بالرغم من أن الشمس بدأت تقترب إلينا أكثر منتصف نهار هذا اليوم بساحة المشور بتزنيت فذاك لم يمنع منّا غرزة الفضول الصحفي الباحث عن تفاصيل دقيقة داخل كواليس إعداد أكبر تظاهرة تراثية فرجوية متجدرة داخل المخيال الشعبي الأمازيغي واحد معالم مدينة تزنيت والجنوب المغربي عموما..
تحت إسم ( إمعشارن)… وبداية العتبة للدخول إلى ما قبل الإنطلاقة مساء هذا اليوم… نحن الآن في ( تگمي إمعشارن) اي منزل إمعشارن.. مكان الإعداد وملتقى للرواد والمشاركين ونقطة توزيع المهام والادوار بين مختلف اللجن والتنظيمات.. تخترق الدرج بتأنّ وصمت تفادياً لإزعاج هذه الأيادي المهرة التي تصارع الوقت والحرارة والوجبات الإطعامية من أجل كسب رهان الإنطلاقة على الساعة السابعة من مساء هذا اليوم..
هي بيوت تحولت إلى اوراش خياطين صباغين حدادة تزيين.. تواصل الصعود نحو سطح المنزل تستقبلك مسجمات عملاقة لاهم الشخصيات المحورية داخل المنظومة التعبيرية لتظاهرة إمعشارن.. كالحزان اليهودي.. وعايشور والأمة او الخادمة.. وغيرها من رموز أخرى.. زيادة عن مختلف الأقنعة بتصاميم مبهرة وجذابة إن على مستوى التشكيل او اللون لتعرف ان السّر في ذلك يعود إلى الإدارة الفنية للاستاذة والفنانة التشكيلية ( هنا راتي طالب) الذي استنتجت من خلال دردشة عابرة هذا الارتياح بكسب التحدي وإخراج التظاهرة في مدة وجيزة..
تغادر هذا الورش وانت على مسافة خمس ساعات عن موعد الإنطلاقة تساءلت مع نفسي وكيف يستطيعون إنزال هذه المجسمات الكبرى من أعلى الطابق الثاني..
لم استيقظ من سذاجتي الا بعد أو ولجت إحدى المدارس بساحة المشور والشمس على المغيب وراء هذه الجماهير التي اصطفت بكثافة منتظرة فتح الأبواب للطلائع الأولى من مهرجان كرنفال.. الذي جاب شوارع المدينة مرورا بزنقة المستشفى.. شارع سيدي عبد الرحمان نحو ساحة الإستقبال والمنصة الحاضنة للعروض الفرجوية الإمعشارية..
ثلاث ساعات متواصلة وبايقاعات متداخلة بين ماهو محلي جهوي ووطني قاري إفريقي
ساعات من ألوان وأشكال وتعبيرات مسرحية حكواتية تفاعل معها ساكنة تزنيت وزوارها من الأجانب ومغاربة العالم..
هي بداية فقرات الدورة الثانية عشرة من مهرجان إمعشارن إلى غاية يوم الخميس المقبل ليختم بالسهرة الفنية الكبرى.. وتكون بذلك جمعية أسمون للأعمال الإجتماعية والثقافية والمحافظة على التراث الإطار الجمعوي الحاضن للتظاهرة منذ تأسيسها قد استأنفتُ ريادتها بهذه الدورة 12 بعد أزمة كورونا وانعكاساتها السلبية على مختلف مناحي الحياة.. وفي هذا الصدد يقول الاستاذ اضوحان رئيس الجمعية.. بأن الرهان اليوم هو الترافع من أجل تسجيل وتصنيف الفرجة الإمعشارية كتراث وطني في أفق الرهان على عالميته.
والحقيقة ان كل من تابع تظاهرة اليوم سيلامس هذا العمق الإبداعي بمضمون المغرب املتنوع والمتعدد إثنيّاً وعقائديّا وهوياتيّاً واذا ربطنا ذلك بتزنيت مدينة الحسن الأول ومهد الامبراطورية المغربية وعمقها الإفريقي نحو الأندلس.. إضافة إلى طابعها العمراني المتميز.. لا شك أن كل هذه المعطيات والحقائق التاريخية ستدفع بالمسؤولية الترابيين بالمدينة والجهة على مأسسة إدراة هذه التظاهرة بشراكة مع المجتمع المدني والإعلامي بغية تقوية ملف الترافع امام الجهات المعنية بالتراث اللامادي ببلادنا..
فإذا كانت الجمعية اليوم مشكورة قد أعادت الحياة للفرجة الإمعشارية بعد توقف لمدة سنتين.. فقد آن الأوان للتفكير جليّاً في تثمين وتطوير هذه التظاهرة كعلامة هوياتية لمدينة تزنيت التاريخية.. كرافعة ثقافية وبوصلة سياحية ورمز من رموز مغربنا المتعدد والمتنوع في وحدته من الشمال إلى الجنوب.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.