أزول بريس-موسى متروف//
التقى الراحلان عبد الله إبراهيم وعبد الرحمان اليوسفي في رحابي المقاومة والعمل السياسي، وجمع بينهما الانفصال عن حزب الاستقلال لتأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، ثم تفرقت بهما السبل، عندما خرج الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من رحم الأخير. وعادا ليلتقيا في الكتلة الديمقراطية، قبل أن يخرج منها عبد الله إبراهيم… وصار اليوسفي وزيرا أولا، كما سبقه إبراهيم إلى المنصب ذاته (كان يسمى رئيس حكومة)… ورحل عبد الله إبراهيم ولم يلتحق به في دار القرار اليوسفي إلا بعد حوالي 15 سنة، لكن كتب الله أن يكون قبره إلى جوار رفيقه القديم وبشكل مثير للدهشة…
قبران “توأم”، شاهدان يحملان كلمات نُحتت بالطريقة ذاتها، خطا وتشكيلا. حائط موشح بالبياض أُعد، ليسند الشاهدين، بشكل متماثل من جانبيه، كأنه أحد جدران ضريح تقليدي، جعل القبرين واحدا.
اللقاء الأبدي
على الشاهد الأيمن نُحتت على الرخام الكلمات التالية: “لا إله إلا الله محمد رسول الله. بسم الله الرحمان الرحيم. يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية. فادخلي في عبادي وادخلي جنتي. صدق الله العظيم. هنا يرقد جثمان الأستاذ عبد الله إبراهيم. المزداد سنة 1918 بمراكش والذي انتقل إلى جوار ربه يوم الأحد 6 شعبان 1426 موافق 11 شتنبر 2005. تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جناته..
وعلى الشاهد الأيسر نُحتت على الرخام من الحجم ذاته الكلمات التالية: “لا إله إلا الله محمد رسول الله. بسم الله الرحمان الرحيم. من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه. فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر. وما بدلوا تبديلا. صدق الله العظيم. هنا يرقد جثمان الأستاذ عبد الرحمان اليوسفي. المزداد بطنجة يوم 8 مارس 1924 والذي انتقل إلى جوار ربه يوم 7 شوال 1441 موافق 29 ماي 2020. تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جناته. إنا لله وإنا إليه راجعون”.
في انتظار اليوسفي
يحكي عبد الكريم الزرقطوني، رئيس مؤسسة محمد الزرقطوني للثقافة والأبحاث ونجل الشهيد الزرقطوني، وهو أحد العارفين طبعا بمقبرة الشهداء بالدارالبيضاء، حيث يرقد والده، وحيث يُحتفل بذكراه كل عام في اليوم الوطني للمقاومة، والذي كان آخر احتفال به يوم الجمعة 18 يونيو 2021، فكانت المناسبة سانحة للوقوف عند القبرين، (يحكي) أن قبر الراحل عبد الله إبراهيم، رئيس الحكومة السابق وأحد الزعماء الأولين للاتحاد الوطني للقوات الشعبية كان وحده في تلك الساحة المقابلة للبوابة الرئيسية للمقبرة وكأن ذلك الثرى كان ينتظر أن يواري الجثمان الطاهر لليوسفي، وزير أول “حكومة التناوب التوافقي” والكاتب الأول السابق للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ورفيق عبد الله إبراهيم في تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية وشد أزره في ذلك الردح من الزمن في الخمسينات والستينات من القرن الماضي، وجاء قبره ليكون متكئا للحد رفيقه، كأن اللقاء بينهما كان محتوما في البداية والنهاية.
احترام مع الخلاف
كانت لحظة تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية سنة 1959، وما قبلها، فترة وئام وتعاون بين الرجلين، لكن تأسيس الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، سنة 1975، فرق بينهما، لأن عبد الله إبراهيم ظل متمسكا بالحزب الأول، ولو أنه استحال إلى ما كان يوصف بـ”القوقعة الفارغة”، فتفرغ تقريبا للتعليم بالجامعة. لكن جدولا صغيرا جرى من تحت جسر الرجلين عند تأسيس الكتلة الديمقراطية، التي اعتُبرت، في البداية، “تاريخية”. وسرعان ما انسحب إبراهيم من هذا التحالف، خصوصا بعدما جرت الرياح بما لا تشتهي سفينته، في مسار تُوج، في الأخير، بحدث تاريخي وهو تأسيس حكومة التناوب برئاسة اليوسفي وبرعاية سامية من جلالة المغفور له الحسن الثاني.
ولما آن للفارسين أن يترجلا، اختار لهما القدر مكانا واحدا، ربما لأن ما يجمعهما أكثر مما يفرّق في دروب السياسة…
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.