التعاونيات التضامنية .. الصراع من أجل البقاء في زمن كورونا

رشيد العمري//

جمعت بينهن الرغبة في تأمين استقلالهن المالي وتحسين أوضاعهن السوسيو اقتصادية، فقررن التكتل في ظل تعاونيات تضامنية نسائية، غير أن انتشار وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) أربك كل الحسابات.

فقد جعلتهن هذه الجائحة يقعن في براثين الخيبة، مما دفع بهن إلى توحيد الجهود حتى لا يصير هذا الحلم مجرد سراب، والمقاومة والصمود لضمان البقاء ضمن باقي مكونات النسيج الاقتصادي الوطني .

وهو ما أكدته شهادات استقتها وكالة المغرب العربي للأنباء لدى فاعلين ومهتمين بالتعاونيات حديثة العهد على مستوى جهة الدار البيضاء سطات، والتي شددت على أن الحجر الصحي الذي فرض بسبب الجائحة حتم على التعاونيات التفكير في سلسلة من البدائل الاحترازية للخروج من الأزمة وترويج وتسويق منتجاتها، عبر استكشاف أسواق جديدة من خلال العالم الافتراضي.

وفي هذا الصدد، أشارت رئيسة تعاونية المنال للنسيج والخياطة بعمالة انفا ميران نادية إلى أن أزمة كورونا، ورغم تداعياتها وانعكاساتها السلبية التي مست الجميع، كانت بمثابة حافز للابتكار في العمل التعاوني والتفكير في حلول جديدة تتيح تجاوز هذه الظرفية الاستثنائية والتأقلم معها، وهو ما جعل التعاونيات تنجح في رفع نسبة المداخيل، وخلق المزيد من فرص الشغل.

فبعدما كانت تعاونية النسيج والخياطة تقتصر في بدايتها على صناعة الزربية والجلابة، تضيف ميران، اتجهت إلى صناعة الكمامات والواقيات الطبية وفقا للمعايير المعتمدة من طرف المعهد المغربي للتقييس، إسهاما منها في محاربة هذا الوباء المتفشي بمختلف أرجاء المعمور، ورغبة في تحسين وضعية منخرطيها والعاملين لديها من خلال البحث عن موارد جديدة.

وفي الاتجاه ذاته، أبرز رئيس تعاونية صفوة إبداع بلادي لتربية النحل وإنتاج منتجات الخلية بجماعة دار بوعزة إقليم النواصر أحمد بنسليمان أنه في ظل هذه الأزمة الصحية غير المسبوقة، والتي تسببت في ركود كبير للعديد من الأنشطة الاقتصادية والمهنية، كان لابد من العمل على بلورة خطط بديلة تمكن التعاونيات من الاستمرار في تسويق منتجاتها المحلية، والخروج من وضعية الانكماش، وفسح المجال لخلق فرص الشغل ومحاربة مظاهر الفقر والتهميش.

وقال إن تعاونية صفوة إبداع بلادي، ووفق هذه الرؤية الاستشرافية للمستقبل، عملت على تنويع مجال أنشطتها، لتشمل الى جانب إنتاج العسل تحضير حبوب اللقاح وغذاء الملكات وشمع النحل، مراعية في ذلك شروط الجودة والسلامة التي وضعها المكتب الوطني للسلامة الصحية والمنتجات الغذائية، وهو ما جعلها تنجح في توسيع دائرة زبنائها.

ولمواكبة مثل هذه التجارب التعاونية الناجحة، فقد تمت الاستعانة، ومن خلال مكتب تنمية التعاون (ODCO)، بأطر وكفاءات مختصة لمواكبة المقاولات الاجتماعية الصاعدة، بواسطة سلسلة من الخدمات الأساسية والدورات التكوينية في العديد من المجالات، بدء من مرحلة تأسيس التعاونية إلى غاية الإنتاج والتسويق.

وقد توخت هذه المبادرات بشكل أساسي تنظيم عمل التعاونيات، وتحفيزها على تطوير أنشطتها، اقتداء بباقي الوحدات الإنتاجية والخدماتية المهيكلة ضمن منظومة الاقتصاد الاجتماعي التضامني.

وبهذا الخصوص، أوضح لحسن مقنع، أحد مؤسسي فيدرالية الخدمات الإعلامية “ميسكوب ” (MSCOOP) ،أن المؤسسة تقوم بمرافقة التعاونيات من خلال التكفل بمساعدة عدد منها، مشيرا إلى أنها تطوعت بتصميم علامات “اللوغو” لست تعاونيات من أصل تسعة تعاونيات تكفلت بمساعدتها.

ولفت إلى أن الغرض من هذه الخطوة تمكين التعاونيات المستفيدة من دعم المؤسسة من اتخاذ هذه العلامات كهوية مرئية، تتيح لها ترويج منتوجاتها بسهولة، والتي تشمل بالخصوص صناعة الملابس التقليدية ومستحضرات التجميل الطبيعية وشموع الزينة والعطر فضلا عن اهتمام بعضها باستخلاص مختلف الزيوت الطبيعية.

غير أن الاستجابة لطلبات هذه التعاونيات الناشئة لم تقف عند هذا الحد، بل ذهبت إلى غاية العمل على فك رموز أزمة التسويق في غياب المعارض المحلية والوطنية جراء تداعيات الوباء المتلاحقة، إذ تقترح “ميسكوب” على هاته التعاونيات التكثل في ما بينها في صيغة اتحاد يجمع بينها.

والرهان هنا إطلاق مشروع موحد عبارة عن منصة الكترونية لتسويق المنتجات والاحتكاك في ما بينها، والعمل سويا على خلق نوع من التكامل والتعاضد والتآزر لمواجهة المنافسة الشرسة، ولتطوير آليات التدبير والرفع من الجودة، حتى تتمكن من اقتحام الأسواق الدولية بكل سلاسة.

وتأتي هذه البادرة وفق الاستراتيجية المعتمدة من قبل مكتب تنمية التعاون لإخراج التعاونيات من عنق الزجاجة جراء الأزمة التي تتخبط فيها والصعوبات التي عانتها في ما يخص اقتناءها للمواد الأولية، علاوة على ضعف التسويق في وقت كانت تراهن فيه على الفرص الذهبية التي تتيحها المعارض الجهوية والوطنية المنظمة من طرف مختلف الغرف والمصالح الخارجية، وفي مقدمتها المعرض الدولي للفلاحة بمدينة مكناس الذي كان يشكل متنفسا مهما للتسويق.

وفي هذا الصدد، أكد السيد محمد حنوني المندوب الجهوي بالنيابة لمكتب تنمية التعاون بالدار البيضاء مدى أهمية ونجاعة المنصات الالكترونية، معتبرا إياها من بين الآليات الفضلى التي راهن عليها المكتب، بتوجيهه نداء للمتطوعين سواء أكانوا أشخاصا ذاتيين أو معنويين ممن تتوفر فيهم الكفاءة، للمساهمة في تطوير التعاونيات وتعزيز قدراتها ومواكبتها في مجال التعريف بمنتجاتها وتثمينها وتسويقها بطريقة مهنية.

ولتجسيد الأهداف المنشودة، أعد مكتب تنمية التعاون وصلات تحسيسية لإطلاع العموم بشكل مبسط على طرق إحداث تعاونيات. كما قام، بشراكة مع دار المقاول، بتنظيم سلسلة من الدورات التكوينية عن بعد، في مواضيع أملتها الظرفية الجديدة، كالتسويق الإلكتروني وسبل البحث عن مصادر للتمويل وغيرها، إلى جانب تواصله مع الفضاءات التجارية الكبرى حتى تضع حيزا مهما من رفوفها رهن إشارة أكبر عدد ممكن من المنتجات المحلية للتعاونيات.

فضلا عن ذلك، أعلن المكتب ضمن اجراءاته العملية عن إمكانية استفادة التعاونيات حديثة التأسيس من الشطر الرابع لبرنامج المرافقة الكفيل بتقوية القدرات التدبيرية والتسويقية للتعاونيات، ويتعلق الأمر أساسا بالتعاونيات المسجلة بسجل التعاونيات خلال سنوات 2016 و2017 و2018 وكذا التعاونيات المرخص لها في 2015 المسجلة هي الأخرى بعد ملاءمة أنظمتها الأساسية وفق أحكام القانون الجديد 12- 112 المعد لتبسيط مساطر إحداث التعاونيات وحسن تنظيمها.

وحتى تتكيف التعاونيات مع الظروف الراهنة التي تمليها الحالة الوبائية داخل المملكة، فقد تم تشجيع التعاونيات الحرفية للخياطة، يقول السيد حنوني، على إنتاج الكمامات الواقية من فيروس كوفيد 19 وفقا للمعايير والمواصفات الوطنية، ولتحقيق هذه الغاية فقد بادرت الوزارة الوصية إلى تمكينهن من الحصول على شهادة مسلمة بالمجان من طرف المعهد المغربي للتقييس (IMANOR).

وعليه تبقى التعاونيات أداة فعالة لإدماج صغار المنتجين في السوق ولفتح آفاقا متعددة لإحداث مشاريع اقتصادية واجتماعية كفيلة بمحاربة مظاهر الفقر والإقصاء، فإلى حدود شهر فبراير الماضي شهدت جهة الدارالبيضاء -سطات ميلاد ما مجموعه 2549 تعاونية، يصل مجمل منخرطيها الى 33822 عضوا، ومنها 416 تعاونية نسوية معظم منخرطاتها البالغ عددهن 2510 تعمل بقطاع الصناعة التقليدية.

ويتصدر قطاع الفلاحة قائمة الترتيب، حيث يستحوذ على 58 في المائة من مجموع التعاونيات، متبوعا بقطاع الصناعة التقليدية بنسبة 22 في المائة، فيما تتقاسم باقي القطاعات النسبة المتبقية.

ومن حيث التوزيع الجغرافي لأقاليم الجهة، فإقليم الجديدة يستحوذ على 33 في المائة من التعاونيات، يليه سيدي بنور بما يناهز 24 في المائة، ثم الدار البيضاء بنسبة 17 في المائة، بينما تتقاسم الأقاليم الأخرى للجهة نسبة 26 في المائة.

أما بالنسبة لتعاونيات الشباب حاملي الشهادات، فقد بلغ عددها عقب صدور القانون الجديد للتعاونيات 12-112 ما مجموعه 35 تعاونية بالجهة، تشمل مختلف القطاعات، وينشط معظم منخرطيها البالغ عددهم 238 منخرطا في قطاع التربية والتكوين بنسبة 54 في المائة، في حين يتوزع الباقي على قطاعات الصناعة التقليدية، والفلاحة، والطباعة والورق، والاستشارة والتدبير، والنقل، والسكن، والاتصال.


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading