توفي يوم الأحد 3 دجنبر الجاري محمد منيب، أحد أقطاب الأمازيغية والأمازيغ بسوس، وهو مؤلف كتاب “الظهير البربري أكذوبة”.
الموت مصير كل الأحياء، ولا نحتاج إلى النعي والحزن؛ فالمجد والعز الذي تركه محمد منيب هو العزاء العميق لعائلته الصغيرة زوجته وأولاده وإخوته، والعزاء لنا نحن أصدقاؤه، ونحن المعترفون بجميله وخدماته الجليلة لثقافة الأمازيغ ومشروعهم الثقافي والسياسي.
لقد اشتهر الراحل بكرمه، إذ كان منزله بمدينة أكادير شبه ناد، قليل من جيل الجمعيات الأمازيغية ومثقفيها ونشطائها ممن يعرفونه من لم يكن ضيفا فيه.. تعرفت عليه حوالي سنة 1983 بمناسبة انعقاد إحدى دورات جمعية الجامعة الصيفية بأكادير، وهي أول جمعية أمازيغية منطلقة ومستقرة بمدينة أكادير، وربما بسوس بكامله، هو ومجموعة من نشطاء الأمازيغية بسوس؛ ومنذ تعارفنا وجدت فيه رجلا يواجه أطروحات تيار فقهاء سوس المشهورين التقليديين، والقوميين العرب المتطرفين، بفكر الحداثة والوعي، يفند استنادهم إلى ما يسمونه الظهير البربري، والذوبان في سياسة السلفيين كمنطلق للحركة الوطنية، ومقاومة الاستعمار..
كان الراحل مثقفا جيدا مزدوج اللغة، بالإضافة إلى عمق معرفته بالأمازيغية، وبالفرنسية والعربية، ويستوعب اللائكية والديانات، ويتوفر على مكتبة عصرية؛ كما لا يغيب عن أنشطة الأمازيغ، الثقافية، والتنظيمية، في جميع أنحاء المغرب وخارجه، إلا إذا تعذر عليه الحضور بسبب الشيخوخة، أو المرض، ويساهم بفكره وماله، وقدراته وتجربته السياسية كمتخرج من القلائل الذين تخرجوا من جيله في تخصص العلوم الإدارية، ولديه ذاكرة سياسية تستوعب مناورات السياسيين المغاربة، خاصة في سنوات 1955 وما بعدها؛ وتمكن من رؤية أمور السياسة وأسرارها، ومعايشتها من داخل دهاليز الإدارة وخارجها، وخاصة اللعبة الانتخابية بسوس بوصفه موظفا بعمالة أكادير.
طيلة حياته، وفي أشد سنوات القمع السياسي وإلى حين تقاعده، كان الراحل ذاكرة حية، وأتمنى أن يكون قد ترك مذكراته المكتوبة لتقرأها الأجيال القادمة، ساهم في مؤتمر الأمازيغ بكناريا سنة 1997 مع وفد من خيرة سكان أكادير وكل العالم، وفي تأسيس الجامعة الصيفية بأكادير، وتأسيس الحزب الديمقراطي الأمازيغي المغربي سنة 2005.
وساهم في تكوين مجلس التنسيق بين الجمعيات الأمازيغية سنة 1995، إذ كان رائدا وشجاعا وليبراليا، لا يتهافت مع الانتهازيين على بيع مبادئه كما فعل بعضهم، تعارف مع جيل من نخبة الفرنسيين بأكادير الذين يزورونه بدون تعقيدات المتحجرين، يناهض العنصرية والكراهية ضد اليهود والديانات الأخرى، ما جعله يكون متواصلا مع منوعات شخصيات سوس، من الموظفين والتجار والسياسيين الذين نتمنى ألا ينسوه.
كما كان السي محمد منيب من الناجين من زلزال أكادير الشهير، وكان بيته ملتقى أُطر الجمعيات الأمازيغية من أقطار تامازغا، مثل مجيد تآكلا، وحسن المرجو، وجامع جغايمي، والحسن كاحمو، ومحمد حنداين، وتسعديت ياسين، وجهادي الحسين، ومحد اوفاري، وحسن أوزات .. وكثيرين من الأطباء والفنانين والشباب، وحتى المسؤولين الإداريين…
وهو بمثابة ووزن الدكتور عبد المالك أوسادن بمدينة فاس. وكتب محمد بودهان، وهو معلمة مثقفي أمازيغ الريف مقدمة كتابه عن أكذوبة الظهير البربري. ورفع منيب دعوى إدارية لدى المحكمة الإدارية بالرباط يطلب فيها حذف بعض نصوص الكتب المدرسية التي تتحدث عن الظهير البربري.
ونشر في كتابه بعض الوثائق التي تثبت كذبها؛ كما أنها تحابي بعض شخصيات الحركة الوطنية المنتمية إلى بعض الجهات، وتنشر صورهم وسيرتهم دون جهات أخرى، كالريف وسوس وتافيلالت والصحراء وغيرها؛ وذلك عندما كان الحبيب المالكي وزيرا للتربية والتعليم، وبفضله حذفت بعض نصوص التمييز والعنصرية من بعض دروس التعليم الابتدائي والثانوي بالمغرب، وساعد مجموعة وثيقة الاختيار الأمازيغي (محمد اجعجاع وميمون اغراز وآخرين ) بمكناس على اجتماعهم ونشر وثيقتهم…ولولا ضيق الوقت لذكرنا أكثر مما كتبناه، والعهدة على باقي العارفين الأوفياء في تتمة ما لم نذكره.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.