ بإستقلال ليبيا الواحدة،وتحالف هذا الحزب مع “محمد إدريس السنوسي” وكان “محمود المنتصر” هو الذي إختاره الملك ليكون أول رئيس وزراء في ليبيا المستقلة.
وفي ليلة إعلان الإستقلال (24.12.1951) وتولي “محمد إدريس السنوسي” الملكية قام بتوجيهات من الحكومة البريطانية بالتالي:
نفي “الزعيم” “بشير السعداوي”إلى خارج البلاد ولم يسمح له حتى يرى بلاده المستقلة والتي ناضل كل حياته من أجلها.
إلغاء كل التنظيمات السياسية سواء كانت الأحزاب في طرابلس أو التنظيمات الأخرى حتى التي كانت موالية له في برقة. وهذا ما جعل الباب مفتوحآ لإقامة الإنتخابات سواء كانت فترة إنتخاب المجالس التشريعية في نظام الولايات في النظام الإتحادي الذي إستمر حتى عام 1963 أو البرلمان الذي إبتداء في عام 1963 أقول جعل الباب مفتوحآ لظهور وتشجيع الجهوية التي لاشك عششت فيها بوادر القبلية وبالذات في برقة..وقام أيضآ بنفي المناضل “بشير السعداوي” إلى خارج البلاد حتى توافاه الأجل في المشرق.
أما في حقبة ديكتاتورية القذافي الإرهابية فكان الشعب الليبي يتوقع تحسن الأمور ولكن لسوء حظ ليبيا زادت الأمور سوء وتبلورت القبلية المتخلفة وإعتبر كل من تحزب خائن وإمتلأت السجون بكل المثقفين والسياسيين على مختلف مشاربهم وإنتمآتهم الإثنية لتصبح البلاد تحت قبضة من القذافية الحديدية.وإ خترعت المخابرات القذافية نمودج على كل الموظفين في الدولة الليبية تعبئته مشيرين وبكل وضوح إلى إسم قبيلتهم ومعلومات تفصيلية عن حتى أبعد أقاربهم الذين تربطهم بهم علاقة الرحم حتى وإن لم يكن لديهم بهم أي صلة.
اليوم تحاول دول مثل الجارة الشرقية مصر ودولة مغاربيآ التركيز على أن الأزمة الليبية لا يمكن حلها إلا بالرجوع إلى القبيلة.فمصر ترى أن الحل هو تزويد السلاح لبعض الشرادم “الحدودية” ودجها في حرب ذات طابع “قبلي” بينما تنادي الجارة المغاربية بتطبيق التجربة القبلية الأفغانية في ليبيا مع علمها بإختلاف التركيبة الإجتماعية للسكان ليبيا عن سكان أفغانستان..ليبيا ليست بلاد قبائل كما هو الحال في دول المشرق ولا أفغانستان.
ليبيا دولة مغربية أصولها أمازيغية قبل أن جاءها العرب بالإسلام من شبه جزيرة العرب.إن مايحمي ليبيا هو إنتماء الليبيين (أمازيغ وعرب ومستعربين وطوارق وتبو) لوطنهم ليبيا ولهويتهم الوطنية الليبية حيث لا قبائل ولا جهوية سيكون لها أي قيمة في الحياة السياسية
طرابلس يونيو 2020
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.