العالم إلى أين ؟
محمد لحميسة
لست أول من يطرح السؤال فقد سبقني إليه العديد من المفكرين والفلاسفة والمثقفين ، بل ويمكن القول أن التساؤل حول المصير أو الما بعد يصاحب كل فعل مُفَكَّر فيه اي كل فعل واعي يفترض أن الزمن والتاريخ يمر في خط مستقيم من الحالة A الى حالة أخرى قد تكون B او غيرها ، الأهم هو ذلك المنحى التطوري (الى الأمام ) الذي لايعرف الاستقرار والسكون .
قلت أن مفكرين كثر طرحوا السؤال إلى أين يخطوا التاريخ (العالم) ؟ غير أن السياقات تختلف باختلاف البراديغمات المعرفية التي يخضع لها كل متساءل . ماركس على سبيل المثال تحدث عن الجانب الاقتصادي المرتبط بتطور وسائل وعلاقات الإنتاج ، وبالعلاقة الجدلية بين البناء التحتي والأخر الفوقي ، مما سيجعل العالم يخطوا من المشاعية البدائية إلى المرحلة الشيوعية مرورا بمراحل أخرى منها الرأسمالية .
غير أن ماركس والأخرون ممن كتبوا عن تطور العالم ومآله (منهم هنري مورغان / اوغست كونط ..) كان حديثهم عن سؤال المابعد في شكل تطوري محض (متأثر بعض الشيء بالنموذج الدارويني ) وله سياقه الخاص مرتبط أساسا بالمعرفة والعلم ، لا موت فيه ولا أسلحة نووية ولا قصف …
فعندما أطرح السؤال إلى أين ؟ فأنا أستحضر لا شعوريا المنافسة والصراع التاريخي بين روسيا و الولايات المتحدة الأمريكية منذ أيام الاتحاد السوفياتي والحرب الباردة .
لا يمكننا أن ننسى التاريخ ، لأننا بذلك نكون ضحاياه ، فيمكر بنا (هيجل وفكرة مكر التاريخ ) ، فبوتين نفسه صرح من قبل بأن سقوط الاتحاد السوفياتي أعظم كارثة جيوسياسية ، بمعنى آخر فالرجل لا يستصيغ فكرة القطب الواحد والهيمنة الأمريكية سياسيا واقتصاديا وحتى ثقافيا الأن مع تغول العولمة والتكنولوجيا والاعلام وبالتالي الوصول إلى ماتحدث عنه فوكوياما عن نهاية التاريخ بسيطرة النموذج الغربي الأمريكي القائم على الليبرالية والرأسمالية .
فهذه الأفكار لا تعجب بوتين وحلفاؤه ، كما يرفض أن يكون القوة الثانية أو الثالثة في ساحة التوازنات الدولية ، وأظن أن غزو أوكرانيا تعبير حاد وصريح عن هذا الرفض ، وإرادة لتأكيد القوة والنفوذ الدولي ومحاولة لإعادة إحياء أمجاد روسيا (العظيمة) من خلال نموذجها السوفياتي .
وان كانت هذه الحرب يعتبرها البعض فعل استباقي روسي للحيلولة دون انضمام اوكرانيا لحلف الناتو ، إلا أن لهذه الحرب أبعادا أخرى تاريخية أكثر تحاول استعادة وتعزيز مكانتها في المنتظم الدولي .
وكما يبدوا فإن هذا التصعيد العسكري لن يمر كراما ، ويمكن القول أن الحلقة الأخيرة من هذه الحرب ستكون بداية لعهد جديد لا نعلم ماهيته ، وهناك مؤشرات تحاول القول أن هذا العهد الجديد من الممكن ان يكون نفسه النهاية مع توفر أسلحة وقنابل مدمرة لم تستعمل بعد يقول الخبراء أن استعمالها يعني شيء واحد . نهاية التاريخ والزمن والعالم .
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.