النقيب الجامعي: مواجهة الداخلية المغربية للتقرير الأمريكي تهديد للحركة الحقوقية المغربية بأن الدور سيأتي عليها
الأستاذ النقيب الجامعي //
لماذا لم يرُد المغرب على اتهامات المخابرات الأمريكية لما نشرت تقارير عن تعاون بين الدولتين في مجال استنطاقات المعتقلين القادمين أو الذاهبين من وإلى غوانتانامو والتستر عن ممارسة التعذيب؟ ما السبب في عدم اكتراث السلطات بالمغرب بدراسة أوضاع حقوق الإنسان التي تصدر في تقارير عن هيئات ومنظمات حقوقية مغربية ونبذها وكأنها لم تكن، وعدم التعاطي معها ومع مضامينها علنيا وبكل الاحترام الواجب؟
في اعتقادي ليست هناك قراءة واحدة ووحيدة لحالة حقوق الإنسان بالمغرب، ولسنا في جنة حقوق الإنسان على وجه البسيطة كما أشار إلى ذلك رئيس المجلس الوطني في استجوابه مع جريدة “أخبار اليوم” في آخر هذا الأسبوع، وليس من مصلحة السلطة أن تستمر في تلميع الصورة الحقوقية بالمغرب بشكل مصطنع ، ومن واجبها أن تلتزم المصداقية والموضوعية والابتعاد عن المغالاة والغُلو، فالعالم يعرف ما تحاول السلطة أن تخفيه أو ما تظهره على غير حقيقته كما يعرف ما هو الحال عليه فيما يعتبر من خطوات إيجابية، والحركة الحقوقية المغربية بدورها على علم تام بمجريات واقعية وقانونية وقضائية وإعلامية ذات الصِلة بالحقوق والحريات أي لها رأيها وتقييمها حسب تجربة ومعطيات كل هيئة أو جمعية والتي يحترمها العديد من الملاحظين مغاربة وأجانب وبشكل موضوعي ودون مزايدات.
إن التجاهل المستمر للدولة لتقارير ودراسات عدد كبير من المنظمات والجمعيات والهيئات الحقوقية التي عمرت سنوات داخل الحقل الحقوقي وتحملت متاعب وصعاب في سبيل النهوض بحقوق الإنسان وإِعمالها والتوقف عن انتهاكها، وأدت في سبيل ذلك الثمن من أجل رسالتها النبيلة، ولم تكن تقاريرها ودراساتها هاته محط اهتمام علني وعمومي وإِعلامي من قبل الدولة ووزارة الداخلية، ولم يسبق أن سمعنا محطات التلفزة وخبراءها يستعرضون مضامين التقارير الحقوقية الوطنية ويحللونها أو دعوة وزارة الداخلية وعُمداءها لطاولات الاجتماعات بينها وبين تلك المنظمات والهيئات لتقييم ودراسة التقارير والملاحظات والإجابة عما فيها من معطيات والاعتراف بما هو صائب وحقيقي فيها وتصحيح ما هو خاطئ أو غير سليم، مع تبليغ الرأي العام بالحصيلة، والرأي العام هو الحَكَم وهو الرقيب الأول….،إن كل ما تعودنا سماعه من الدولة وعدد من سلطاتها بكل آسف وبكل غضب كذلك وفي غالب الأحيان، أو دأبنا قراءته في بلاغات وكالتها الرسمية، هو التهديد نعت جمعيات بالولاء لجهات أجنبية والتشهير والتلويح بالعقاب والمتابعة والمحاكمة ضدها… الخ، وذلك كلما طلعت جمعية أو منظمة في ندوة صحفية بتقرير سنوي أو موضوعاتي يشير أو يعرض واقعة أو وقائع تمس حقوق وحريات المواطنين، وهذا الاختيار هو عقلية وثقافة وأسلوب كان ولا زال يستعمل لتهميش فضيلة وسياسة الحوار والنقاش مع من لا يتفق وتدبير بعض قطاعات الدولة للسياسات العمومية وبالخصوص تهميش الجمعيات والمنظمات المدنية التي تقوم بواجب المرافعة من أجل رفع سقف حالة حقوق الإنسان أو الاحتجاج لما تُستهدَف حقوق الإنسان.
فكما تعودت وزارة الخارجية الامريكية إصدار تقاريرها بمنطقها ومصالحها ومفاهيمها، وتعودت وزارة الداخلية المغربية إصدار بلاغاتها ضد بعض الجمعيات بمنطقها ومصالحها وأهدافها، فهي اليوم لمَّا تقف لمواجهة تقرير الخارجية الأمريكية، فهي كما لو أنها تقول “إياك أعني واسمعي يا جارة” أي اسمعي أيتها الجمعيات أيتها المنظمات سوف يأتي الدور عليكم!! فهل سننتظر هذا الأسلوب الجديد في التعامل مع فصائل من الحركة الحقوقية؟؟
كان من المفروض موازاة مع انتقاد تقرير وزارة الخارجية الأمريكية والاحتجاج على تجاوزاته حسب معطيات وزارة الداخلية، أن تعلن هذه الأخيرة وتكشف أولا للرأي العام عمّا جاء صحيحا في التقرير وتكشف عن تفاصيل الأخطاء ومكامن التلفيق احتراما للحق في المعلومة للمواطن، كما كان عليها كذلك أن تكشف للرأي العام وبكل موضوعية وصراحة الأخطاء والتجاوزات التي وقعت هنا أو هناك من بعض أطراف السلطة ضد حقوق الإنسان، وبكل آسف هذا مستوى لم تبلغه بعد السلطات العموميته، وهذه ثقافة لم تتعودها و التي لم تتأثر لا بعلاقات المغرب الدولية ولا بانتقادات المجتمع الدولي الحقوقي ومنظماته العالمية، وهذه حالة لها أسبابها الأساسية تتمثل في التعاطي السلبي مع الرأي العام الوطني وعدم احترام ذكائه فضلا عن درجة احتقار تقارير حقوقية وطنية ولتشكك فيها والامتناع عن التعاطي معها بايجابية بدل إهمالها في أحسن الأحوال.
إن المنطق القائل بأن المغرب لا تخيفه التقارير الحقوقية الوطنية ولا الدولية هو ضرب من لغة من الخشب وينِمّ عن عقلية هَشة لا يمكن أن تستمر، إذ أننا نحتاج أمام وضع حقوقي معقد لعقليات متشبعة بحقوق الإنسان لتتولى إدارة الشأن العام، بما في ذلك الشأن الأمني والترابي والإعلامي والحقوقي، ولسنا في حاجة لوضع الأصفاد على العقول والاجتهادات سواء باسم الأمن أو الدين أو الخصوصية أو غيرها، وليس من حق أحد أن يضع الحركة الحقوقية داخل زنازن تتسع أو تضيق بحسب ذوق وهواجس هذا المسؤول أو ذاك، لأن هذا ما يسمى في عِلم السياسة بالاستبداد.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.