إعداد سعيد الهياق//
وضعية حالة الطوارئ بكل تداعياتها السلبية مع الأضرار الإجتماعية المترتبة عن الحجر الصحي لم تمنع أن الإنسان أن يتصالح الإنسان مع نفسه أولاً ثم مع محيطه الاجتماعي. و مع الدكتور فهمي بوشعيب في سؤال: ما هي قراءتكم لثقافة التضامن الاجتماعي في ظل حالة الطوارئ الصحية..؟
” الفرد مدعو للمبادرة إلى التضامن مع غيره سواء كان هذا التضامن اختياريا في الأحوال العادية ،التي تسود فيها الطمأنينة و الاستقرار، أو خلال الأوضاع غير العادية التي تتميز بالإضطراب والأزمات. و إذا كان الإنسان يختار أن يتضامن مع غيره و يبادر إلى فعل الخير و تقديم العون والمساعدة لمن يحتاج إليها ،حيث يبدع الآليات المناسبة لذلك سواء تم هذا التضامن في إطار مبادرات فردية مباشرة تمتد إلى مكمن الخصاص أو في إطار مبادرات جماعية تتم في إطار التعاون والتكاثف في إطار جمعيات المجتمع المدني التي عزز دستور سنة 2011 دورها الريادي من خلال الفصل 12، الذي حث الدولة و الجماعات الترابية على إشراك الجمعيات و المنظمات غير الحكومية التي تهدف إلى النفع العام في إعداد البرامج التي تهدف إلى التنمية المجالية.
ومن جهة أخرى قد يكون التضامن مفروضا وضروريا يفرض بموجب القوانين والأنظمة المعمول بها من أجل محاصرة الآثار السلبية التي تحدثها بعض الآفات و الكوارث الطبيعية وفق المبدأ الأساسي الراسخ في الدساتير المعاصرة المتعلق بالتحمل بالتكاليف العامة التي يحدد القانون كيفية توزيعها بشكل عادل بين جميع المواطنين .
و إذا كان التضامن الفردي المباشر المبني على المبادرة الشخصية للإنسان تجاه من يحتاج إلى المساعدة يجد تفسيره في الشعور الوجداني لكل فرد في أن يتضامن مع غيره و يخفف عنه الشعور بالفاقة والاحتياج المستمد من التعاليم الدينية ،التي تجعل من مسؤولية الإنسان أن ينتبه إلى من هو محتاج في محيطه ،و أن يعمل على دعمه طلباً للثواب و الأجر في الدار الآخرة. و قد كانت
الشريعة الإسلامية سباقة إلى الحث على التعاون و التعاضد بين أفراد المجتمع و إشاعة الخير و النفع العام. فطالما هناك تعاون فهناك حياة طيبة تنزع للأسباب التنافر والصراع بين الفقراء والأغنياء.
إذن ماهو مرتكز إلزام الفرد بالتضامن الإجباري للتخفيف من الآثار السلبية للكوارث والآفات والتي نخص منها بالذكر الأزمات الصحية التي تهدد استقرار العديد من البلدان التي ظلت تعد من بين اقوى الأمم اقتصاديا وتكنولوجيا؟؟؟.
لتفسير هذا الأمر لابد أن نرجع قليلا الى الوراء لتحديد البناء النظري لعلاقة الدولة بالمواطن و كيف تحول الميثاق الاجتماعي الذي أسست له النظريات التقليدية في القرن الثامن عشر مع طوماس هوبز و جون لوك وإمانويل كانط وجان جاك روسو و التي أطرت فكرة الإرادة العامة ، وشكلت اساس التضامن الجماعي المفروض على كل الأفراد للخروج من ويلات العدالة الخاصة المرتكزة على دافع الغريزة ،وعليه فإن قصور اتجاه إرادة جميع المواطنين لفعل أمر ما و لو كان فيه الخير للكل جعل من الاتفاق الجماعي على تخويل الدولة ككيان معنوي الحلول محل الإرادات الفردية لضمان تمتع كل شرائح المجتمع بالخدمات الاجتماعية و مأسستها
و أبعادها عن التوظيف السياسي الأيديولوجيا.
وقد عرفت أسس هذه النظرية نقدا واسعا للآليات اشتغال نظرية العقد الاجتماعي و مخرجاتها من طرف رموز النظرية الماركسية بداية من النصف الاخير من القرن التاسع عشر من حيث أن أسس بناء كيان الدولة وفق التوافق بين أفراد لجعل الإرادة العامة تعلو الإرادة الخاصة ،وتخويل ما يسمى “الدولة “Etat صلاحيات عامة للحلول محل الأفراد في فرض القوانين التي تجبر الكل على الانصياع لها مدعومة بحق الاحتكار القانوني لاستعمال القوة . و إن هذه الأسس ساهمت بشكل كبير في تحكم الطبقة البورجوازية في مصير بقية الطبقات و إفراغ نظرية العقد الاجتماعي من محتواها و دفعت بشكل كبير طبقات عريضة من المجتمعات آنذاك تحت تأثير أفكار الفلسفة الماركسية إلى التدافع و الصراع. و بالتالي انهيار النموذج التضامني الذي بشرت به فلسفة عصر الأنوار. و قد عملت الفلسفة الماركسية بعدها كل الجهد لتقويض هذا النموذج التضامني الذي قالت إنه مدخل لتحكم آليات النظام الرأسمالي في بنيات المجتمع. و ذلك من خلال تقديس النزعة الفردية و المفارقة فيها. و جعلها اساس المبادرة الاقتصادية و تغليفها بإعلان الحقوق الاساسية للمواطن. لكن هل أصاب طرح الماركسية في نفي الطابع الإنساني على نموذج التضامن
المرتبط ببنية المجتمع الرأسمالي؟؟
رغم حدة الانتقادات التي وجهت لهذا النموذج فإنه افاد كثيرا في تجاوز النقائص التي شابت علاقة الدولة بالفرد من خلال القدرة على مأسسة التضامن و تعميمه على كل طبقات المجتمع. فأكبر هدية قدمها فلاسفة الماركسية للنظام الرسمالي هو تحليل عيوب هذا النظام من جوانبه الاجتماعية و اكتسب مناعة ذاتية لتجاوز الأزمات الدورية التي تنتج غالبا عن ضعف الطابع التضامني لسد الخصاص في الرعاية الاجتماعية والتغطية الصحية للفقراء الذين تلفضهم آليات الإنتاج المملوكة للشركات الراسمالية. و لذلك رغم الأزمات المتعاقبة استطاع هذا النظام أن ينهض من جديد، و أن يؤسس الآليات الكفيلة باصباغ الطابع الاجتماعي. في مقابل النموذج التضامني الذي قدمته النظرية الماركسية الذي يقو على الاستجابة لمتطلبات الاجتماعية الملحة و فشل في ترسيخ الآليات المستجدة. و كانت هذه التجربة أكثر قساوة على الشعوب التي عقدت آملها في خلاص مزعوم من البنيات الاجتماعية للنظام الرسمالي.
وبالتالي يحق لنا طرح سؤال يتعلق بمدى قدرة النظام التضامني الحالي بالدول المتقدمة في مواجهة الآفة الصحية المتعلقة بانتشار فيروس كوفيد 19 الفتاك ؟ وماذا تبقى لهذه الدول التي تحاول محاصرة انتشاره في سياق الدعوات التي تسحب الثقة من هذه الدول و اتهامات بالتضحية بحق الأشخاص المسنين في الحياة بدعوى ثقل التكلفة الاجتماعية للعناية بهذه الشريحة من المجتمع.”
التعليقات مغلقة.