يبدو ان السياسة الخارجية للمملكة المغربية في اتجاه الانفتاح على القارة الافريقية وتوسيع اوجه التعاون بين المملكة وعدد كبير من البلدان الافريقية في عدد متنوع من المجالات منها الاقتصادية والسياسية والدينية ، بدأت تعطي ثمارها، منذ الزيارات الملكية المتكررة للقارة الافريقية ومنها الزيارة التاريخية لبداية سنة 2014 ،التي شملت عدد كبير من البلدان الافريقية . واصبح المغرب اكثر تحركا وتجاوبا مع نبض شعوب القارة الافريقية واكثر انغماسا في الشؤون الافريقية ، عكس سياسة المملكة المغربية فيما مضى حيث تضع كل بيضها في سلة الغرب وامريكا واقتصر اهتمامها على توفيق السياسة الخارجية المغربية مع نغمات موسيقى الأوروبيين والأمريكان .
انعطافة الديبلوماسية الملكية اتجاه افريقيا كانت مدروسة وموفقة الى حد بعيد، حيث استطاعت المملكة المغربية في فترة وجيزة ، ان تقنع دول كثيرة وكبيرة كنيجيريا والكامرون بالتفكير في قطع علاقتها مع البوليساريو كمرحلة اولى في اتجاه تطبيع العلاقات المغربية مع هذين البلدين الإفريقيين الكبيرين اقتصاديا وسياسيا. لكن ثمة تساؤلات تطرح عن اسباب عودة الدفء في العلاقات المغربية الافريقية وعزم المملكة المغربية العودة الى الحضن الافريقي بعد غياب اضطراري دام عقود من الزمان ، وهل العودة المغربية الى الاحضان الافريقية اختيار استراتيجي للمملكة او توجه تكتيكي الهدف منه فقط، إضعاف القيادة الجديدة للبوليساريو واستغلال فرصة التفكك السياسي الذي خلفه تعيين ابراهيم غالي على راس قيادة البوليساريو ؟
في نظري المتواضع ، انخرط المغرب بشكل طوعي وجدي في توحيد الصوت الافريقي والانخراط الفعال في القضايا الافريقية انطلاقا ،من دراسة المعطيات السياسية والاقتصادية والجيوسياسية الدولية الراهنة والتي تعتبر افريقيا هي المتنفس الاقتصادي الدولي مستقبلا والقارة التي تتوفر على امكانيات اقتصادية وبشرية هائلة، تصلح ان تقود الاقتصاد العالمي المتهالك. فافريقيا تتوفر على سوق بشري استهلاكي هائل، يتجاوز المليار نسمة وسيصل 2 مليار نسمة في حدود سنة 2050 ، لكن امام افريقيا تحديات كبيرة ورهانات صعبة يجب تجاوزها ان ارادت منافسة القارة العجوز منها : العمل الجاد والسريع على دمقرطة انظمتها والقضاء على الفساد المالي والاداري المستشري فيها ، ومحاربة الارهاب والتناحرات الطائفية ، وان تنحاز الى هموم شعوبها وتستأصل الحروب والفتن التي يشعلها المستعمرون القدامى والمتربصون الجدد بمقدرات القارة الافريقية من ماس وذهب … ، قصد تأبيد سيطرتهم عليها. فالصراع الامريكي الصيني الروسي اليوم يتمحور على افريقيا وعلى الاسواق والاستثمار بافريقيا مما يجعل افريقيا محور الصراعات الدولية مستقبلا بعدما استنزفت منطقة الشرق الاوسط ، لايجب ان ننسى كذلك بان افريقيا هي المنطقة الوحيدة في العالم التي يتطور نموها الاقتصادي بشكل تصاعدي منذ سنة 2010 ويقارب الان معدل نمو 7في المئة ، افريقيا اذا قارة واعدة امام الاستثمار العالمي، فقد استقطبت سنة 2013 وحدها 56 مليار دولار من الاستثمارات الدولية والتبادلات التجارية تجاوزت سنة 2012 1200 مليار دولار، مقابل 600 مليار دولار سنة 2005 وتعتبر الصين المستفيد الاول اليوم ،في افريقيا من المبادلات التجارية بقيمة 200 مليار دولار ، لذلك فالقراءة الاقتصادية حاضر ة بقوة في التوجه المغربي الجديد نحو افريقيا، حيث ان المغرب يسعى لرفع نسبة مبادلاته التجارية مع افريقيا التي لم تتجاوز السنة الماضية 4 مليار دولار ، فبادر المغرب الى التفكير في خلق مناطق التبادل الحر مع عدة دول افريقية وسارع الى الغاء ديون دول افريقية عديدة وساهم في بناء عدد من البنيات التحتية في عدد كبير من الدول الافريقية لتسهيل المبادلات التجارية واستصمر في قطاع الاتصالات والطرق ، وراكم اتفاقيات تجارية واقتصادية مهمة مع اكثر من 19 بلد افريقي في مقدمتهم السنغال وليس اخرهم التشاد والكوت ديفوار
سياسيا المغرب كان متواجد دائما في قلب النقاش السياسي الافريقي منذ سنة 1957 ،عند قام المغفور له محمد الخامس بجمع القادة الافارقة المستقلة بلدانهم حديثا ، في مؤتمر اكرا وتلتها قمة الدارالبيضاء مابين 4 و7 يناير 1961 التي اعتمدت ميثاق الدارالبيضاء الذي تطرق الى دعم الحركات الاستقلالية في افريقيا ومساعدة الدول المستقلة حديثا وكان بمثابة الارضية التأسيسية لمنظمة الوحدة الافريقية التي تم تأسيسها سنة 1963 قبل ان تتحول الى اسم جديد الاتحاد الافريقي، لكن سنة 1984 ، وفي خطوة سياسية خاطئة من قبل قيادة منظمة الوحدة الافريقية ، تم الاعتراف بكيان وهمي هو جمهورية البوليساريو في خرق سافر للميثاق المنظم لمنظمة الوحدة الترابية ، وانسحب المغرب بعد ذلك احتجاجا على خرق ميثاق المنظمة، لكنه حرص دائما على تطوير الوحدة الافريقية والتعاون جنوب جنوب وحافظ على علاقات ديبلوماسية مهمة مع دول مؤثرة في القارة الافريقية.
المغرب اليوم في عهد محمد السادس يتمتع بتوازن اقتصادي واستقرار سياسي يؤهلانه للعودة الى افريقيا من البوابة الاقتصادية ومن البوابة الامنية ، حيث ان المجهودات التي يلعبها المغرب في سبيل الحفاظ على امن وسلامة منطقة العبور بين الساحل الافريقي المثخم بالجماعات الارهابية وبين القارة الاوروبية المستهدفة الاولى عالميا، من قبل الجماعات الارهابية ،التي تحفل بها القارة الافريقية كبوكو حرام بنيجيريا وانصار الشريعة وعصبة الاسلام وجماعات ارهابية اخرى متنقلة بين البلدان ، جعلت المغرب يحظى باحترام دولي متزايد ، هذا الموقع يجعل المغرب في موقع استراتيجي هام لا محيد عنه في التوازات الاقليمية، وفي حفظ الامن الاقليمي امام تقهقر الجار الجزائري، الذي يعيش ظروف سياسية واقتصادية صعبة أثرت على دوره الاقليمي والدولي ، وانعكس ذلك بشكل ظاهر وجلي على تراجع مساعدته للبوليساريو التي باتت تعيش بداية النهاية، بعد تواتر الدول الافريقية الرافضة للسياسة الجزائرية في تمزيق الوحدة الافريقية ، توالت عمليات سحب الاعتراف بالبوليساريو والبحث عن شراكة استراتيجية مع المغرب ، خصوصا وان القيادة الحالية للبوليساريو عاجزة عن اختراق المنظمات الدولية الفاعلة ، وخطابها الانفصالي لم يعد مغريا للعديد من دول العالم واصبحت مصداقية قيادتها في المحك بعدما لطخت سمعتها دوليا بتهم الفساد وممارسة التعذيب ، وقيادتها الحالية ، متهمة دوليا ومحليا بسرقة المساعدات الاجنبية والتلاعب بساكني المخيمات امام رفضها المطبق الانصياع للقرارات الاممية التي تطالبها بالقيام باحصاء عاجل للمحتجزين لديها. المغرب سيعود حتما الى افريقيا وستعرف العلاقات المغربية الافريقية تطورا مطردا سينهي احلام البوليساريو بصفة نهائية، لان اسباب وجودها وتطورها ونماء أطروحتها، تنحسر يوم بعد يوم، وبات المغرب قوة اقليمية صاعدة، رغم الاكراهات والمناورات والتحديات الداخلية والخارجية التي لن تسمح ابدا بمغرب ديموقراطي مزدهر ومستقل في تحالفاته وقراراته الاستراتيجية.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.