الحمار الأخضر’’ أو الكذبة الجميلة: هل يا ترى في الكذب ما هو فن وخيال وأدب ؟

بقلم الفنان عمر أيت سعيد//

هو شيخ طاعن في السن، وجهه مليء بالتجاعيد التي تحكي حكايات كثيرة، تنم عن جغرافية الألم والموافق التي عاشها ”باحدو” في حياته المليئة بالأحداث والمغامرات. ”باحدو” كان من عمال موغا، خدم فرنسا بل وحارب الى جانبها في حربها العالمية ، ساهم في بناء شوارع  مدينة باريز يعرفها وتعرفه، ساهم في بناء سكك القطارات والترامواي كان لا يتقن الا لغته الأمازيغية وكان يتذكر الشوارع بفضل ملصقات الإشهار واللافتات والاعلانات وكلما سقط المطر، كان يفقد باحدو مراجعه لكون الملصقات تتبلل فيضطر الى إعادة اعتماد ملصقات أخرى لكي لا يتلف الطريق من جديد .

وعندما أحيل باحدو على التقاعد رجع الى بلدته في أعماق وتخوم الجبال، جبال الأطلس الكبير بالجنوب الشرقي حيت تستقبلك الشمس بحضنها والورود بعبقها ،عندما عاد باحدو الى البلد، كان يحس أن شبابه تركه خلفه، وأن عضلاته أصبحت مهترئة وأن حياته وهبها لآرومين أي للأجانب فالأمازيغ يلقبون الأجانب بتسمية إرومين نسبة الى الرومان لأن للأمازيغ حكاية صراع وحروب مع الرومان لم تنمحي من الذاكرة الجماعية وإن تغيرت خرائط وتسميات العالم الحديث . المهم عندما عاد باحدو الى البلدة أخدت منه فرنسا  كل شيء الا الذكريات الجميلة التي كان يحكيها صباح مساء على مسامع الشباب والنساء في البلدة وحينما أحس ان هناك أذانا صاغية تسمع له و تحن عليه قرر ان يزيد من صبيب خياله وحكاياته ويطورها حتى أفقدها واقعيتها وأصبحت أقرب للخيال منها للواقع .

يستمتع باحدو بسرد ماضيه المزخرف والمزين ليثبت ويزكي أمجاده وقوته في شبابه لكن الشباب أصبحوا متأكدين انه يخرف ويكذب ويخلط الأمور في متونه وحكاياته المتهورة والبعيدة عن الحقيقة …

ولعل من حكاياته الغريبة والتي شاءت الأقدار أن نحضر لسماعها ذات مساء في مناسبة عرس أحد الاصدقاء ، حينما دفعه أحد الشبان للتحدث فقال له كيف يحلو لنا العرس والفرح وبا حدو لم يخبرنا عن حكايته مع الحمار الأخضر ، ففتح شهية باحدو للكلام فقال : هيا صلوا على رسول الله ، قلنا عليه الصلاة والسلام

فقال:” إبان سنوات الهجرة الى فرنسا وبالضبط سنوات موغا كنت أشتغل في البناء وكنت مرسما في إحدى الورشات واستمتع بأوقاتي أجول واصول في المغرب وفي فرنسا كيف اشاء. وفي أحد الأيام انتابتني فكرة عجيبة الا وهي ان أرافق حمارا أخضر الى فرنسا …بينما كان با حدو يحكي وإذا بأحد الشبان كاد ان يضيع لنا فرصة السفر مع حكاية باحدو الغريبة – فصفعه أحد اصدقائي بلطف قائلا له أصمت دعنا نستمتع – فأتم با حدو.. كنت حضرت حقيبة الحمار وأخدت تأشيرة سفره على الطائرة ولكون الأجانب يحترمون الحمير والحيوان كثيرا عكسنا تماما فإني لم اجد أي صعوبة في الإعداد لترحيله، ليكون أنيسا لي في فرنسا لكي أجوب به ”باريز” واستمتع ببرج ”إفيل” وأنا ممتطى صهوة حماري الأخضر. كل الترتيبات تمت آنذاك بدقة، فقد خصص طاقم الطائرة مكانا خاصا بالحمار باحترام شديد فطارت الطائرة في السماء وبقربي الحمار الأخضر يبدو سعيدا ،كان يطل على النافذة لأنه يعشق الأرض وبعد برهة من الزمن وبينما الطائرة تدخل في قلب السماء إذا بالحمار ينهق ويمعن النظر في الأرض يرى البحر الكبير فأعتقد أن البحر ربيع وكلأ فجأة طار من النافذة وحاولت منعه وجره وردعه لكنه أفلت من يدي وترك صفائحه في يدي ، (رحمه الله) فضاعت رحلته وسقط في الماء غريقا ولم يبقى لي من ذكرياته الا هذه التأشيرة التي تركها لي كعربون محبة بيني وبينه …”

 فجأة انفجر صمت الغرفة الى ضحك وقهقهات تكاد لا تنقطع ، كيف ولا وفي الكذب ما قد يكون أدبا وخيالا.  با حدو لم يضحك  ابدا لأنه أصبح  يصدق أكاذيبه ويفتخر بها .


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading