إعداد سعيد الهياق//
نعيش اليوم ظاهرة وبائية دولية لم يشهد لها العالم أثر منذ قرون بكل تداعياتها الأليمة. و التي ذهب ضحيتها إلى حدود يوم 8 ماي 2020، أكثر من 300 ألف ضحية و أكثر من ثلاثة ملايين مصاب بمرض فيروس كورونا المستجد-كوفيد 19.
و للمؤرخ المغربي قراءة لهذا الوضع الاجتماعي و مع الدكتور و الباحث في التاريخ في حوار عن بعد: ما هي رؤية المؤرخ لتداعيات كورونا بكل أبعادها السوسيولوجية و الأنثربولوجية؟
” عُرِف عن المؤرخ أنه آخر من يكتب عن الظواهر الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية وغيرها…؛ أي حين تأتي مرحلة وصف الأحداث، وتحليل المعطيات، و استخراج الخلاصات فهذا، قبل كل شيء، جزء من مهامه. وأنا في هذا المقام لن أشذ عن هذه القاعدة، لأنه في منظوري الشخصي قد اتضحت الأمور بالفعل، كما عرفت الأحداث، وظهر معدن المجتمع المغربي في خضم هذه المحنة الإنسانية و المعاناة من فيروس كورونا المستجد كوفيد 19. و استخلصت الخلاصات، وبدت أنها فقط، تأكيد للخصوصية المغربية التي عرفت عبر العصور. فقد عرف المغربي بقدرته على مواجهة تحديات اقتصادية و سياسية و وبائية خطيرة. ويكفي الرجوع إلى المصادر مثلا (الناصري،الاستقصاء، السوسي، المعسول) و المراجع التاريخية (البزاز، الأوبئة و المجاعات بالمغرب،Bernard Rosenberger et Hamid Triki, “Famines et épidémies au Maroc au XVIème et XVIIème siècle,”) للتأكد من ما أومانا إليه. فقد عانى المغاربة من الجوائح والجماعات التي كانت تضرب بشكل دوري، وتأتي على نسب كبيرة من الموارد و تسبب أزمات ديموغرافية، و تجاوزوها في ظروف قاسية، فكيف بمغرب القرن الواحد والعشرين قرن المؤسسات و الأجهزة العصرية و المواصلات و الاتصالات الحديثة أن يتجاوز هذه الأزمة ؟
لن أتعمق كثيرا في التحليل لأن هدفي ليس مقالة متخصصة و إنما أهدف إلى مخاطبة وجدان المغاربة و الشد على أيديهم و استشراف غد مشرق بمعيتهم، و هذا من بين المسؤوليات المنوطة بالمثقف العضوي الذي يعد جزأ لا يتجزأ من المجتمع الذي يحيى فيه.
لقد لاحظ المغاربة بالفعل، التدابير الاستباقية التي اتخذتها المصالح المعنية لمواجهة تفشي الوباء، خاصة المخزن المركزي أو المحلي في عرف المؤرخين أو السلطات المركزية و الجهوية و الإقليمية و المحلية بالاصطلاح المعاصر. كما شهدوا على السياسة الاحترازية بإغلاق الحدود والحجر الصحي، وهي إجراءات تنم عن وعي تام بخطورة الموقف، عكس دول توصف بالمتقدمة، لكن رد فعلها كان أبطأ قليلا، ما نتج عنه نتائج وخيمة. و تنم هذه الإجراءات أيضا، عن تفضيل للشعب، في زمن يعد الرأس المال البشري أغلى الثروات. وتشي هذه الإجراءات أخيرا وليس آخرا، عن ثقة السلطات في الاقتصاد الوطني الذي سيتحمل هذه الهزة القاسية و تبعاتها الارتدادية.
ومن بين الظواهر اللافتة النظر في زمن كورونا، ظاهرة التكافل الاجتماعي بين مكونات المجتمع، و هنا أيضا، نهل المغاربة من تاريخهم العريق، عادات وتقاليد الفوها “كمعونة” المخزن التي اتخذت أشكال أكثر حداثة، أي المساهمة في صندوق كورونا بمبادرة من عاهل البلاد، أو كبادرة “القفة” اي مسألة الإطعام التي تكفلت بها تاريخيا مؤسسات أهمها “الزوايا”، و أنيطت مهمتها اليوم بجمعيات المجتمع المدني، و اتخذت أشكالا تكافلية، بعيدة عن أي بعد سياسي أو مصالح ذاتية.
إن النظر بإيجابية لهذه الإجراءات، وهي حسن التدبير و الحكامة الجيدة و استثمار التكنولوجيا ( التعليم عن بعد، الإدارة الرقمية…) لا يعني أبدا غض الطرف عن المشاكل، ولا يعني تثبيط الهمم، وعدم رفع التحديات المستقبلية، خاصة في قطاعات التعليم و الصحة و الاقتصاد.
لقد أصبحنا بالفعل نتحدث عن مرحلة ما بعد كورونا، كشأن أغلب دول المعمورة، و صار المغاربة يتطلعون لغد مشرق، لاسيما في واقع اقتصادي عالمي لا يضمن العيش لغير الأقوياء، إلا أن الرؤى الاستراتيجية المسطرة، و أبرزها الجهوية المتقدمة و النموذج التنموي الجديد و المرحلة الثالثة من مبادرة التنمية البشرية، وتقوي الجبهة الداخلية ملكا وحكومة و شعبا، قمين بطمأنة المغاربة و تبشيرهم بآفاق رحبة.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.