تعيش الأمازيغية في الآونة الأخيرة ظروفا صعبة قد تعصف بها كما تفعل الرياح بالرمال. فقد تم استنزافها كفرشة الماء في الأطلس. من جهة، يتم إضعافها بقوة القانون مما يعني حرمانها من كل حماية و عناية، و من جهة أخرى، يتم اهمالها تواجه لوحدها ظروفا قاسية في مجال أصبحت فيه وسيلة يستعملها كل من يرغب في الارتقاء. أصبحت الامازيغية للأسف الشديد جسما فقد مناعته، و أضحى عرضة تنال منه جميع ميكروبات الوسط حتى الواهنة منها.
نعم، لم تستفد اللغة الأمازيغية من المدرسة شيئا يذكر.
نعم لم تكن الثقافة الأمازيغية يوما غاية في حد ذاتها في السياسات العمومية بصفة عامة.
و لكن الأمازيغية كانت قوة لها طاقة استطاعت أن تقاوم بها الظروف التي وجدت ضمنها. و الفضل في ذلك يرجع إلى كونها حاضرة لغة أو ثقافة أو هما معا في الأسرة و في المجتمع. كانت القيم الأمازيغية قائمة و راسخة في وعي و لاوعي المغاربة قاطبة، توجه سلوكهم و تنير فكرهم.
غير أنه بسبب التحولات الاجتماعية التي شهدها و يشهدها المجتمع المغربي و بسبب السياسات المتوالية التي جعلت من الأمازيغية تارة عدوا ينبغي إبادته نهائيا كما جاء في سياسة التعريب، أو أداة يمكن استعماها في خدمة أغراض مهمة كما تقوم به السياسة السياحية على سبيل المثال، انتهى المسار بالأمازيغية إلى وضع لا تحسد عليه. فحتى الفن الذي كان بمثابة مصل تقتات به، تحول فجأة مجاله إلى حاوية تفرغ فيه النفايات، مع قليل من الاستثناءات بالطبع.
سوف لن أتحدث عن النسيج وعن كفاءة المرأة الأمازيغية (و الرجل الأمازيغي أيضا في بعض المناطق) في الرسم و التشكيل و مزج الألوان . لما كانت الأمازيغية تساهم في بناء الفكر و الحضارة عبر أقطار العالم، ألم يكن النسيج الأمازيغي و الزبية بالخصوص أصل الفن التجريدي؟
سأحاول الحديث عن الشعر و الغناء و سوف أقدم رأيي فيهما بوضوح تام و بغير مزايدات. أعرف جيدا أن البعض من القراء الكرام سيجدون في مقالي ما يشفي غليلهم، و أن البعض الآخر قد يستغرب مما كتبته، و لكن السير معا إلى الأمام يتطلب منا النقاش بصدق و الحوار باحترام ، فأهلا بكل الآراء و مرحبا بكل وجهات نظر.
لقد أصبح الشعر كلاما لا بنية فيه و لا وزن! و لا شكل فيه و لا معنى! أصبح الصوت و نبراته كل شيء في القصيدة، أصبح اللباس الموحد ركنا أساسيا في الشعر يتقدم على قرضه.
أجل، اللباس و الصوت يدخلان في خانة الشكل و يجب توفرهما لأن الأداء في وقتنا الحالي يتطلب ذلك، لكنهما غير كافيين لأن يكون الشخص شاعرا. فالمعطف لا يجعل من الشخص طبيبا.
أين تلك العبارات التي تخرج من شفتي الشاعر كما تخرج الرصاصات من فواهة البندقية؟
أين تلك الصور الشعرية التي تسافر بالمستمعين و المتفرجين خارج أمكنة تواجدهم؟
أين تلك النصائح و القيم التي يمد بها الشاعر جمهوره من خلال قصائده و انتاجاته؟
رحم الله بوعزى نموسى و محمد ؤعاشور و حمو ؤالغازي و غيرهم ممن كانوا يصورون الواقع و يقرؤون الأحداث و يتنبؤون بما قد تأتي به الأيام.
أما الغناء، فحدث و لا حرج. فقد وصل إلى الحضيض للأسف.
نعم يعيش الفنان الأمازيغي و الفنانة الأمازيغية ظروفا صعبة. و لكن، هل يشفع هذا بذلك؟
الوجه الجميل ليس معيارا، و الشكل الجذاب ليس مقياسا . للغناء و الطرب مرجعيات و قواعد أخرى ينبغي أخذها بعين الاعتبار بل يجب اعتمادها بالضرورة.
أين تلك الأصوات الجهورية التي تهتز لها قمم الجبال إن دويّت ؟
أين تلك الحناجر التي تنافس الرعد في قوته ؟
أين تلك النبرات التي ترتعش لها الأبدان إن سُمعت؟
رحم الله يامنة نعزيز و لحسن أزايي و موحى ؤوموزون وغيرهم ممن كانوا يمتعون محبيهم و يحترمونهم، و متع حادة ؤوعكي و غيرها من الفنانات و الفنانين الأحياء بصحة جيدة و أطال في عمرهم.
هل أوكلت إلى الأمازيغ مهمة قتل الأمازيغية؟
هل يعرف هؤلاء، “الشعراء” و “المطربون ” و”العازفون” و “الملحنون” و من يسير في فلكهم، أنهم بصنعهم هذا يؤذون الأمازيغية و يسيئون إلى هوية شرّفت أجدادهم و تشرف أحفادهم؟
هل وصلت ” الشجاعة” ببعض الأمازيغيات و الأمازيغ إلى محاكاة بعض المفصليات التي تقتات على ذات أمها لتعيش؟
يقول المثل الأمازيغي
ⵉⵏⵏⴰ ⵙ ⵓⵎⵊⵊⵓⴹ ⵉⴷⴷⴰ ⴷ ⵓⵢⴰ ⵖⵔ ⵙ ⴰⵍⵍⵏ !
الغازي لكبير
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.