يعتبر هذا السؤال من أهم الأسئلة الذي أخذ الكثير من تفكير الحركة الأمازيغية في المغرب إلى حد التعب التنظيري والإقتراحي، ومع ذلك لم يقدم له الفاعلين الأمازيغيين إجابة واضحة المعالم، وبشكل فعال دون الوحدات الأخرى ضمن خطابها وممارستها، أخذين مثلا بعين الإعتبار وضع الحركة الأمازيغية في البلدان الأخرى كالجزائر التي شهدت نجاحات أو لنقل قطعت أشواطا مهمة في إرساء قواعد البناء التنظيمي والإيديولوجي منذ عشرات السنين.
وذلك عكس المسار الذي اتخذته الحركة الأمازيغية في المغرب التي غالبا ما كان يطغى على مبادرات تناولها لهذا السؤال الطابع الفوقي إن لم أقل “النخبوي” وأحيانا “الإنتهازي” في تأسيس لعمل أمازيغي مشترك تحدوه الرغبة في العمل والإصرار على إرساء ركائز العمل الجماعي الأمازيغي البناء والمسؤول.
وغياب إجابة شافية مقنعة ومتوافق عليها عن هذا السؤال “السيزيفي” المتعب عند الحركة الأمازيغية تولدت عنه مجموعة من الحالات السلبية في ممارسة الفعل الأمازيغي ولا يمكن أن نصفها إلا ب “الشاذة” في الممارسة الأمازيغية، وبعيدة كل البعد عن الخطاب الأمازيغي والفهم المقدم للقضية في شموليتها.
مما يستلزم ويجب ان يتدارك اليوم الجدوى من التنظيم ودوره الرئيسي في التأطير والتوجيه وضبط الفاعلين، والذي في غيابه يتولد ضمنيا التشتت في العمل وغياب التقاطع في المواقف (لدرجة تضاربها في بعض الأحيان) وبروز حالات الصراع الداخلي بدل ثقافة تدبير الإختلاف. وتكريس حالة التسيب في المنطلقات والفهم دون الأخذ في الحسبان والإحتكام لركائز العمل الأمازيغي ومبادئه الكبرى.
وهكذا يتم ضياع المجهودات دون الوصول إلى تحقيق أبسط الأهداف الممكنة، وفي هذا يمكن أن نقول، بأنه مهما كان العمل ومهما قدم من تضحيات لا أعتقد أنها ستعطي أكلها ومبتغاها في غياب عمل منظم هادف وفعال وفق إستراتيجية وأليات واضحة المعالم.
وأعتقد كذلك أن المانع الأساسي في عدم الوصول لجواب شافي عن السؤال التنظيمي وما يصاحب من خلافات، لا يتعلق أبدا، باختلاف التصورات السياسية التي تزخر بها الحركة الأمازيغية بقدر ما يتعلق بالإختلاف على مستوى الفهم والتقييم والأجرأة وغياب ثقافة تدبير الإختلاف الإيجابي والبناء لهذه التصورات التي تعتبر قوة الحركة الأمازيغية بتنوعها وليس العكس. ولتحقيق هذا الهدف الإستراتيجي لا بد منا العمل على القطع مع العقليات الهدامة القديمة-الجديدة التي أطرت وما زالت للأسف تأطر الممارسة السياسية الأمازيغية، العقلية التي غالبا ما تفكر بمنطق “الأنا الإمبريالي” أو “الأنا الإيديولوجيا الضيقة” التي تستحضر دائما في عملها الأنانية الزعماتية والنضالية وشخصنة المبادرات الأمازيغية من الإقتراح والتحكم والتوجيه، مما يكون مصيرها محكوم غالبا بالفشل، تنيجة غياب ثقافة الوعي الجمعي الجماعي المشترك ينصت ويأخذ بكل الأراء ويأطر بتعاقد تنظيمي مشترك ذات أرضية فكرية واضحة تحدوها التواقف والإنسجام التام.
وعند حديثنا عن التنظيم، لا يجب أن يفهم منه، العمل على بلقنة العمل الأمازيغي في قالب تنظيمي واحد وأوحد، بل ضرورة بناء تنظيمات وتنسيقات الكل من موقعه ووفق آلياته ومن ثم التكتل في جبهة أمازيغية موحدة تعمل وقف إستراتيجات واضحة المعالم على المدى القريب والمتوسط والبعيد لتحقيق الممكن بدل المستحيل، ولإذكاء الوعي الأمازيغي وفق المبدأ التحرري الذي يؤطر الحركة والخطاب الأمازيغي، خطاب تحرري شامل، وحدة الخطاب وتنوع إستراتيجيات العمل. تحرر تنظيمي من أي وصاية خطابية أو إيديولوجية تتنافى والخطاب الأمازيغي وأسسه ومبادئه… هذا من أجل خلق تراكم كمي وكيفي يهدف إلى تحريك وتغيير ما لم تستطيع أن تغيره المقاربات السياسية الفاشلة التي تتماهى مع الخطاب الرسمي المخزني المقدم للقضية الأمازيغية وحقوق الشعب الأمازيغي.
وخطاب التماهي مع “ايديولوجية المركز” تاريخيا وفي جميع التجارب السياسية العالمية لم يكن ذا شأن يوما في لعب أدوار التغيير المنشود، بل كان هدفه، حتى في البناء التنظيمي، التقرب إلى السلطة من أجل الإستفادة من كعكتها. لذلك فبناء التنظيم عند الحركة الأمازيغية لا يجب أن يعول على من يذهب ويتبنى المقاربات الرسمية للأمازيغية، فهؤلاء أصلا ليس من مصلحتهم بناء تنظيم أو تنظيمات أمازيغية قوية في الشارع السياسي، بل مصلحتهم في غياب التنظيم أمازيغي متوافق ومتعاقد عليه وفق ضوابط المسؤولية الداخلية والمحاسبة لأنهم يقدمون أنفسهم للمخزن ك “ممثلين للحركة الأمازيغية” لان بكل بساطة هم يستفدون من وضع التشرذم لذلك ليسوا مع بناء تنظيم أمازيغي قوي ومشترك يعبر عن الهموم الحقيقية للشعب الأمازيغي وحقوقه اللغوية والسياسية والثقافية والإقتصادية.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.