النظام الجزائري يدفع بكرة القدم إلى ملعب السياسة…

هشام الأزهري

يضبط النظام الجزائري تحركاته داخليا على المزاج العام للشعب، وبسبب نفاذ مخزون مصداقية الطبقة السياسية الحاكمة فقد نزل بكل ثقله في الميدان الرياضي، وبالأخص في مجال كرة القدم من أجل استثمار الشعبية الجارفة والنجاحات الأخيرة لمنتخب الكرة من أجل تمرير الرسائل السياسية داخليا وخارجيا والظهور بمظهر صانع الفرح والسعادة في البيوت الجزائرية.

في‭ ‬خضم‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬تشكيلة‭ ‬الحكومة‭ ‬التي‭ ‬سيعينها‭ ‬رئيس‭ ‬الجمهورية‭ ‬المنتخب‭ ‬عبد‭ ‬المجيد‭ ‬تبّون،‭ ‬قال‭ ‬مدير‭ ‬حملته‭ ‬الإعلامية‭ ‬محمد‭ ‬لعقاب،‭ ‬إنها‭ “‬ستكون‭ ‬حكومة‭ ‬كفاءات‭ ‬من‭ ‬الجزائريين‭ ‬المقيمين‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬والمقيمين‭ ‬في‭ ‬الخارج،‭ ‬على‭ ‬طريقة‭ ‬مدرّب‭ ‬منتخب‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬جمال‭ ‬بلماضي،‭ ‬الذي‭ ‬اعتمد‭ ‬مبدأ‭ ‬الكفاءة‭ ‬وجواز‭ ‬السفر‭ ‬وشهادة‭ ‬الميلاد‭ ‬دون‭ ‬أية‭ ‬معايير‭ ‬عرقية‭ ‬أو‭ ‬جغرافية‭”.‬

تصريح‭ ‬مهندس‭ ‬التواصل‭ ‬في‭ ‬حملة‭ ‬تبون‭ ‬المدعوم‭ ‬من‭ ‬الجيش٫‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬كانت‭ ‬فيه‭ ‬الساحة‭ ‬السياسية‭ ‬تغلي‭ ‬بالنقاش‭ ‬الرافض‭ ‬للالتفاف‭ ‬على‭ ‬المطالب‭ ‬الشعبية،‭ ‬وكان‭ ‬جزء‭ ‬واسع‭ ‬من‭ ‬الحراك‭ ‬الشعبي‭ ‬يعتبر‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬التي‭ ‬أجريت‭ ‬مسرحية‭ ‬جديدة‭ ‬لإعادة‭ ‬تثبيت‭ ‬النظام،‭ ‬وكانت‭ ‬أصوات‭ ‬الشعارات‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬تغطي‭ ‬على‭ ‬حدث‭ ‬تشكيل‭ ‬الحكومة،‭ ‬فكان‭ ‬الاستجداء‭ ‬برمزية‭ ‬المنتخب‭ ‬الوطني‭ ‬لكرة‭ ‬القدم،‭ ‬والاحترام‭ ‬الواسع‭ ‬الذي‭ ‬يتمتع‭ ‬به‭ ‬الناخب‭ ‬الوطني‭ ‬جمال‭ ‬بلماضي،‭ ‬الذي‭ ‬أعاد‭ ‬الهيبة‭ ‬لكرة‭ ‬القدم‭ ‬الجزائرية،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقديم‭ ‬الوعود‭ ‬بتشكيلة‭ ‬حكومية‭ ‬تشبه‭ ‬تشكيلة‭ ‬منتخب‭ ‬الكرة،‭ ‬وهو‭ ‬اعتراف‭ ‬ضمني‭ ‬بأن‭ ‬الجزائريين‭ ‬يثقون‭ ‬في‭ ‬منتخب‭ ‬الكرة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثقتهم‭ ‬في‭ ‬الطبقة‭ ‬السياسية‭.‬

تناسلت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التعليقات‭ ‬الساخرة‭ ‬حول‭ ‬تصريحات‭ ‬لعقاب،‭ ‬وبدأ‭ ‬الجزائريون‭ ‬بسخرية‭ ‬لاذعة‭ ‬يقترحون‭ ‬على‭ ‬تبون‭ ‬خطط‭ ‬تكتيكية‭ ‬لمنتخبه‭ ‬الحكومي‭ ‬وصلت‭ ‬حد‭ ‬مطالبته‭ ‬بالخضوع‭ ‬لحمية‭ ‬سياسية‭ ‬قاسية‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬الزوائد‭ ‬والشحوم‭ ‬السياسية،‭ ‬واكتساب‭ ‬لياقة‭ ‬قد‭ ‬تساعد‭ ‬على‭ ‬تسجيل‭ ‬الأهداف‭. ‬واستبقت‭ ‬تعليقات‭ ‬الجزائريين‭ ‬الإعلان‭ ‬عن‭ ‬التشكيلة‭ ‬الحكومة‭ ‬داخل‭ ‬قصر‭ ‬المرادية،‭ ‬باختيار‭ ‬جمال‭ ‬بلماضي‭ “‬وزيرا‭” ‬للسعادة،‭ ‬وهي‭ ‬الصفة‭ ‬التي‭ ‬يحلو‭ ‬لشباب‭ ‬الجزائر‭ ‬أن‭ ‬ينعت‭ ‬بها‭ ‬بلماضي،‭ ‬نكاية‭ ‬في‭ ‬الحكومة‭ ‬المعينة‭ ‬وتعبيرا‭ ‬عن‭ ‬كون‭ ‬مصدر‭ ‬السعادة‭ ‬الحقيقي‭ ‬داخل‭ ‬الجزائر‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬فريقها‭ ‬الوطني‭ ‬للكرة‭ ‬ومدربه‭.‬

التصريحات‭ ‬على‭ ‬طرافتها،‭ ‬أوضحت‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬رهان‭ ‬الرئيس‭ ‬تبون‭ ‬على‭ ‬استثمار‭ ‬النجاح‭ ‬الرياضي‭ ‬لمنتخب‭ ‬الكرة‭ ‬في‭ ‬المشهد‭ ‬السياسي‭ ‬الداخلي‭.‬

حالات‭ ‬تسلل

تخبرنا‭ ‬صفحات‭ ‬التاريخ‭ ‬أن‭ ‬بطولة‭ ‬كأس‭ ‬العالم‭ ‬ودورة‭ ‬الألعاب‭ ‬الأوليمبية‭ ‬توقفت‭ ‬لسنوات‭ ‬عديدة‭ ‬بسبب‭ ‬الحربين‭ ‬العالميتين‭ ‬الأولى‭ ‬والثانية،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬موسوليني‭ ‬استغل‭ ‬استضافة‭ ‬إيطاليا‭ ‬لكأس‭ ‬العالم‭ ‬سنة‭ ‬1934‭ ‬للدعاية‭ ‬لنظامه‭ ‬الفاشي،‭ ‬وكذلك‭ ‬فعل‭ ‬هتلر‭ ‬مع‭ ‬أولمبياد‭ ‬برلين‭ ‬عام‭ ‬1938‭.‬

وتمت‭ ‬معاقبة‭ ‬ألمانيا‭ ‬المنهزمة‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬باستبعادها‭ ‬عن‭ ‬البطولات‭ ‬العالمية‭ ‬التي‭ ‬تلت‭ ‬الحرب،‭ ‬وفي‭ ‬سبعينات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬أطلت‭ ‬السياسة‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬برأسها‭ ‬على‭ ‬الرياضة‭ ‬سواء‭ ‬عبر‭ ‬العملية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬ضد‭ ‬البعثة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬في‭ ‬أولمبياد‭ ‬ميونخ،‭ ‬أو‭ ‬عبر‭ ‬المقاطعة‭ ‬الإفريقية‭ ‬لدورة‭ ‬موريال‭ ‬عام‭ ‬76‭ ‬بسبب‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬جنوب‭ ‬أفريقيا‭ ‬العنصرية‭ ‬وقتذاك،‭ ‬وتصاعد‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬ذروته‭ ‬بالمقاطعة‭ ‬الأميركية‭ ‬والغربية‭ ‬لأولمبياد‭ ‬موسكو‭ ‬في‭ ‬سنة‭ ‬1980،‭ ‬ورد‭ ‬الروس‭ ‬وحلفائهم‭ ‬بمقاطعة‭ ‬أولمبياد‭ ‬لوس‭ ‬أنجلوس‭ ‬بعد‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭.‬

لكنها‭ ‬الرياضة‭ ‬نفسها‭ ‬التي‭ ‬أعادت‭ ‬الدفئ‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬أميركا‭ ‬والصين‭ ‬عبر‭ ‬دبلوماسية‭ ‬كرة‭ ‬الطاولة،‭ ‬كما‭ ‬أعادت‭ ‬الدفء‭ ‬للعلاقات‭ ‬الأميركية‭ ‬الإيرانية‭ ‬عبر‭ ‬لقاءات‭ ‬المصارعة‭ ‬وكرة‭ ‬القدم‭ ‬بين‭ ‬البلدين‭.‬

لكن‭ ‬وعكس‭ ‬حركة‭ ‬التاريخ‭ ‬اكتشف‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬متأخرا‭ ‬قدرة‭ ‬الرياضة‭ ‬على‭ ‬توفير‭ ‬طوق‭ ‬نجاة‭ ‬ولو‭ ‬مؤقت‭ ‬للهروب‭ ‬إلى‭ ‬الأمام‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬الأسئلة‭ ‬الحارقة‭ ‬للشعب‭ ‬الجزائري‭.‬

ملعب‭ ‬“السياسة‭”‬

يجمع‭ ‬المراقبون‭ ‬للمشهد‭ ‬السياسي‭ ‬الجزائري‭ ‬بأن‭ ‬الرئيس‭ ‬الجزائري‭ ‬السابق‭ ‬استعمل‭ ‬مبكرًا‭ “‬سلاح‭” ‬الرياضة،‭ ‬فوظّفه‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬الحكم‭ ‬لعقدين‭ ‬من‭ ‬الزمن،‭ ‬واستعمل‭ ‬رؤساء‭ ‬الأندية‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الترويج‭ ‬لصورته،‭ ‬مثلما‭ ‬حدث‭ ‬مع‭ ‬رئيس‭ ‬وفاق‭ ‬سطيف‭ ‬السابق‭ ‬عبد‭ ‬الحكيم‭ ‬سرّار،‭ ‬الذي‭ ‬بقي‭ ‬يبشّر‭ ‬بعهدات‭ ‬بوتفليقة‭ ‬المتتالية‭ ‬ودعوته‭ ‬للترشّح‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مرّة‭.‬

ويتذكر‭ ‬متابعو‭ ‬الشأن‭ ‬الرياضي‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬كيف‭ ‬أن‭ ‬أحد‭ ‬أكبر‭ ‬الأندية‭ ‬جماهيرية‭ ‬في‭ ‬البلاد‭ ‬وهو‭ ‬مولودية‭ ‬الجزائر،‭ ‬بدأ‭ ‬الترويج‭ ‬للعهدة‭ ‬الرابعة‭ ‬مبكرًا‭ ‬ودعا‭ ‬بوتفليقة‭ ‬للترشّح‭ ‬سنة‭ ‬قبل‭ ‬موعد‭ ‬الانتخابات‭ ‬الرئاسية‭ ‬لعام‭ ‬2014‭. ‬وأصيب‭ ‬مسؤولو‭ ‬النادي‭ ‬بخيبة‭ ‬أمل‭ ‬عندما‭ ‬لم‭ ‬يستلموا‭ ‬كأس‭ ‬الجمهورية‭ ‬من‭ ‬يدي‭ ‬الرئيس‭ ‬شخصيا‭ ‬في‭ ‬ماي‭ ‬2013،‭ ‬بسبب‭ ‬إصابته‭ ‬بجلطة‭ ‬دماغية‭. ‬فقد‭ ‬رفضوا‭ ‬يوم‭ ‬النهائي‭ ‬استلام‭ ‬الميداليات‭ ‬من‭ ‬يدي‭ ‬الوزير‭ ‬الأوّل‭ ‬حينها‭ ‬عبد‭ ‬المالك‭ ‬سلال،‭ ‬ممّا‭ ‬عرضهم‭ ‬لعقوبات‭.‬

يؤكد‭ ‬المحلل‭ ‬السياسي‭ ‬عبد‭ ‬الحميد‭ ‬غمراسة‭ ‬في‭ ‬حوار‭ ‬مع‭ ‬دويتشه‭ ‬فيله،‭ ‬أن‭ “‬انهزام‭ ‬الجزائر‭ ‬أمام‭ ‬مصر‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬في‭ (‬الرابع‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬شهر‭ ‬نونبر‭ ‬عام‭ ‬2009‭) ‬بهدفين‭ ‬لصفر،‭ ‬كان‭ ‬فرجا‭ ‬سياسيا‭ ‬للرئيس‭ ‬بوتفليقة‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬كابوسا‭ ‬لأنصار‭ ‬الفريق‭ ‬الجزائري‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭”.‬

ويستطرد‭ ‬غمراسة‭ ‬عبد‭ ‬الحميد‭ ‬موضحا‭ ‬فكرته‭ ‬بقوله‭ “‬لقد‭ ‬أدى‭ ‬فوز‭ ‬مصر‭ ‬على‭ ‬الجزائر‭ ‬بهدفين‭ ‬لصفر،‭ ‬إلى‭ ‬عدم‭ ‬تأهل‭ ‬الجزائر‭ ‬مباشرة،‭ ‬بل‭ ‬فرض‭ ‬على‭ ‬الفريقين‭ ‬المصري‭ ‬والجزائري،‭ ‬مباراة‭ ‬فاصلة‭ ‬في‭ ‬الخرطوم،‭ ‬و‭ ‬خلال‭ ‬ثلاثة‭ ‬أيام‭ ‬أمر‭ ‬الرئيس‭ ‬الجزائري‭ ‬بنقل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬اثني‭ ‬عشر‭ ‬ألف‭ ‬مناصر‭ ‬إلى‭ ‬الخرطوم،‭ ‬على‭ ‬نفقة‭ ‬الدولة‭ ‬تقريبا،‭ ‬لأن‭ ‬تكاليف‭ ‬السفر‭ ‬خفضت‭ ‬بشكل‭ ‬هائل‭”. ‬ليطرح‭ ‬السؤال‭ ‬وقتها‭ ‬عن‭ ‬مغزى‭ ‬حالة‭ “‬الطوارئ‭ ‬الرياضية‭” ‬هذه‭ ‬التي‭ ‬أعلنها‭ ‬بوتفليقة،‭ ‬وهل‭ ‬يتعلق‭ ‬الأمر‭ ‬بأجندة‭ ‬رياضية‭ ‬محضة‭ ‬أم‭ ‬بأهداف‭ ‬سياسية‭ ‬أوسع؟

لقد‭ ‬أمر‭ ‬الرئيس‭ ‬الجزائري‭ “‬الخطوط‭ ‬الجوية‭ ‬الجزائرية‭”‬،‭ ‬بتخفيض‭ ‬ثمن‭ ‬التذاكر‭ ‬بنسبة‭ ‬ثمانين‭ ‬في‭ ‬المائة،‭ ‬و‭ ‬فتح‭ ‬جسرا‭ ‬جويا‭ ‬إلى‭ ‬الخرطوم،‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يربطها‭ ‬بالجزائر‭ ‬خط‭ ‬جوي‭ ‬مباشر،‭ ‬كما‭ ‬أمر‭ ‬السفارة‭ ‬الجزائرية‭ ‬بالخرطوم‭ ‬بالتكفل‭ ‬بالأنصار‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يملكون‭ ‬مالا‭ ‬يدفعون‭ ‬به‭ ‬ثمن‭ ‬المبيت‭ ‬قبل‭ ‬يوم‭ ‬المباراة،‭ ‬كما‭ ‬اشترى‭ ‬لكل‭ ‬الأنصار‭ ‬الجزائريين‭ ‬تذاكر‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬ملعب‭ ‬أم‭ ‬درمان‭ ‬حيث‭ ‬تجري‭ ‬المباراة،‭ ‬وقدمت‭ ‬السفارة‭ ‬الجزائرية‭ ‬تذكرة‭ ‬دخول‭ ‬للملعب‭ ‬لكل‭ ‬مناصر‭ ‬جزائري،‭ ‬يثبت‭ ‬جنسيته‭ ‬عبر‭ ‬جواز‭ ‬السفر‭.‬

وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق‭ ‬قال‭ ‬رابح‭ ‬هوادف،‭ ‬صحافي‭ ‬جزائري‭ ‬تنقل‭ ‬إلى‭ ‬الخرطوم‭ “‬لقد‭ ‬حقق‭ ‬الرئيس‭ ‬الجزائري‭ ‬في‭ ‬مباراة‭ ‬واحدة‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يحققه‭ ‬خلال‭ ‬السنتين‭ ‬الأخيرتين‭”. ‬وأضاف‭ “‬لقد‭ ‬كانت‭ ‬نفس‭ ‬نوعية‭ ‬الشباب‭ ‬التي‭ ‬ساعدها‭ ‬الرئيس‭ ‬الجزائري‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬حلمها‭ ‬هي‭ ‬نفس‭ ‬الطبقة‭ ‬التي‭ ‬تغذي‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬كما‭ ‬تغذي‭ ‬صفوف‭ ‬المشتبكين‭ ‬مع‭ ‬قوات‭ ‬الأمن‭ ‬بسبب‭ ‬الاحتجاجات‭ ‬على‭ ‬البطالة‭ ‬و‭ ‬أزمة‭ ‬السكن‭ ‬ونقص‭ ‬المرافق‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬مدن‭ ‬البلاد‭”.‬

عودة‭ ‬لتقنية‭ ‬الفار

حول‭ ‬جنرالات‭ ‬الجزائر‭ ‬تتويج‭ ‬المنتخب‭ ‬المحلي‭ ‬ببطولة‭ ‬كأس‭ ‬العرب،‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬في‭ ‬تاريخه،‭ ‬إلى‭ ‬انتصار‭ ‬ديبلوماسي،‭ ‬ونصر‭ ‬لدولة‭ ‬فلسطين‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الصهيوني،‭ ‬والدول‭ ‬التي‭ ‬تربطها‭ ‬علاقات‭ ‬بإسرائيل‭.‬

وطيلة‭ ‬مراحل‭ ‬البطولة‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬أقيمت‭ ‬بدولة‭ ‬قطر،‭ ‬خصوصا‭ ‬بعد‭ ‬إقصاء‭ ‬المغرب‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬ربع‭ ‬النهائي،‭ ‬تحولت‭ ‬الانتصارات‭ ‬المتتالية‭ ‬لمحاربي‭ ‬الصحراء‭ ‬لما‭ ‬يشبه‭ ‬انتصارات‭ ‬ديبلوماسية،‭ ‬حيث‭ ‬تقدم‭ ‬كبار‭ ‬المسؤولين‭ ‬في‭ ‬الجارة‭ ‬الشرقية‭ ‬بتهاني‭ ‬مسيسة‭. ‬وفي‭ ‬مشاهد‭ ‬أثارت‭ ‬استغراب‭ ‬وسخرية‭ ‬العالم،‭ ‬تحولت‭ ‬احتفالات‭ ‬لاعبي‭ ‬منتخب‭ ‬الجزائر‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬مباراة‭ ‬من‭ ‬كأس‭ ‬العرب‭ ‬التي‭ ‬احتضنتها‭ ‬قطر‭ ‬إلى‭ “‬رسائل‭ ‬سياسية‭”‬،‭ ‬حيث‭ ‬يلتحف‭ ‬لاعبو‭ ‬المنتخب‭ ‬بأعلام‭ ‬دولة‭ ‬فلسطين،‭ ‬علما‭ ‬أن‭ ‬منتخب‭ ‬فلسطين‭ ‬كان‭ ‬مشاركا‭ ‬في‭ ‬الدورة‭ ‬العربية‭.‬

مدرب‭ ‬الخضر،‭ ‬مجيد‭ ‬بوقرة،‭ ‬ركب‭ ‬نفس‭ ‬الموجة،‭ ‬حيث‭ ‬أهدى‭ ‬فوز‭ ‬بلاده‭ ‬بلقب‭ ‬كأس‭ ‬العرب‭ ‬لأهالي‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭. ‬وقال‭ ‬بوقرة‭ ‬في‭ ‬تصريحات‭ ‬صحافية،‭ ‬عقب‭ ‬انتهاء‭ ‬المباراة‭ ‬التي‭ ‬جمعت‭ ‬المنتخب‭ ‬الجزائري‭ ‬بنظيره‭ ‬التونسي،‭ “‬بالطبع‭ ‬أنا‭ ‬سعید‭ ‬بهذا‭ ‬اللقب،‭ ‬خاصة‭ ‬وأنه‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬بدایة‭ ‬مسیرتي‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬التدریب،‭ ‬أهنئ‭ ‬نفسي‭ ‬بهذا‭ ‬الإنجاز،‭ ‬و‭ ‬أهنىء‭ ‬اللاعبین‭ ‬والشعب‭ ‬الجزائري‭ ‬والفلسطیني،‭ ‬وبالأخص‭ ‬أهالينا‭ ‬في‭ ‬قطاع‭ ‬غزة‭”.‬

رسميا،‭ ‬نشر‭ ‬الرئيس‭ ‬الجزائري‭ ‬عبد‭ ‬المجيد‭ ‬تبون‭ ‬تغريدة‭ ‬على‭ “‬تويتر‭” ‬هنأ‭ ‬فيها‭ ‬منتخب‭ ‬بلاده‭ ‬لكرة‭ ‬القدم‭ ‬إثر‭ ‬فوزه‭ ‬على‭ ‬نظيره‭ ‬المغربي‭ ‬في‭ ‬بطولة‭ ‬كأس‭ ‬العرب‭ ‬بقطر‭ ‬وكتب‭ ‬تبون‭ “‬مليون‭ ‬ونصف‭ ‬مليون‭ ‬مبروك‭ ‬يا‭ ‬أبطال‭”‬،‭ ‬وفي‭ ‬سابقة‭ ‬من‭ ‬نوعها‭ ‬بالنسبة‭ ‬للمؤسسات‭ ‬العسكرية‭ ‬عبر‭ ‬العالم،‭ ‬هنأ‭ ‬رئيس‭ ‬أركان‭ ‬الجيش‭ ‬الجزائري،‭ ‬السعيد‭ ‬شنقريحة،‭ ‬فريق‭ ‬بلاده‭ ‬لكرة‭ ‬القدم‭ ‬إثر‭ ‬فوزه‭ ‬على‭ ‬نظيره‭ ‬المغربي‭.‬

وجاء‭ ‬في‭ ‬بيان‭ ‬لوزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬الجزائرية‭ ‬أن‭ “‬السيد‭ ‬الفريق‭ ‬السعيد‭ ‬شنقريحة‭ ‬رئيس‭ ‬أركان‭ ‬الجيش‭ ‬الوطني‭ ‬الشعبي‭ ‬يهنئ‭ ‬الفريق‭ ‬الوطني‭ ‬لكرة‭ ‬القدم‭ ‬بالفوز‭ ‬في‭ ‬المقابلة‭ ‬والمرور‭ ‬للدور‭ ‬النصف‭ ‬النهائي‭ ‬لكأس‭ ‬العرب،‭ ‬متمنيا‭ ‬لهم‭ ‬مزيدا‭ ‬من‭ ‬الانتصارات‭”. ‬التسييس،‭ ‬وفق‭ ‬مراقبين،‭ ‬زاد‭ ‬بعد‭ ‬عودة‭ ‬الخضر‭ ‬إلى‭ ‬أرض‭ ‬الوطن،‭ ‬حيث‭ ‬جرى‭ ‬استقبالهم‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الرئيس‭ ‬تبون،‭ ‬ورئيس‭ ‬أركان‭ ‬الجيش‭ ‬الجزائري‭. ‬ولفت‭ ‬مشهد‭ ‬اللاعب‭ ‬البلايلي‭ ‬عند‭ ‬تجاوزه‭ ‬للرئيس‭ ‬المنتخب‭ ‬عبد‭ ‬المجيد‭ ‬تبون،‭ ‬وتسليمه‭ ‬الكأس‭ ‬لـ‭”‬الحاكم‭ ‬الفعلي‭” ‬للجزائر،‭ ‬السعيد‭ ‬شنقريحة،‭ ‬وفق‭ ‬تعبير‭ ‬الإعلامي‭ ‬المغربي‭ ‬لحسن‭ ‬العسيبي،‭ ‬الذي‭ ‬نشر‭ ‬مقطع‭ ‬الفيديو‭ ‬عبر‭ ‬حسابه‭ ‬في‭ ‬الفايسبوك،‭ ‬وقال‭ “‬اللاعب‭ ‬يوسف‭ ‬بلايلي‭ ‬يسجل‭ ‬إصابة‭ ‬في‭ ‬مرمى‭ ‬الحقيقة‭ ‬السياسية‭ ‬وحقيقة‭ ‬الحكم‭ ‬بالجزائر‭”‬،‭ ‬وأضاف‭ “‬أثناء‭ ‬الصورة‭ ‬الجماعية‭ ‬المخلدة‭ ‬لاستقبال‭ ‬الفريق‭ ‬الجزائري‭ ‬لكرة‭ ‬القدم‭ ‬للمحليين،‭ ‬لم‭ ‬يسلم‭ ‬كأس‭ ‬العرب‭ ‬للرئيس‭ ‬المنتخب‭ ‬السيد‭ ‬عبد‭ ‬المجيد‭ ‬تبون،‭ ‬بل‭ ‬للحاكم‭ ‬الفعلي‭ ‬بالجزائر،‭ ‬الجنرال‭ ‬سعيد‭ ‬شنقريحة‭ (‬وبقلب‭ ‬قصر‭ ‬الشعب‭ ‬الرئاسي‭)”. ‬وتابع‭ “‬لقطة‭ ‬تلخص‭ ‬كل‭ ‬شئ،‭ ‬أن‭ ‬السيد‭ ‬تبون‭ ‬ليس‭ ‬سوى‭ ‬واجهة‭ ‬ممكن‭ ‬بهدلته‭ ‬بروتوكوليا‭”.‬

لعب‭ ‬عقيم

يؤكد‭ ‬الدكتور‭ ‬احسان‭ ‬الحافظي‭ ‬أستاذ‭ ‬القانون‭ ‬بجامعة‭ ‬الحسن‭ ‬الأول‭ ‬والخبير‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الأمنية‭ ‬في‭ ‬حديث‭ ‬مع‭ ‬مجلة‭ ‬BAB‭ ‬بأن‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬لا‭ ‬يحيد‭ ‬حاليا‭ ‬عن‭ ‬نموذج‭ ‬الأنظمة‭ ‬العسكرية‭ ‬الشمولية‭ ‬التي‭ ‬استغلت‭ ‬مباريات‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحقيق‭ ‬مكاسب‭ ‬داخلية‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬شرعية‭ ‬شعبية‭ ‬ودستورية‭ ‬مفقودة،‭ ‬ومحاولات‭ ‬التغطية‭ ‬على‭ ‬الكوارث‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬يعانيها‭ ‬النظام‭.‬

ويضيف‭ ‬الدكتور‭ ‬إحسان‭ ‬الحافظي‭ ‬بأن‭ ‬العالم‭ ‬تابع‭ ‬كيف‭ ‬تهافت‭ ‬العسكر‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬على‭ ‬مباريات‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬بشوفينية‭ ‬مقيتة‭ ‬تركب‭ ‬على‭ ‬انتصارات‭ ‬فريق‭ ‬بوهم‭ ‬انها‭ ‬تبعث‭ ‬رسائل‭ ‬سياسية‭ ‬باستغلال‭ ‬فرحة‭ ‬شعب‭ ‬طالما‭ ‬وصف‭ ‬نظامه‭ ‬ب‭”‬العصابة‭”.‬

ويعتقد‭ ‬الخبير‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الأمنية‭ ‬أن‭ ‬كون‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬اللعبة‭ ‬الأكثر‭ ‬شعبية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬لما‭ ‬لها‭ ‬من‭ ‬تأثير‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬سيكولوجيا‭ ‬الجماهير،‭ ‬دفع‭ ‬النظام‭ ‬الجزائري‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الاخيرة‭ ‬الى‭ ‬القفز‭ ‬فوق‭ ‬انجازات‭ ‬اللعبة‭ ‬ومحاولة‭ ‬تصدر‭ ‬المشهد‭ ‬باعتباره‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬صنعها،‭ ‬لكن‭ ‬المؤكد‭ ‬أن‭ ‬أغلب‭ ‬هذه‭ ‬الانتصارات‭ ‬وقتية‭ ‬ويصعب‭ ‬الحفاظ‭ ‬عليها،‭ ‬لأنها‭ ‬مجرد‭ ‬لعبة‭.‬

ويعتقد‭ ‬الباحث‭ ‬في‭ ‬التواصل‭ ‬السياسي‭ ‬خالد‭ ‬التايب‭ ‬في‭ ‬حديث‭ ‬مع‭ ‬مجلة‭ ‬BAB‭ ‬بأن‭ ‬تسييس‭ ‬الرياضة‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬ليس‭ ‬وليد‭ ‬الساعة،‭ ‬ولا‭ ‬يرتبط‭ ‬بالنظام‭ ‬الحالي،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬يمتد‭ ‬إلى‭ ‬حكم‭ ‬الرئيس‭ ‬الراحل‭ ‬بوتفليقة،‭ ‬الذي‭ ‬أدرك‭ ‬خلال‭ ‬مباريات‭ ‬تصفيات‭ ‬كأس‭ ‬العالم‭ ‬2010،‭ ‬بين‭ ‬منتخب‭ ‬الجزائر‭ ‬والمنتخب‭ ‬المصري،‭ ‬أن‭ ‬تسييس‭ ‬الرياضة‭ ‬وكرة‭ ‬القدم‭ ‬بالأساس،‭ ‬قد‭ ‬يمكنه‭ ‬من‭ ‬مضاعفة‭ ‬شعبيته،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬حصل‭ ‬بالفعل،‭ ‬بحيث‭ ‬قام‭ ‬بوتفليقة‭ ‬بدعم‭ ‬الفريق‭ ‬والمشجعين‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬وغير‭ ‬مباشر‭ ( ‬توفير‭ ‬وتخفيض‭ ‬سعر‭ ‬النقل‭ ‬الجوي‭ ‬إلى‭ ‬الخرطوم‭ ‬وتوفير‭ ‬تذاكر‭ ‬المباراة‭ ‬والإقامة‭…). ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬عدد‭ ‬الجمهور‭ ‬المستفيد‭ ‬من‭ ‬المبادرة‭ ‬يشكل‭ ‬نسبة‭ ‬قليلة‭ ‬مقارنة‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬الجماهير‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬ترغب‭ ‬في‭ ‬الذهاب،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬شعبية‭ ‬الرئيس‭ ‬ارتفعت‭ ‬بشكل‭ ‬ملحوظ‭.‬

ويضيف‭ ‬الاستاذ‭ ‬التايب‭ ‬بأن‭ ‬النظام‭ ‬الحالي‭ ‬ربما‭ ‬يهدف‭ ‬الى‭ ‬لعب‭ ‬نفس‭ ‬الأوراق،‭ ‬عبر‭ ‬جعل‭ ‬مباريات‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬تحمل‭ ‬طابعا‭ ‬سياسيا‭ ‬تغيب‭ ‬فيه‭ ‬الروح‭ ‬الرياضية،‭ ‬وتحضر‭ ‬فيه‭ ‬السياسة،‭ ‬ويصبح‭ ‬فيه‭ ‬الفوز‭ ‬في‭ ‬مباراة‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬انتصارا‭ ‬للنظام‭ ‬على‭ ‬أنظمة‭ ‬أخرى،‭ ‬واتهام‭ ‬هذه‭ ‬الأنظمة‭ ‬بالتحامل‭ ‬والتآمر‭ ‬على‭ ‬الفريق،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬وقع‭ ‬مع‭ ‬المغرب،‭ ‬عبر‭ ‬الظهور‭ ‬المكثف‭ ‬للرئيس‭ ‬الجزائري‭ ‬ورئيس‭ ‬أركانه‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وهم‭ ‬يدعمون‭ ‬الفريق‭ ‬ويشجعونه‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬مباراة‭ ‬من‭ ‬مباريات‭ ‬كأس‭ ‬العرب،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬امتد‭ ‬إلى‭ ‬مباريات‭ ‬كأس‭ ‬إفريقيا‭ ‬للأمم‭.‬

ويعتبر‭ ‬هذا‭ ‬الأسلوب‭ ‬في‭ ‬التواصل،‭ ‬حسب‭ ‬المتحدث‭ ‬ذاته،‭ ‬أحد‭ ‬وسائل‭ ‬الأنظمة‭ ‬الشمولية‭ ‬التي‭ ‬تحاول‭ ‬استغلال‭ ‬الأنشطة‭ ‬التي‭ ‬ترافقها‭ ‬الجماهير،‭ ‬بهدف‭ ‬تعزيز‭ ‬شعبية‭ ‬الأنظمة‭ ‬وتثبيت‭ ‬قواعدها‭. ‬ويصنف‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬التواصل‭ ‬ضمن‭ ‬الشائعات‭ ‬والخطابات‭ ‬الوردية‭ ‬المتفائلة‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬طابع‭ ‬حالم،‭ ‬وتساهم‭ ‬في‭ ‬ترجمة‭ ‬رغبات‭ ‬الناس‭ ‬في‭ ‬تحقيق‭ ‬الأماني،‭ ‬عبر‭ ‬تحسين‭ ‬صورة‭ ‬الواقع‭ ‬البئيس‭ ‬الذي‭ ‬تعيشه‭ ‬الشعوب،‭ ‬وتعتبر‭ ‬الأنظمة‭ ‬هذا‭ ‬النوع‭ ‬من‭ ‬الخطاب‭ ‬فرصة‭ ‬للتنفيس‭ ‬عن‭ ‬حاجة‭ ‬المواطن‭ ‬ورغباته،‭ ‬ويهدف‭ ‬النظام‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ذلك‭ ‬للعب‭ ‬دور‭ ‬رئيسي‭ ‬في‭ ‬تعزيز‭ ‬الجبهة‭ ‬الداخلية،‭ ‬عبر‭ ‬نشر‭ ‬وترويج‭ ‬أخبار‭ ‬متفائلة‭ ‬ذات‭ ‬طابع‭ ‬وردي‭ ‬تشجع‭ ‬المدنيين‭ ‬على‭ ‬الصبر‭ ‬والصمت‭ ‬والصمود‭ ‬للحد‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬اليأس‭ ‬المنتشرة‭ ‬في‭ ‬المجتمع،‭ ‬عبر‭ ‬تصدير‭ ‬الأزمات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬توجيه‭ ‬المواطن‭ ‬لمواضيع‭ ‬أخرى‭ ‬غير‭ ‬المواضيع‭ ‬التي‭ ‬تهم‭ ‬العيش‭ ‬اليومي‭. ‬وتستغل‭ ‬هذه‭ ‬الأنظمة‭ ‬الوضع‭ ‬النفسي‭ ‬للمواطن،‭ ‬الذي‭ ‬يكون‭ ‬مستعدا‭ ‬لتصديق‭ ‬ما‭ ‬يقوله‭ ‬النظام‭ ‬عبر‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام،‭ ‬ويتعزز‭ ‬انتشار‭ ‬هذا‭ ‬الأسلوب‭ ‬وقت‭ ‬الأزمات‭.‬

كرة‭ ‬القدم‭ ‬تروض‭ ‬السياسة‭ ‬

فاز‭ ‬المنتخب‭ ‬الجزائري‭ ‬لكرة‭ ‬القدم‭ ‬بكأس‭ ‬إفريقيا‭ ‬سنة‭ ‬2019‭ ‬بأرض‭ ‬الكنانة،‭ ‬اشتعلت‭ ‬الاحتفالات‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬القاهرة‭ ‬ووهران‭ ‬والجزائر‭ ‬العاصمة‭ ‬وباريس‭ ‬وبرلين،‭ ‬لكن‭ ‬كان‭ ‬لافتا‭ ‬حجم‭ ‬وقوة‭ ‬الفرح‭ ‬والاحتفالات‭ ‬التي‭ ‬انطلقت‭ ‬بعفوية‭ ‬بفاس‭ ‬والرباط‭ ‬ووجدة‭ ‬والدار‭ ‬البيضاء‭ ‬ومدن‭ ‬مغربية‭ ‬عديدة،‭ ‬فكان‭ ‬رد‭ ‬التحية‭ ‬بأجمل‭ ‬منها‭ ‬من‭ ‬ميادين‭ ‬الجزائر‭ ‬العاصمة‭ ‬تلمسان‭ ‬وتيزي‭ ‬وزو‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تفور‭ ‬ساعتها‭ ‬بحراك‭ ‬الشباب‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬التغيير،‭ ‬ورفعت‭ ‬شعارات‭ “‬خاوة‭ ‬خاوة‭”‬،‭ ‬ثم‭ ‬ما‭ ‬لبت‭ ‬أن‭ ‬انفلت‭ ‬خيط‭ ‬الاختباء‭ ‬وراء‭ “‬الملحمة‭” ‬من‭ ‬يد‭ ‬صناع‭ ‬القرار‭ ‬الجزائري،‭ ‬وتحولت‭ ‬في‭ ‬لحظات‭ ‬أحاسيس‭ ‬العرفان‭ ‬والتقدير‭ ‬داخل‭ ‬الميادين‭ ‬والساحات‭ ‬الجزائرية‭ ‬من‭ ‬شعب‭ ‬الجزائر‭ ‬لشقيقه‭ ‬الشعب‭ ‬المغربي‭ ‬الى‭ ‬مطالب‭ ‬بفتح‭ ‬الحدود‭ ‬ورفض‭ ‬العداء‭ ‬المجاني‭ ‬لشعب‭ ‬شقيق‭ ‬يقدرونه‭ ‬عاليا‭.‬

بمنطق‭ ‬استغلال‭ ‬الرياضة‭ ‬في‭ ‬السياسة‭ ‬الذي‭ ‬اكتشفه‭ ‬حكام‭ ‬الجزائر‭ ‬متأخرين‭ ‬بعقود‭ ‬عن‭ ‬موسوليني‭ ‬في‭ ‬كأس‭ ‬العالم‭ ‬الشهيرة‭ ‬سنة‭ ‬1934،‭ ‬و‭ ‬هتلر‭ ‬الالعاب‭ ‬الاولمبية‭ ‬لعام‭ ‬1938،‭ ‬حدث‭ ‬السيناريو‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يتوقعه‭ ‬ساسة‭ ‬الجزائر‭ ‬الجديدة‭/‬القديمة،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬الرهان‭ ‬على‭ ‬اخماد‭ ‬هيجان‭ ‬الشارع‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يموج‭ ‬بمطالب‭ ‬حراك‭ ‬يرفع‭ ‬مطلبا‭ ‬وحيدا‭ ‬هو‭ ‬إسقاط‭ ‬النظام،‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬فورة‭ ‬المشاعر‭ ‬الوطنية‭ ‬الصادقة‭ ‬للجزائريين‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تثبيت‭ ‬نظرية‭ ‬العدو‭ ‬الخارجي‭ ‬المتربص‭ ‬بالوطن،‭ ‬فكانت‭ “‬خاوة‭ ‬خاوة‭” ‬عنوانا‭ ‬لنسف‭ ‬هذا‭ ‬الجنون‭.‬

التقطت‭ ‬كبريات‭ ‬المؤسسات‭ ‬الإعلامية‭ ‬العالمية‭ ‬الحدث،‭ ‬وكتبت‭ ‬مانشيتات‭ ‬عريضة‭ ‬عن‭ ‬شعبين‭ ‬منصهرين‭ ‬في‭ ‬الفرح‭ ‬كما‭ ‬الحزن،‭ ‬ونظام‭ ‬جزائري‭ ‬يحاول‭ ‬القفز‭ ‬على‭ ‬حقيقة‭ ‬التاريخ‭ ‬والجغرافيا‭ ‬والمصير‭ ‬المشترك‭


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading