الناقد السينمائي كمال رمزي يرثي نور الدين الصايل

أزول بريس -” عرفته منذ ثلاثة عقود: رجل نحيل، هادئ الانفعالات، شفاف الوجه، تقرأ أحاسيسه بوضوح على ملامحه. بابتسامة صغيرة يعبر عن رضائه وسعادته. بتقطيبة خفيفة بين حاجبيه يتبدى ضيقه واعتراضه. نظارته، دقيقة الزجاج، لا تخفى عينيه اللتين تنطقان بالمعانى قبل الكلمات. لا يتحدث قبل ان تتبلور الفكرة فى عقله تماما، وبالتالى، يصوغ وجهة نظره على نحو محدد.. كانت المناسبة، مناقشة أبحاث «الهوية القومية فى السينما العربية» التى عقدها «مركز دراسات الوحدة العربية» بالتعاون مع «جامعة الأمم المتحدة».
حين تحدث نورالدين الصايل، جعلنا نرى، من خلال التاريخ، آفاقا أبعد من تحليلاتنا، وربما أشمل من التفاصيل التى استغرقتنا. قال: الأفلام المصرية، الوافدة إلى المغرب، فى الثلاثينيات والأربعينيات، بصرف النظر عن مضامينها، كانت «فعلا ثوريا». الاستعمار، عمل على طمس اللغة العربية، بالإضافة لامتهان جسد المغاربة، رجالا ونساء، حتى ان المرأة الفرنسية كان من الممكن ان تخلع ملابسها، على الشاطئ، وترتدى لباس البحر، أمام مغاربة من الرعاة، على أساس أن عيونهم غير بشرية، نظراتها، لا تسبب حرجا.. بينما دأبت المرأة المغربية على إسدال قماشة فوق وجهها، عندما يمر أمامها فرنسى، ذلك انها، غير قابلة للمشاهدة. فى هذه الأجواء، عرضت الأفلام المصرية، أحدثت موجة من الثقة فى الذات، فظهور بدر لاما أو يوسف وهبى، وبهيجة حافظ أو أمينة رزق، على الشاشة، مع نطقهم باللغة العربية، يعنى قدرة الكائن العربى، جسدا ولغة، على الحضور، تماما مثل مستعمرينا.
أعترف: تحليل الصايل المقنع، العميق، الصحيح والمبهر، أصبح من الركائز التى أستند عليها، فى الدفاع عن السينما المصرية.. غالبا، أرجعها إلى صاحبها، وأحيانا، أغفل اسمه، فتبدو منسوبة إلى نفسى، والنفس أمارة بالسوء.
تابعت، باحترام واعجاب، مسيرة نورالدين الصايل، العملية، الفكرية، وهو ينتقل بالسينما المغربية، إنتاجا وثقافة، من نجاح لنجاح، سواء قبل أو مع، شغله منصب مدير المركز السينمائى المغربى.. الصايل، متعدد الاهتمامات، كتب عدة سيناريوهات لأفلام روائية، ربما يكون أهمها «باريس» الذى أخرجه عبدالرحمن التازى 1974.. وفى مجال النقد، حاضر فى النوادى السينمائية التى انتشرت فى المغرب إبان الثمانينيات، فضلا عن تنظيمه لمهرجانات سينمائية، وطول عشر سنوات، من 1973، تولى رئاسة «الجامعة الوطنية للأندية السينمائية»، حيث ساهمت، بفاعلية، فى إطلاق نقاد مغاربة، على قدر كبير من الوعى، يتصدرون الآن، المشهد الثقافى المغربى.
بعد عدة أعوام من عمل الصايل مديرا للقناة الأولى ــ ارتقى بها ــ اسندت له قيادة المركز السينمائى المغربى.. ويمكن ان يقال، من دون مجاملة أو إجحاف، ان السينما المغربية، لم تعد كما كانت قبل «11 سنة»، أى قبل ان يقود سفينتها «الصايل».. كان عدد الأفلام، سنويا، لا يتجاوز ثلاثة أو أربعة أعمال روائية. أصبح الآن، فى آخر مهرجان وطنى يقارب «25» فيلما.. إيرادات شباك التذاكر لا تحقق سوى 3٪ من شباك التذاكر، وغدت الآن تتجاوز 35٪.. وطبعا، ظهر من يهاجم الكم الكبير للأفلام المدعومة، من يقول انه مجرد «تكاثر فطرى أو جرثومى لمخرجين بلا مواهب».. لكن فكرة الصايل وطموحه، يهدف إلى دعم قاعدة صناعية، إبداعية، تجارية، للسينما المغربية، كما الحال فى مصر على سبيل المثال.. هذا، عنده، أجدى من ظهور فيلم واحد، عبقرى، كل عشر سنوات. الصايل يضرب مثلا بالنابغة، سليمان سيسى، الذى فاز بإحدى جوائز «كان»، يلفت نظرنا إلى بلاد تقدم أفلاما بديعة، تتجاهلها مهرجانات دولية أخرى، فأحيانا، نفاجأ بعمل مدهش من كازاخستان، أو كوريا الجنوبية، أو أذربيجان، وتحصل على جوائز رفيعة.
نورالدين الصايل، المولود فى 1948، دارس الفلسفة، المفعم بالنشاط، الصائب التفكير، يترك منصبه فى المركز السينمائى، ليغدو مرجعية موثوقا بها، لن يبخل بعطاياه، على المهرجات التى أخذت تنتشر فى بلادنا العربية. انه، فى جملة أخيرة، خبرة، إخلاص، رؤية تنفذ إلى آفاق بعيدة.”


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading