الكوميدي الأمازيغي “سيفاو”..كم هو صعب أن تضحك سكان الجبال؟ (معه فيديو)
هل من السهل أن تضحك سكان واحاتوتلال وجبال الجنوب الشرقي المغربي ؟ كيف يمكن للكوميديا أن تتطورعندما ينعدم وجود ركح المسرح أومنصات لإلقاء العروض الفنية وفضاءات لصقل المواهب؟ كيف استطاع الفنان أن يبدع وينتج ويسوق أعماله الدراميةفي ظل انعدام المؤسسات الإنتاجية الحاضنة لهذا الفن ؟ كيف تمكن الفنان الكوميدي من إضحاك الناس والدخول إلى قلوب الفلاحين والمزارعين، إلى أي حد نجح في أن يصير مرآة عاكسة لمعاناتهم و همومهم وآمالهم وآلامهم وانكساراتهم ونجاحاتهم؟ هذه أسئلة و أخرى سنحاول أن نبحث عن بعض من عناصر إجاباتها من خلال عرضنا لجانب من جوانب تجربة الفنان الكوميدي يوسف الطالب المسمى فنيا بـ ” سيفاو ”.
انحدرالمبدع سيفاومن قرية تلمي بكسر التاء المتواجدة بجماعة امسمريربإقليم تنغير حيت تنقل بين مجموعة من المدن بحكم طبيعة اشتغال والده التي تفرض ترحالا مستمرا. لعل لهذه الهجرات أثر ايجابي في تكوين شخصية مبدعنا سيفاو، فهو يستطيع تقمص شخصيات مختلفةو لكنات متنوعة وتنويعات لغوية عديدة.” اوحديدو” ببساطة وبما تحمله هذه الكلمة من دلالات وإيحاءات. قبيلة أيتحديدو كانت ولا تزال مدرسة أتحفت الساحة الثقافية الأمازيغية بشعراء كبار . فشخصية أحديدو هو ذاك الإنسان الواعي الفيلسوف والساخروالمتحرر الذي لايخضع بسهولة للعواطف أو التيارات الوافدة . هناك الكثيرمن الحكم التي تنسب لشخصية أحديدو . الفنان سيفاو يحمل بعض هذه الصفات الراقية وقد راكم تجربة مهمة في مجال المسرح سواء من خلال ممارسته لفنون الدراما بأكادير في سنوات الدراسةالجامعيةأو من خلال العروض المسرحية التي أداها و شارك فيها إقليميا ووطنيا .
لعل ما يميز الكوميدي الفنان ” سيفاو ” هو قدرته الفائقة على إتقان الفروع اللغوية الأمازيغية الثلاث- تمازيغت، تشلحيت و تريفيت – ففي بعض الأحيان يستطيع إبرازتفاصيل بعض الفروع اللغوية بل والتنويعات اللهجية لكل فرع، فحينا يقلد لكنة سكان قلعة مكونة أو سكان تنغير أو كولميمة وحينا أخر يحاكي لكنة أهل سوس أو لكنة أهل الريففيبهرك بكوميديا الموقف التي يخلقها عبر نصوصه التي نجد بين طياتها معرفة و رسائل تنم عن تفكير عميق وإعداد مسبق في كتابة النصوص. فتحليله للمواضيع يعري الواقع ويستشرف المستقبل .
“سيفاو” كإنسان ومن خلال جلساتنا معه في بعض اللحظات المنفلتة من الزمن في مقهى الثقافة الأمازيغية و أصدقاؤها الموسوم بمقهى أدرار ” بمدينة اكادير، مقهى سهر على تسييره أحد المناضلين الذي عرف بنكران الذات و دعمه المعنوي والماديلكل الطاقات المبدعة. كان حضور هذا الفنان يشكل قيمة مضافة لكل مجمع يجلس فيه، يأسر القلوب،يخفف من وطأة تكاليف الحياة، استعمالهلمهاراته المسرحية تجعله يستطيع بمجرد تشخيص نكتة قصيرة أن يرسم الابتسامة على وجوه الحاضرين،ابتسامته تجعلك تشتاق للجلوس معه، هو ذلك الفنان الذي يقتنص تفاصيل صغيرة لمشاهد حياتية لا ينتبه لها الإنسان العادي ويجعلها مادة دسمة للسخرية السوداء لاستخلاص الدروس والعبر. يحكي قصص البؤساء و الأغنياءوكل طبقات المجتمع. أكاد أجزم أنه لا يوجد صديق له لم يكن ضحية لمقلب من مقالبه الجميلة. يستثمر الأنماط الشعرية التقليدية في نصوصه من شعر”تمناضينوتماويين إلى إزلان أحيدوس “
طلبنا من الشاعر موحى بن ساين أحد أصدقائه المقربين أن يدلي لنا بشهادة على هذه الطاقة المبدعة فقال بعد ابتسامة تخفي الكثير من الذكريات المشتركة وبعفوية وارتجال: ” سيفاو، كبير في كبريائه وأنفته، في التزاماته،في تيموزغاه، أحلامه تزن الجبال رزانة وشموخا، ذو عزيمة عالية وجلد استثنائي وذكاء ثاقب، شديد الملاحظة. مكارم الأخلاق التي اغترفها من أجداده في أعالي الجنوب الشرقي جعلت منه إنسانا يحظى بالتقدير والاحترام.
فنان متعدد المواهب، عازف ماهر على آلات موسيقية عديدة، ممثل بارع سواء على خشبة المسرح أو في الأعمال الدرامية التلفزيونية، كوميدي موهوب،قدراته كبيرة في التنشيط الفني و الإعلامي…سيفاو كإنسان يتسم بخفة الظل، حسن المعشر، صدق الأحاسيس وعادته أن لايترك الأشياء في زاوية المبهم. لا تفارقه ابتسامة تحمل الكثير من الطيبوبةوالإنسانية. معدن صديقي سيفاو نفيس وناذر يحمل في طياته قلبا كبيرا يمتح من القيم الكونية
إنه ”سيفاو ” الفنان الذي ينتج الجمال بواسطة أعماله الكوميدية الفنية التي ينجزها بشكل واع .في حديث لنا معه حول موضوع الكوميديا بالجنوب الشرقي قال:” الكوميديا أو الفنون الدرامية بأسامر، رغم الإكراهات و الظروف التي لا تساعد على تنمية فنية حقيقية فإن هناك حركية كوميدية في ”أسامر ” حيت ظهر عدة فنانين شاركوا في مواعيد ثقافية وفي قنوات تلفزيونية شرفوا المنطقة أيما تشريف وعبروا عن همومها وواقعها ”. أضاف قائلا : ” إن الطاقات الفنية موجودة،رغم غياب العنصر النّسوي في هذا المجال ، لكن يبقى النقص الحاصل هو التكوين، خاصة التكوين الأكاديمي النظري في مجالالمسرح.فما نقوم به هو فقط ثمرة اجتهاداتناواحتكاكنا بالفنانين الوطنيين بمناطق أخرى في المغرب وتكويننا الذاتي المستمر .في حين تفتقر واحاتنا إلىمؤطرين و أساتذةأكاديميين في مجال المسرح الذي يعد أساسيا في تكوين شخصية الشباب فجيل بدون مسرح ولا ثقافة لا نعتقد أنه يمتلك من المناعة ما يجعله صامدا أمام نوائب الزمان وتقلباته . فهلموا جميعا لننقذ شبابنا بالفن .
بقلم ذ. الفنان عمر ايت سعيد
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.