تنويه
هذه المقالة مستقاة من كتاب تناول بالدرس والتحليل جمالية الفن عند الإمام عبد السلام ياسين، وهو في انتظار الطبع.
تمهيد
تحاول هذه الفقرات تلمس جملة العوامل التي أثرت في بناء الجزء الشاعري من شخصية الإمام عبد السلام ياسين، بيد أن بين يدي ذلك تبرز لنا أسئلة مهمة:
هل الصفة الشعرية هي المهيمنة في شخصية عبد السلام ياسين؟ أم أنها فقط جزء من ماهية شخصية متداخلة الأبعاد متعددة الجوانب؟ ثم هل هو شاعر أصلا حتى نجرأ فندعي أنه يمتلك تصورا للشعر؟ أي يمتلك رؤية للشعر! هل نمدحه حين نصفه بالشعرية أم نقزم ونحد من حدود انطلاقته هو العاشق للحرية بلا حدود؟ هل الإمام شاعر أديب بالمعنى الذائع للشاعر والفنان والأديب؟ هل هو ناقد متفحص بالمعنى النقدي للكلمة؟ هو ذا وليس ذاك، وقد يكون فيه بعض من ذا وشيء من ذاك، ولكن طبيعة المشروع التغييري الذي يعرضه -بسطا للنظر ومسلكا للعمل-يجعلنا نطرح ونؤكد أنه لا يمكن حشر الرجل في زاوية تخصص دقيقة بمعنى ما إلا عندما يكون التخصص آلية من آليات البناء: بناء المشروع وحامل المشروع وغاية المشروع.
عوامل النشأة الحياتية:
لقد تضافرت عوامل شتى لتبني وتصوغ الشخصية الرجل، والشخصية المربي، والشخصية العالم، والشخصية المجاهد، ولتنصهر هذه العناصر المختلفة في بوتقة واحدة أسهم كل عنصر فيها في بناء الجانب الشعري في هذه الشخصية؛ فنحن أمام شخصية متنوعة المشارب، متعددة الجوانب، نموذج الشخصيات الجامعة الموسوعية، ولعل اطلاعنا على مؤلفاته تكشف عن جوانب متعددة من هذه الموسوعية التي ترينا في شخصيته السياسي، اللغوي، المؤرخ، الفقيه، المنظر، العالم، المثقف، المعلم المربي، والشاعر الأديب المشارك.
ولن يخفى على أي حال أن الجانب الشعري له حضور مهم في شخصيته المتكاملة، وإذا كان للإبداع الأدبي الشعري حضوره في مصنفات الإمام من خلال “الشذرات” و”القطوف” و”المنظومة الوعظية” التي عرضت لمقدمة طويلة يمكن أن تعد تنظيرا لجمالية الأدب من وجهة إسلامية جامعة بين البلاغ القرآني والبيان النبوي. فإن الذي يقرأ مكتوبات الإمام يجد أثر الإبداع الجمالي الفني ليس في ما يورده فقط من نصوص شعرية أو نثرية حسب المقام، وإنما في ما تختزنه نصوصه من أساليب بلاغية وبيانية غنية بالاستعمالات البلاغية المتعددة من مجاز واستعارة وتورية وكناية وتشبيه وإيجاز وإطناب. ناهيك عن خصائص أسلوبية هي “نسيج وحدها، مزيج من بين نفحات من طيب كتاب الله المبين، وقبسات من نور حديث سيد المرسلين، ورشحات من معين حكمة السابقين الأولين، وشذرات من بيان المبدعين المحسنين”. ولعل أهم العوامل التي أثرت في بناء شخصيته عامة والجانب الشعري والأدبي فيها خاصة ما يلي:
ظروف النشأة الأسرية المريرة بسبب اضطهاد المخزن للأسرة الشريفة لأيت بيهي السوسية؛
النشأة بالبادية المغربية وأثرها في توثيق الطابع الفطري والطبيعي، يقول:” كان لاتصالي بالبادية وعيشي قريبا من الحيوان والنبات والإنسان الفطري أبلغ الأثر في حياتي”؛
أثر التلقي العلمي عن المختار السوسي وتلامذته بمراكش خاصة في مجال حفظ القرآن الكريم وتعلم اللغة العربية، وهذا كان له كبير أثر في تفتح شاعريته، يقول في هذا الصدد: “إن العربية التي تلقيناها من أساتذتنا في مدرسة المختار السوسي رحمه الله جعلت بعضنا وأنا كنت منهم من التمكن في اللغة، بحيث كنت أقرض الشعر قرضا جيدا وأنا في الثانية عشرة”. لنسجل هنا انبثاق شاعرية مبكرة، وبروز ملامح إبداع شعري وقريض منذ الصغر، وانظر إلى الوصف “قرضا جيدا”. ومع اللغة العربية نسجل أثر السلوك القيمي الأخلاقي المركز على سمتي الاستقامة والصلاح في مدرسة المختار السوسي وما سيفعله من توجيه للذائقة وللموقف وللسلوك؛
التعليم الديني في معهد ابن يوسف مع انتقاده الشديد لعتاقة التعليم هناك وجموده؛
الظروف العامة التي تلت الحرب العالمية الثانية، وما كان لها من بالغ الأثر في الانفتاح على الثقافة العامة عبر المجلات والكتب؛
المسار النضالي العام الذي خاضه ضد ظلم النظام الحاكم في المغرب، وما لاقاه من عنت بسبب السجن والاعتقال والحصار الطويل؛
المسار الدعوي الكبير في التربية والاحتضان والتعليم والتفكير والتخطيط والتنظير والصبر والمصابرة على تنشئة أجيال كثيرة من الشباب المسلم في سياق الصحوة الإسلامية المغربية والعالمية.
اجتمع في هذا المسار التعليمي، التربوي، الجهادي، النضالي الدعوي كل العوامل التي يمكن أن ينشأ عن تضافرها وتداخلها وتكاملها وتفاعلاتها الحياتية ما يقوي هذه الجوانب التي تجعل من المرء رقيق الإحساس، رفيع الذوق، مستعدا للإحساس بالجمال والإبداع، فهي على هذا من عوامل صناعة الشعر في ذات الإمام.
وعلى العموم فإنه لا يمكن فهم “الخطاب” الشعري معناه ومبناه ووظائفه عند الإمام عبد السلام ياسين إلا بربطه بـأربعة عناصر أساسية: هناك هذا المسار العام لحياته بين الظروف الذاتية والموضوعية، ووقع ظروف النشأة وحياة الجهاد في بناء الجانب الشعري في الشخصية. ثم المصادر المرجعية الثقافية والفكرية التي شكلت وعيه وخطابه، وأثرها على شاعرية الإبداع الفني عنده. وكذا معنى الكتابة في المشروع المجتمعي العام للإمام، أو ما يمكن تسميته بخصائص الخطاب الإسلامي من المنظور المنهاجي. وأيضا نظرته التجديدية النقدية لمعنى الأدب ووظائفه من خلال كتابه “المنظومة الوعظية”.
مصادر تعليمية وتربوية
كان للفترة التي ذكرنا أن الإمام قضاها في مدرسة محمد مختار السوسي بمراكش أثرها البالغ والقوي والمفيد والجليل؛ ففي هذه المدرسة وباتصاله بتلامذة المختار السوسي، تلقى تكوينا مزدوجا شمل القرآن الكريم حفظا وتعلما، والعربية حذقا وتشربا، وكذا شتى أنواع العلوم التي أخذ منها بنصيب وافر شمل التاريخ والأدب والحساب، دون أن ننسى التأثر السلوكي الأخلاقي الإسلامي، وقد كان المختار السوسي صوفي المشرب.
لقد صرح الإمام بما يدل على حضوره بعض المنتديات الشعرية التي كان يجتمع فيها الشيخ المختار بتلامذته وغيرهم من أجل إنشاد الأشعار، وهي المنتديات التي سميت بالرميليات وجمعت في ديوان حمل الاسم نفسه نسبة إلى حي الرميلة بمراكش. فأثرت هذه التلمذة وإن كانت بالواسطة، وكان لها دور كبير في التنشئة الفطرية في نفسه، وهكذا نجد أن طفلا نشأ في البادية لم تفعل فيه عوامل التعرية ما من شأنه تغيير فطرته. ولعل العودة إلى كتاب حوار مع صديق أمازيغي يكشف عن عمق تأثير العلاقة مع المختار السوسي ومدرسته، المختار الذي يصفه الإمام بالرجل الذي امتلأ “وطابه أدبا وشعرا وفقها وعربية”، وبالعلامة الفحل رحمه الله الذي كان حريصا على تعليم العربية وترسيخ التدين وكانت له جولات وصولات مع الفكر الإلحادي.
نكتشف إذن هذا التعلق بهذه الشخصية والامتنان الكبير لها من طرف الإمام عبد السلام ياسين خاصة في مسألتين اثنتين: حفظ القرآن ونشد الأشعار وتعلم العربية. اعتراف بالانتساب إليه بالتلمذة، وتركيز كبير جدا على اهتمامه بحفظ القرآن، وتدينه واهتمامه بالصلاة، وإبراز قوي لاعتنائه بتعلم وتعليم العربية، فيشير إلى تأسيسه لنادي أدبي ورعايته له حيث مكان الالتقاء لإنشاد أشعار العرب وآداب العرب والنحو والبلاغة، وقد بين أنه كان يتلقى عنه هذا التأثير الأخلاقي السلوكي “بالمثال الحي سمت المتخلقين بأخلاق الإسلام”، فيورد تأثره به في سمته، وفي تحقيقه القرآن وتعلمه العربية خاصة بالمدرسة بالرميلة، ثم يورد طرفا من معارضته القصيرة لقصيدة حافظ إبراهيم في مدح اللغة العربية.
في معهد ابن يوسف كان التلقي العلمي في لحظته الثانية من حياة الرجل، وإن كان برما بما كان يتلقاه هناك لعتاقته؛ إذ لم يكن بتلكم الدروس شغوفا لافتقادها في نظره للاجتهاد واعتمادها الترديد مما أصابها بالجمود والتحجر، فتقوت الرغبة لديه في الاطلاع من خلال ما كان يتحصل في يده من كتب ومجلات تقدم من الشرق، وكان انفتاحه على الفرنسية إيذانا بالاطلاع على ما عند الآخرين من ثقافة وآداب وفلسفة التي قرأ منها على حد تعبيره الكثير الكثير في مجال الفلسفة والايديولوجية والماركسية والتاريخ، وغير ذلك مما أكد أنه لا يستطع حصره.
كان للإلمام بالنظريات التربوية التعليمية خاصة الفرنسية ثم الإنجليزية تأثيره في اكتساب النهج التربوي في مقاربة النصوص بمختلف أنواعها، ولعل رجوعنا إلى بعض التأليفات المدرسية مفيد؛ إذ نراها تكشف لنا -وإن كانت بتأليف مشترك- عن ذوق أدبي رفيع في المختارات النصية التي كانت تستهدف تحقيق كفايات نصية مهمة؛ تشمل القرائية على مستوى القدرة على قراءة النص الأدبي وتشرب الأدب، والوجدانية القائمة على التذوق الفني وتنمية الخيال، والمعرفية المنصبة على تنمية الرصيد اللغوي والمعرفة الفكرية، والتواصلية والمنهجية التي اهتمت بتنمية القدرة على التعبير السليم. وهي مؤلفات تبرز البعد التربوي الديداكتيكي في تدريسية المادة الأدبية واللغة العربية، وعن الإتقان الكبير لعملية النقل الديداكتيكي للمادة المعرفية المتنوعة في شتى أصناف المعرفة والأنواع الأدبية والأشكال النصية محليا وعالميا.
الموسيقى والألحان:
من العوامل التي بنت الشاعرية هذا الطابع الموسوعي الشمولي للشخصية، والتي كان من اهتماماتها الحرص على تعلم الموسيقى وإتقان العزف وتلحين الأناشيد وقرض الشعر، وهو جانب مهم جدا في معرفة شخصية الرجل وغناها العام معرفيا وفنيا. ولقد انبنت الذائقة الموسيقية للرجل في فترة مبكرة من حياته، وهو شاب معلم؛ إذ سيتعرف على عمالقة الفن العالمي وعلى موسيقاهم التي ستشكل حسه الموسيقي ورهافة الأذن وموسيقية الإيقاع عبر الاطلاع على شتى من صنوف شتى من الموسيقى تعلما وعزفا على آلات متعددة، وعلى موسيقيين عالميين من أمثال بتهوفن، وباخ، وموزارت،و شوبان ، و تشايكوفسكي.
تعلم الإمام العزف على العود والكمان، ثم استطاع القيام بتلحين الأناشيد المدرسية، ولقد كانت للموسيقى العالمية الكلاسيكية وظيفتها الكبيرة في التأسيس للذائقة الموسيقية وفي تنمية الثقافة الموسيقية، مما أهله لإدماج هذه المادة الدراسية في مناهج التكوين ومقرراته بمدارس المعلمين لتنمية التربية الموسيقية والفنية والجمالية، وهو ما عد تجديدا وتطويرا في المناهج التربوية إذاك خاصة في منظومة تربوية خرجت للتو من الاستعمار. وقد أورد الدكتور عبد الغني أبو العزم في روايته الضريح الآخر، ومبارك ربيع في روايته الطيبون ما يكشف عن هذا الغنى الموسيقي في ثقافة الرجل، وطبعا ستكون لهذه كلها أدوار عظمى في تنمية الحاسة الجمالية الشعرية وفي ضبط الإيقاعات الموسيقية مما مكنه من النبوغ المبكر في المجال، وهذا ما سيشكل الخلفية الفنية الإيقاعية لشعره الإيقاعي ولألحانه. وعليه فالخلفية الموسيقية الإيقاعية في شخصية الرجل ظاهرة مؤثرة أذكاها وقواها وزادها تألقا السماع الصوفي في حلقات المريدين إبان فترة الزاوية البوتشيشية لما لها من وظائف تربوية ونفسية وتطهيرية على ما كان من موقفه الظاهر بعد ذاك من السماع الصوفي وطقوس المتصوفة عموما.
تحكي رواية الضريح الآخر المسار الفكري والمعرفي والتعليمي والحياتي لصاحبها “عبد الغني أبو العزم”، وقد خصص صفحات تمتد من 110 إلى 140 للحديث عن شخصية الإمام عبد السلام ياسين الذي كان إذاك مديرا لمدرسة المعلمين بمدينة مراكش؛ على المستوى الفيزيقي الجسماني يقدم لنا السارد صورة الرجل الأنيق الوسيم مظهرا، والإنسان ذي المهابة والوقار مخبرا، تحدث عن شكله الخارجي وعن ملبسه وعن أناقته، ثم عن نظراته “النافذة” و”العميقة الدلالة”: “نظرات عالم نفس، ومرب، يسعى لقراءة ما في نفوس متلقيه من خلال ملامحهم ويشعرهم في آن واحد بعمق نظراته”. وبأسلوب شاعري أدبي فني شبهه بقضيب الخيزران، ووصف أناقته بالصارخة، وشبه صوته في علوه وانخفاضه وخفوته بعزف” القطعة الموسيقية الصامتة على العود” ليكشف لنا “ملامح شخصية قوية في تعابيرها وألفاظها، وقوتها وسلطانها وهيبتها على الرغم من نحافتها وخفوت صوتها”. وإنما وقفنا عند هذا الوصف التقديمي ل”بورتريه” شخصية الإمام عبد السلام ياسين، ليتجلى لنا أن السيد كان ذا ذوق رفيع مظهرا ومخبرا كما وصفنا، وهذا لن يدل إلا على النفس المحبة للجمال، المحبة للفن، المحبة لكل ما هو جميل. إنها صورة “الجنتلمان” كما تقدمها الروايات الكلاسيكية الرفيعة. وربما هذا ما جعل الكاتب يصف هذا الجانب الجمالي الفني في شخصية الإمام بعد وصفه الجانب الجسماني الخارجي من خلال رصده لاعتناء الإمام بالموسيقى، وهنا نقف عند ما أورده الكاتب وهو يتحدث عن قاعة المطالعة في المدرسة وما تحتويه من “خزانة موسيقية تضم روائع الموسيقى الكلاسيكية العالمية” مما سيكشف عن الذائقة الفنية للسيد ياسين، رائعة دوستويفسكي، سمفونيات بيتهوفن وباخ وشوبان وموزارت ستشكل وعيه وثقافته وممارسته الموسيقية.
ومما سيؤكد هذا الشغف بالموسيقى تهممه بأن تشكل التربية الموسيقية الفنية أحد أجزاء ثقافة المعلمين؛ إذ كانت الأناشيد إحدى المواد المعتمدة في التدريس، بسبب حرص الإمام على أن يتلقى معلم الأجيال موادا متنوعة إذ إن “معلم النشء ينبغي أن يكون مربيا ولغويا وأديبا وموسيقيا ورساما ونحاتا ورياضيا”، فكان هناك حرص من طرفه على الموسوعية الشمولية في بناء شخصية المعلم وعلى تلقينه مواد التفتح الفني. ونكتفي هنا بإيراد ما استشهد به عبد الغني أبو العزم في سياق تأكيد الطوابع الفنية الموسيقية في شخصية الأستاذ عبد السلام ياسين لما سرد مقطعا لأنشودة تقول:
وقد علق على هذا بقوله “وهذا النشيد جاء أداؤه وما وضع له من تلحين مقتبسا من المقطع الرابع من السمفونية التاسعة لبتهوفن، استطاع ذلك الرجل العظيم الذي كان مغرما بالعزف على البيانو إدخاله إلى مدرسة المعلمين الإقليمية، ومنها شاع ليعم أرجاء المدارس المغربية”.
يعود الإمام عبد السلام ياسين بالوعي الموسيقي لديه إلى ما ترسخ في وجدانه منذ الطفولة البعيدة من أناشيد ضاربة في نسغ عمق الذاكرة الوجدانية لطفل سمع ووعى كما يحكي ذلك بنفسه إيقاعات أنشودة يمتزج فيها “حنان الأم، ولطف العناية بـ “النغمة والكلمة والوزن والإيقاع” لقد كان السيد ياسين عازفا ماهرا متقنا للبيانو، وسيسجل الكاتب سمات تشكل السمات الفنية لشخصية الإمام” رهافة الحس، علو الثقافة، رفعة الذوق”، جامعا بذاك جوانب العناصر الطبيعية من استعداد فطري حسي مرهف، وجوانب الاطلاع الثقافي الفني الموسيقي، إلى جانب ذوق في الاختيار، وطبعا ستؤثر هذه الخلفية الموسيقية على الذائقة الشعرية وعلى الوزن الموسيقي للإبداع الشعري عنده.
والذي يقرأ صفحات السيرة الآنفة الذكر سيرى مما حكاه الراوي ما شكل المصادر الثقافية والفنية للتلاميذ آنذاك، وسيكشف عما شكل الذاكرة المعرفية الأدبية للمدير آنذاك، فالكاتب يسرد سجالات طويلة حول المعجم العربي والشعر العربي القديم والحديث والأدب الروائي والفن المسرحي الفرنسي والروسي.
خاتمة
لقد اجتمعت للإمام عبد السلام ياسين كل المقومات الذاتية والموضوعية على مستوى المسار الحياتي نشأة وتعلما وتوظيفا ونضالا، وكل المقومات الفكرية على مستوى المسار الذهني ثقافة وفلسفة وإلماما واجتهادا في شتى صنوف المعرفة، ما يؤهل لأن يكون الجانب الأدبي والعنصر الشعري حاضرين بقوة في تماسك وتكامل الشخصية الموسوعية، ليس فقط من الناحية الأسلوبية البيانية الثرية المتشربة لطرائق التفنن القولي العربي في الكتابة التي وهب لها الإمام عمرا طويلا من عمره المعيشي والعرفاني، وإنما وأيضا من نواحي الإبداع الشعري الذي ترجم كثيرا من مكنونات القلب وتصورات العقل وسلوكات الإرادة إلى نصوص شعرية يقرر بها الإمام ما يعتقد أن الخطاب النثري لم يوصله، أو يؤكد به رسائل من باب تنويع القول والدخول على المتلقي من كل باب. وبذا يتكشف لنا أن الإبداع الفني والأدبي عند الإمام جزء من كل، ويسير من كثير، لكن يجمع الجزء واليسير إلى الكل والكثير فهم لمعنى الكتابة عموما وتصور لوظائفها وإجراءات تنزيلية لتفعيلها، تغدو معها الكتابة والإبداع والتفكير آليات في نسق مشروع مجتمعي متكامل يوحد الجهد ويوحد الوجهة ويوحد القصد.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.