انتهت أشغال الدورة الثامنة للكونكريس العالمي الأمازيغي المنعقد بتونس ما بين 26 و28 أكتوبر 2018 بالاتفاق على إعطاء الرئاسة لشخصيتين، الجزائرية كاميرا نايت سعيد، الراغبة في ولاية ثانية، والمغربي خالد الزيراري، الفاعل في هذه المنظمة مند 15 سنة. وقد تم الخروج بهذا الحل بعد تشبث كل منهما بترشيحه ورفض كل واحد منهما التنازل للآخر. ورغم غرابة هذا المخرج الذي يتعارض حتى والقانون الأساسي للمنظمة، إلا أنه يعكس من جديد الصعوبات التي يواجهها الأمازيغ في سعيهم للوحدة وهو نتاج تاريخ طويل من التفرقة والذي تعززها الصراعات بين الدول التي تتوزع بلاد الأمازيغ، مما يجعل منظمة الكونكريس العالمي الأمازيغي مند ولادته سنة 1995 مجالا لتفجير هذه الصراعات، وهو ما يعكسه من جديد قبول رئيسين لمنظمة واحدة، ثم العمل فيما بعد لتغيير القانون الأساسي ليتوافق وهذه الوضعية الاستثنائية. وبذلك يضع الكونكريس العالمي الأمازيغي من جديد بذور صراع أخر يصعب تحديد نتائجه لكن يضاف لسلسلة الصراعات التي ميزت تاريخ هذه المنظمة.
فمباشرة بعد تجاوز لحظة التأسيس سنة 1995 بمدينة روبي الفرنسية والتي تحكم فيها حماس اللقاء لأول مرة والرغبة في الوحدة بعد قرون من التفرقة، ما أسهم في تغاضي الطرف عن الصراعات السياسية، فأعطيت الرئاسة بدون خلاف للقبائلي مبروك فركال، الذي كان له دور كبير في التحضير للقاء الأول، سيظهر الصراع في أول مؤتمر انعقد بتافيرا سنة 1997، حيث ظهرت الصراعات بين التيارات التي تخترق هذا التنظيم وبدأت استراتيجيات الدول تطفوا على السطح خاصة بين المغرب والجزائر، الممثلين بأكبر عدد من المؤتمرين واللذان يضمان أكبر عدد من الناطقين بالأمازيغية. وكنتيجة لهذا الصراع انسحب الوفد المغربي بعد فشله في تحديد ممثلين عن المغرب في المجلس الفيدرالي، خاصة بعد صراع ممثلي تاماينوت، حسن ادبلقاسم وأحمد الدغيرني مع أوزين أحرضان ورفاقه. كما كان مناضلو الحركة من أجل استقلال جزر الكناري يسعون من هذا المؤتمر لتحقيق بعد المكاسب في صراعهم مع الدولة الاسبانية. وقد عادت الرئاسة لمناضل من جزر الكناري، لكن سرعان ما استقال من منصبه وعوضه الفرنسي من أصول جزائرية لونيس بلقاسم. وبعد ستنين سينعقد مؤتمر ليون وسيعرف غياب الجمعيات التابعة لاوزين أحرضان وجمعية جزر الكناري، مما دفع مبروك فركال إلى اعتبار المؤتمر غير قانوني ورفع دعوى قضائية ضد الرئيس المنتخب بليون، المغربي رشيد راخا، ثم عرضت القضية على أنظار المحكمة،التي حكمت بشرعية المؤتمر ونظم المنشقون بزعامة فركال مؤتمرهم ببروكسيل البلجيكية سنة 2000 وكان أول وآخر اجتماع لهم. في سنة 2002، انعقد المؤتمر الثالث من جديد بروبي الفرنسية، وانتخب لونيس بلقاسم رئيسا. كانت هذه الولاية هادئة إلى أن نظم المؤتمر الرابع بالناظور المغربية وتم تجديد الثقة في لونيس بلقاسم. لكن أثناء التحضير لانعقاد المؤتمر الخامس سنة 2008 وقع خلاف بين لونيس بلقاسم ورشيد راخا حول مكان انعقاد المؤتمر، بين مكناس المغربية و تيزي ووزو الجزائرية، انتهى بتنظيم مؤتمرين في نفس التوقيت وبدأ الصراع حول من له الشرعية. انتخب مؤتمر مكناس الليبي فتحي بن خليفة واستمر في حمل اسم الكونكريس العالمي الأمازيغي في حين انتهى المطاف بأصدقاء رشيد راخا بتأسيس منضمة عالمية جديدة تحمل اسم “التجمع العالمي الأمازيغي”، وبقيت متشبتة بالإرث التاريخي للكونكريس العالمي الأمازيغي. بعد ثورة الياسمين بتونس سينظم المؤتمر السادس بجربة التونسية حيث تم تجديد الثقة في الليبي فتحي بن خليفة. ويبدوا أن رئاسة مناضل ليبي لهذه المنضمة قد جنبها مؤقتا للصراع بين المغاربة والجزائريين لقيادة هذه المنظمة. أما الدورة السابعة فقد انعقدت بأكادير وعادت الرئاسة للجزائرية كاميرا نايت سعيد، ولم تعرف فترة رئاستها دينامية كبيرة كما تميزت باستقالة أحد أعضاء المجلس الفدرالي. وخلال انعقاد المؤتمر الثامن من جديد بتونس، سيجد الكونكريس العالمي الأمازيغي نفسه من جديد أمام صراع بين المغرب ممثلا في خالد الزيراري وكاميرا نايت سعيد من الجزائر. ففي الوقت الذي سعت فيه كاميرا للحفاظ على الرئاسة رغم تجربتها المتواضعة خلال الولاية السابقة كان خالد الزيراري يعتبر أن من حقه رئاسة هذه المنظمة بعد ما قضى سنين عديدة ناشطا داخل أجهزتها. ويبدوا من خلال هذا الصراع الجديد أن هناك حسابات داخلية مرتبطة بالحركة الأمازيغية داخل كل دولة، تجد تعبيراتها في التنافس حول الرئاسة كما يسجل المتتبعون نوع من قلة الحماس داخل هذه المنظمة ويتجلى في غياب العديد من الوجوه والجمعيات البارزة في حضور أشغال مؤتمر تونس كما أضيفت مشاكل جديدة مرتبطة بصراع الجمعيات التونسية فيما بينها واختلافها حول أهمية هذا التنظيم بخصوص وضعية الأمازيغية في تونس.
إن خروج مؤتمر تونس برأسين لمنظمة واحدة قد يكون ايدانا ببداية صراع آخر بين المغرب والجزائر خاصة وأن القبائليين حاولوا السيطرة على كل شئ في مؤتمر تونس من التنظيم إلى التقديم إلى الهياكل دون أي تفكير لا في الاستراتيجيات الواجب اتباعها ولا في تجديد ميكانيزمات العمل ولا تحديد الأهداف على المدى القريب والمتوسط والبعيد، وظل الصراع فقط على الزعامة، وهو ما ينبئ بتوسيع الشرخ بين مكونات هذا التنظيم العالمي الذي بقي وفيا للصراعات مند ولادته.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.