التميز المغربي في اللغة الأمازيغية…
ذ. الحسن زهور
اللغة الأمازيغية من اللغات الإنسانية العريقة التي ما زالت تحتفظ في تعابيرها اللغوية على رواسب فكرية من المرحلة الزراعية الأولى للمجتمع البشري. وما زالت هذه التعابير تحتفظ بها اللغة الأمازيغية Baskets الى الدارجة المغربية باعتبارها أمازيغية التركيب.
ففي بعض المقالات التي نشرها الاستاذ الصافي مومن علي في بداية التسعينات في مجلة ” أمود” التي تصدرها آنذاك الجمعية المغربية البحث والتبادل الثقافي ( 1990-1991) أشار بتفصيل الى هذه التعابير اللغوية التي ترجع الى تلك المرحلة الزراعية الأولى للمجتمعات البشرية.
من هذه التعابير التي تثير الإستغراب لمن لا يتقن الأمازيغية او الدارجة هي:
“حليب اخضر، لحم الاخضر، بيضة خضراء، فاكهة خضراء…”.
فمن لا يتقن الأمازيغية او الدارجة اي من لا يفكر بمنطق الأمازيغية او الدارجة سيعتقد ان هناك خللا ما في منطق المغربي او في منطق اللغة.. لأن المنطق الفكري واللغوي لهذا الاجنبي سيتجه مباشرة إلى اللون، وهو منطقي فعلا فليس هناك في الكلام العادي واليومي حليبا اخضر ولا لحما أخضر ولا بيضة خضراء..،
وإذا ارتقى الاجنبي بفهمه ليدخل هذا التعبير ضمن الانزياح اللغوي الذي لا يعرف الا في الشعر او االتعبير المجازي سيتساءل عن دلالته الجديدة، لكن بالنسبة للغة الأمازيغية فهذا لا يدخل ضمن الانزياح اللغوي لأنه يعبر عن منطق الاشياء في الطبيعة كما هي، وبالتالي فتعبير ” اكلت بيضة خضراء وشربت نصف حليب أخضر ” بالنسبة للشعوب الناطقة بالعربية اي بلهجاتها في بلدان مصر والخليج والشرق الاوسط يعتبر خروجا عن منطق الاشياء، فالحليب ابيض بطبيعته، ولحم الحيوان بطبيعته أحمر …
وسيتساءل السامع الاجنبي مستفسرا ليقول ” هل خلطت الحليب بملون أخضر ليصبح أخضر؟”.
لماذا هذا الخروج عن منطق الاشياء كما يسميها الاجنبي اي الذي لا ينطق الأمازيغية او الدارجة؟
بالنسبة للأمازيغية لا يسمى هذا خروجا عن منطق الاشياء بل هو يرتبط بمنطق الاشياء كما هي في الطبيعة، فعندما نقول في الأمازيغية ” تاگفايت زگزاون” اي ” حليب خضر، بطاطا خضرا، خزو خضر، مشماش خضر…”
فإننا نعبر عن منطق الطبيعة، فالفاكهة قبل أن تنضج وتتخذ شكلها النهائي في النضج( الحمرة، الصفرة وباقي الالوان الدالة على النضج ) تكون خضراء، اي غير ناضجة. فاخذت اللغة الأمازيغية هذا المستوى من مستويات منطق الطبيعة فعبرت به بدورها عن منطق الاشياء، فقبل ان تنضج الاشياء نعبر عنها بالخضرة اي نصفها بهذا اللون كما هي الاشياء في الطبيعة قبل بلوغها مرحلة النضج بتغير لونها من الاخضر الى الألوان الأخرى…”
حمص خضر، كاوكاو خضر، …” يعبر عن مستويين: مستوى النضج الطبيعي اي لم يبلغ نضجه الطبيعي بعد ، ومستوى النضج الثقافي(بمفهومه الانتروبولوجي) اي الذي يتدخل فيه الانسان، اي لم ينضج فوق نار ليصلح مباشرة.و
هذا المنطق اللغوي المبني على المنطق الطبيعي يسري على الكثير من الاشياء التي لم تصل إلى مرحلة النضج، ف ” تيفيي زگزاون” اي “لحم خضر” هو وصف طبيعي بمنطق الطبيعة للتعبير عن ان اللحم لم ينضج وما زال نيئا.ه
ذا المنطق اللغوي الذي تمتاز به بعض التعابير الأمازيغية لن يفهمه الا من يحمل منطق هذه اللغة ومنطق الدارجة المغربية، وهذا المنطق يدخل ضمن الاسس لما نسميه بالتميز المغربي اي بثقافته المتميزة.
ذ. الحسن زهور.
التعليقات مغلقة.