كشفت الأزمة التي خلقها وباء كوفيد 19،قصورا في القوانين و التشريعات لوطنية والدولية ، ومما لاشك في أنه منه من الضروري أن يتولى القانون حفظ حقوق الناس وأعراضهم وحماية اموالهم وحرياتهم الأساسية تحت أي ظرف كان ، كي لا يضطر الناس إلى الاستبداد والظلم وإشاعة الفوضى . لهذا سارعت العديد من البلدان لمنح صلاحيات في اطار دساتيرها لسلطتها التنفيدية للتشريع واخراج مراسيم قوانين في إطار حالة الطوارئ الصحية ، دون أن تخرج هذه القوانين عن الحدود
المرسومة دستوريا وان لا تمس بحقوق الانسان وحرياته الا فيما يضمن الامن الصحي العام اعملا لمبدأ الحق المشروط .
ولاشك أن دور العمل الأمني والشرطي، يمتد إلى أبعد من ضبط الجريمة ، ليشمل كيان الدولة وما تلحقه من تبعات ذات أبعاد سياسية واجتماعية واقتصادية ، فبقدر ما يكون لهذا الدور مؤثر إيجابي في المجال السياسي ،الا أنه في المجال الاجتماعي معني بتحقيق الانضباط في السلوك الفردي والجماعي وخصوصاً أثناء التجمعات والمسيرات والاحتجاجات .
كما لا يخفى علينا أننا اليوم ، نعاني من مشكلات مزمنة في ذلك، كالزيادة المستمرة في عدد السكان وهذا يتطلب تجويد و تزويد العمل الشرطي والأمني بالميكانيزمات الضرورية للإشتغال، كما انه في المجال الاقتصادي معني بإيجاد مناخ أمني مستقر لتحقيق التنمية، وذلك بحماية المنشآت الحساسة والمرافق العامة ، ومكافحة الجرائم الاقتصادية التي تؤثر على الاقتصاد الوطني لذلك ، نحن أمام مهمات تتجدد كل يوم وهذه المهمات بتشعبها تدفع بالعمل الشرطي الأمني ، إلى تحقيق الغايات في استخدام سلطاته الممنوحة والمحددة قانونا ، للتغلب على صور الإخلال بالأمن العام و التي تصطدم أحيانا بالحقوق الفردية والجماعية وتعوق مختلف الحريات المكفولة دستوريا .
هنا نتساءل عن مدى حدود مهمات العمل الامني والشرطي وما تقوم به مختلف مؤسساته وأجهزته ، من إجراءات يترتب عليها انتقاص في حرية الأفراد كما هو الحال في ضل حالة الطوارئ الصحية .
فالقاعدة تقول أن كل ما لم يجزه المشرع من الإجراءات يعتبر غير مشروع ، لذلك فإن مخالفة الأوامر والحدود تستوجب بطلان الإجراء . غير أن هناك مبادئ وقواعد متفقاً عليها ويجب احترامها دوماً سواء نُص عليها أو لم ينص عليها قانون تنظيمي او حتى مرسوم بمتابة قانون ، والتي تقضي بتجريم كل إجراء تعسفي مشوب بالشطط في استعمال السلطة كإجراءات تتنافى مع احقوق الإنسان ، والاحترام الواجب لكرامة الأفراد على أساس انها تعلو في شأنها طبقا للعهد الدولي لحقوق الانسان مع كل قانون ،
كما أنه لا يجوز للدولة حتى في الطوارئ العامة أن تقوم بمساسها . من هنا ترسم حدود فهم العمل الامني والشرطي والعملين فيه وتحديد مهماتهم بما يكفل الابتعاد عن كل مايمس بحقوق وحريات الافراد ، كالتعذيب مادياً مثل الضرب والإيذاء أو معنوياً كإذلال النفس وإيذاء الأقارب، و كل فعل يمس بالكرامة الإنسانية و يعد انتهاكاً خطيراً لحقوق الأفراد وحرياتهم الأساسية كما نصت عليها القوانين الدولية و الأنظمة الداخلية لكل بلدان العالم ، رغم ما نشهده من تفاوتات في تفعيل الأنظمة و القوانين المعمول بها في ضبط عمل الاجهزة المكلفة بنفاذ القانون .
غير أنه إذا كان المطلوب من جميع مؤسسات الدولة ، تشريعية وتنفيذية وقضائية ، إحترام حقوق الإنسان وصونها والدفاع عنها وتوفير الضمانات الكفيلة برعايتها، فإن الأجهزة الأمنية والشرطية مطلوب منها نفس الدور ، ولكن بدرجة يقضة أكبر ، كون هذه الأجهزة تقوم بموجب القانون أو بدونه في العديد من البلدان بأعمال قسرية تنطوي على الشدة والصرامة في تطبيق ونفاذ القانون ،بل ويتم أحيانا استعمالها القوة و بشكل مفرط حسب حالات التدخل .
كما تقوم الأجهزة الأمنية والشرطية ببعض الإجراءات الماسة بالحرية الشخصية مثل القبض والتفتيش والاستجواب وانتزاع الاعترافات ولو انها في معظم البلدان تكون خاضعة لمراقبة النيابة العامة ، اللهم ما قد كان خاضعا واستثناء لمراقبة السلطات القضائية العسكرية والحربية أو لأجهزة امن الدولة الداخلي او الخارحي كما هو الحال في جرائم التجسس والارهاب والمس بأمن الدولة عموما .
ومن جهة أخرى فإن هذه الأجهزة الأمنية المختلفة ، تكون في مواجهة مباشرة مع الأفراد سواء بشكل جماعي ، مثل التظاهرات أو الاحتجاجات و الاعتصامات أو المسيرات السلمية أو بشكل فردي من خلال مراجعة الأفراد لمراكز الشرطة كمشتكين أو مشتكى بهم أو شهود، هذه المواجهة تفرض على الدولة وأجهزتها الأمنية والشرطية إحترام حقوق الأفراد وحرياتهم الأساسية.
من هنا تعتبر هذه أجهزة الأمن والشرطة ، من أهم الآليات الوطنية التي يتوجب عليها احترام حقوق الإنسان خصوصا في هذه الفترة التي تشهد تنامي ظاهرة التظاهرات والاحتجاجات والإعتصامات السلمية بسبب تردي الاوضاع الاقتصادية والإجتماعية في العديد من بلدان العالم بسبب تداعيات أزمة كورونا .
ذلك أنه لا يقتصر هذا الأمر على صعيد كل دولة على حدة، بل أن المجتمع الدولي تنبه بأسره إلى أهمية دور الشرطة في حماية حقوق الإنسان.
ويعتبر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 34/169 الصادر في 17 ديسمبر/كانون الأول 1979 المصدر والأساس لذلك من خلال إقراره مدونة قواعد وسلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين .
هذه المدونة التي ليست معاهدة أو اتفاقية بل هي صك من الصكوك التي تتضمن توجيهات للحكومات والهيئات في مسائل ذات علاقة بحقوق الإنسان والعدالة الجنائية والتي طرحت مجموعة من المبادئ التي تحكم العمل الشرطة والأمني في مجال حقوق الإنسان.
ذ/الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.