العزل.. إغتيال أيضا
أزول بريس – يوسف الغريب //
وأنا أتابع ما جاء بين ثنايا البيان الأخير للباحث المغربي الأستاذ سعيد ناشد أثار انتباهي قدرة التحمل والمقاومة لضوابط ومساطر إدارية من جهة.. وبين خيانة الجسد ووهنه من جهة ثانية..
لكن ما أدهشني أكثر أنّه في خضمّ هذه الأجواء المحبطة والنافرة والمستفزة.. يسجل لأستاذنا حضورا قويّاً من حيث الإصدارات وتميّزاً نوعيّاً من خلال هذا الحس النقدي الذي قرأ به النص الديني والتركيز أساساً على العقيدة التي أعتبرها في جل إصداراته الجانب الأهمّ في الإسلام وهو بهذا المعنى والمنحى أيضاً يجد نفسه على النقيض تماماً مع الفكر الأصولي الذي قلب الآية وصار الهم الأكبر عندهم هو كثرة الكلام على الشريعة وما تحمل من انسجام وتناغم مع المزاج الأصولي.. وما تمثل العقيدة من البُعد التحرّري للتوحيد الرّبوبي،
هذا هو الإختلاف الجوهري بين الباحث والأستاذ سعيد ناشد وما تحمله اجتهاداته الفكرية من تنوير داخل الفكر الديني من جهة.. وايضا من تهديد لمشروع أصولي إخوانيّ يدّعون أصحابه أنّهم هم الدّين، ويُنصبون أنفسهم حرّاسه…
لا غرابة إذن أن يتعرّض أستاذنا لما تعرّض إليه من مضايقات وتهديدات عبر تفعيل مساطر إدارية بالكثير من الإجحاف والتسلط.. بلغت درجة العزل من الوظيفة المهنية كآخر رصاصة تتغيّأ بالدرجة الأولى إغتيال مشروع مفكر ومجدّد..في الحقل الديني..
ولا مفاجئة أيضاً في هذا الاغتيال الرمزي لأستاذ الفلسفة.. وآذاننا ما زالت ترنّ بداخلها ( المغرب ليس في حاجة إلى الفلسفة.. هكذا) في معرض. خطاب لرئيس الحكومة السابق السيد بنكيران أمام جموع مواليها.. ولن ننسى أيضا الفقيه أحمد الريسوني مهاجما صرح الفكر الفلسفي صارخا:
“الفلسفة مادة دراسية لنشر الإلحاد!”
فالسلطة السياسية عودتنا على رفضها للفلسة باعتبارها فكرا نقديا تحرريا من كل أشكال الطغيان و الاستبداد و الظلم الذي تنهجه كل السلطات السياسية التي تجد في الدين ظالتها.
فإذا كان البراديغم الظلامي مسيجا بسياج دوغمائي يؤمن بالافكار الجاهزة و يتخذها عقيدة ثابتة يقينية لا يمكن الشك فيها،فإن سياق عزل الأستاذ سعيد ناشد وبما يحمل مشروعه من فكر نقدي ليس من باب الصدفة، و إنما هو عن نية و قصد يجد أصوله في التاريخ الاسود للسلطة السياسية و الدينية من خلال تعاطيها مع الفكر الفلسفي و مهاجمته بشتى الاشكال الهجومية..
فيكفي أن نتذكر من داخل الثقافة العربية الاسلامية بنكبة ابن رشد و محنة ابن حنبل، و ما لحق بالفرابي و ابن سينا و الحلاج و بعض المفكرين اللاحقين كالمهدي عامل و فرج فوذة و حسين مروة و قس على ذلك من الفلاسفة و المفكرين الذين تعرضوا للاضطهاد و التعذيب و التكفير.. حد تصفيات جسدية..
فالفكر الظلامي فكر لا يعترف بنقيضه و لا يؤمن بالتعدد والاختلاف..
لكن لا يمكن أيضا أن ننسحب من هذه المعركة الفكرية.. لأننا بذلك نكون قد تنكرنا لتاريخ بلدنا الذي ناصر الفلسفة وآوى الفلاسفة يوم طردوا من المشرق.. فنحن أصحاب كتاب “تهافت التهافت”… والذي يمتدّ في المسيرة التي عرفها الفكر الفلسفي في المغرب بفضل أسماء عديدة ساهمت في إثراء التأليف الفلسفي وانفتاح الثقافة المغربية على مدارس وتيارات فلسفية جديدة، مما ساعد على بناء حوار فلسفي حقيقي داخل الفكر المغربي. يعود الفضل فيه إلى الأدوار الريادية التي لعبها فكر عبدالله العروي وأعمال محمد عابد الجابري وأبحاث طه عبدالرحمن وغيرهم.. وليس آخرهم الباحث المجدد الأستاذ سعيد ناشد الذي لن يموت جوعاً..
لأنّه يكتب..
وهي ما يبقى حين ينتهي الظلام..
التعليقات مغلقة.