الدراسة الأولى: أزان للي يوگين ئمنسي.. الطفل الذي رفض تناول عشاءه ( أكلة البطاطس)
دراسات في موضوع الادب الحكائي الامازيغي
أزول بريس – ذ. الحسن زهور //
يزخر الادب الحكائي الامازيغي بالكثير من الحكايات التعليمية والتربوية الموجهة للطفل في سن معينة(بحكم ان بعض الحكايات تروى لمتلقيها حسب أعمارهم).
حكايات تعليمية تروم تعليم الطفل المغربي كفايات وتعلمات مرتبطة إما بواقعه الطبيعي (كأن تعلمه بعض القوانين الطبيعية على شكل احداث سردية حكائية) أو مرتبطة بواقعه الاجتماعي( كأن تعلمه مبادئ العلاقات الاجتماعية .. )، أو مرتبطة بطرق و اساليب التعلم نفسها( كأن تعتمد الحكاية على هدف أساسي هو تمرين الطفل على عملية التذكر كما في حكاية ” الذئب و الرعاة” المدونة في كتابي ” عيشة مي ييغد” الصادر سنة 2010 من طرف المعهد الملكي للثقافة الامازيغية)…
و لكل حكاية هدفها التعليمي والتربوي الخاص بها، وهذا النوع من الحكايات التعليمية الخاصة بالطفل دون السابعة اوالثامنة من عمره، تبنى وفق انساق محددة معروفة. من بين هذه الانساق ما يتم الربط بين عناصره او متتالياته الحكائية برباط محدد وفق الهدف التعليمي المرتجى، حيث يشترك فيه كل عنصر مع العنصر الذي يليه بخاصية محددة، كأن ينبني الرابط على خاصية سبب و نتيجة، او على خاصية التضاد الطبيعي (مثل: الفأر/ القط. الماء/ النار…)، او على خاصية رباط طبيعي اي ربط نوع طبيعي بنوع آخر مرتبط به كأن نربط البرسيم بالماء, او ربط عنصرين بعلاقة وظيفية(مثل: الكلب والراعي)… او ربط كل مناسبة اجتماعية بما يناسبها( تحية او تهنئة او تعزية…).
ويزخر الادب الحكائي الامازيغي بهذا النوع السردي الحكائي الذي يسير فيه الحكي على نسق حكائي يعتمد على متتاليات حكائية تعتمد على تقابلات خاصية من هذه الخاصيات السابقة…
وغالبا ما يرد هذا النمط السردي في الحكايات الأمازيغية الموجهة للأطفال ما دون السابعة.
فمن النماذج التي يربط فيها الحكي العناصر الحكائية برابط الضدية، هي حكاية ” أزان للي يوگين ئمنسي” اي الطفل الذي رفض تناول عشاءه. هذه الحكاية هي حكاية امازيغية من منطقة القبايل دونها جوزيف غيڤيير Josephe Riviere سنة 1882 بعنوان ” le petit enfant” في كتابه” contes populaires kabylie de djarjoura ” 1882.
و منه نقلها احمد بوكماخ و غير عنوانها الى ” أكلة البطاطس” وجعلها نصا للتدريس في تلاوة ” اقرأ” مستوى الابتدائي الأول في الستينات و السبعينات من القرن الماضي.
النسق الحكائي لهذه الحكاية الأمازيغية يعتمد على التضاد الموجود في الطبيعة ، فأهداف الحكاية تعليم الطفل ضمنيا :
– ان الطبيعة تعتمد على قانون التوازن المبني على الاضداد أي أن لكل شيء ضده.
– سيرورة الطبيعة تعتمد على هذا القانون.
– كل خلل في هذا القانون يؤدي الى التفكك.
فهذه الحكاية كما دونها جوزيف لاغيفييغ Josephe Riviere هي كالتالي:
ام تطلب من ولدها تناول عشاءه~رفض.
الام تطلب من العصا ضرب الولد~ رفض.
الام تطلب من النار احراق العصا~ رفض
الام تطلب من الماء اطفاء النار~ رفض
الام تطلب من البقرة شرب الماء~ رفض
الام تطلب من السكين ذبح البقرة~ رفض.
الام تطلب من الحداد كسر السكين~ رفض.
الام تطلب من الحبل شنق الجزار~ رفض
الام تطلب من الفأر قرض الحبل~ رفض
الام تطلب من القط اكل الفأر~ يستجيب
( الحكاية بهذا الشكل لن تنتهي لذلك لا بد من العودة إلى قانون الطبيعة وهي التوازن المبني على التضاد ).
القط يستجيب لطلب الأم مستعدا لأكل الفأر، وهذا بدوره يستجيب لطلب الام لقرض الحبل مخافة أن يؤكل، الحبل بدوره يستجيب مخافة أن يقرض….الى ان تصل الحكاية الى المتتالية الحكائية الأولى التي انطلقت منها الحكاية، فترجع الامور الى طبيعتها المعتادة، فيأكل الولد عشاءه.
فالطبيعة تسير وفق ناموسها الازلي، التضاد بين الشيء وضده هو قانون الحياة، عبرت عنه الحكاية الأمازيغية بطريقتها الحكائية الفنية، الشيء الذي يعكس غنى وقراءة ادبنا الحكائي المغربي.
كثيرة هي الحكايات الأمازيغية التي حيكت وفق هذا النسق الحكائي الذي صيغت وفقه الحكاية الذي ذكرنا، منها مثلا حكاية: ” تافقيرت د ئكرو نس” اي العجوز وجديها” و سنتطرق اليها فيما بعد.
( في الحلقة الثانية سأتناول: لماذا انتهى الحكي الى القط ليرجع الأحداث إلى مسارها وفق القانون الطبيعي؟ ).
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.