الإنسان بين الواحد والأصفار

  • بقلم: المكي بوسراو//

سئل أحد الحكماء قديما، أين تكمن قيمة الإنسان؟ فكان جوابه: إذا كانت لديك قيم أخلاقية فقيمة وجودك ستساوي واحد، وإذا كنت بالإضافة إلى ذلك ذكيا سيزداد صفر إلى الواحد لتكون قيمتك عشرة وإذا كنت غنيا سيضاف صفر آخر إلى الواحد لتصبح قيمتك مائة، أما إذا كنت وسيما فسينضاف صفر آخر إلى الواحد لتكون قيمتك ألف. لكن إذا حذفنا الواحد سينهار حتما كل شيء. فإذا سقط الواحد صارت الأصفار بلا جدوى.

أي إذا انهارت القيم الأخلاقية فلا معنى ولا مصداقية للذكاء والغنى والجمال…إلخ. الواحد هو العمود الفقري للوجود الانساني وهو الربان الذي يقود سفينته. وإن هو سقط سقطت معه كل الأشياء الأخرى. لأن الشر والفساد والظلم والعنف سيتولون قيادة السفينة.

وسيصبح مصير الانسانية مهددا بالكارثة ما دام العقل سيترك مكانه للغريزة وستحل القوة مكان الحكمة. إن الأصفار مهما تعددت لا قيمة لها بدون الواحد، إذ بإمكان الإنسان أن يضيف عدة أصفار إلى رصيده كالشهرة والسلطة والفحولة والشواهد الأكاديمية، لكنها ستظل أصفارا بلا جدوى إن هي لم تستند إلى الواحد. فالعبرة في الكيف وليس في الكم. إذ مهما تناسل عدد الأصفار فلا قيمة لها. الواحد وحده هو القيمة الوازنة، إنه قيمة القيم، به وحده يستقيم الحساب ويتشكل المعنى. لا تكفي كل الأصفار مجتمعة لصقل إنسانية الانسان، ذلك أن تلك الإنسانية يصنعها الواحد وليس الأصفار.

فالحضارة تدين بالكثير للقيم الأخلاقية التي لولاها لما كان هناك مجتمع بشري يسود فيه التعايش والسلم والتضامن … إلخ. فالثروة لوحدها، كما السلطة والشهرة والجاه ليس بإمكانها أبدا تشكيل حضارة، ما دامت هذه الأخيرة هي بالدرجة الأولى حصيلة مبادئ وقيم حولها الانسان في مساره التاريخي إلى أعراف وتقاليد و قوانين ومؤسسات أسست للعيش المشترك.

إن قوة الحضارة الإنسانية تتمثل في ذلك العمق الأخلاقي الذي تفتقد إليه الكائنات الأخرى التي لم يكن بمقدورها الارتقاء إلى مستوى ما بلغه الانسان في تطوره، لكونها ظلت حبيسة لغة الجسد والغريزة.

الحكمة من كل ما سبق هو أن الأخلاق هي رافعة الوجود، باعتبارها الشرط الضروري للوضع البشري. وبدونها سيتحول الناس إلى أبشع الكائنات، فما يجعل الإنسان إنسانا هو بعده الأخلاقي الذي يرقى به إلى عالم الخير والفضيلة. فالقيم الأخلاقية هي التي سمت بالإنسان من وضع الحيوان الغريزي إلى وضع الكائن العاقل الذي يأتي أفعاله بروية وحكمة.

هي ذي الخاصية التي تميزه عن الأشياء والحيوانات، إذ لم نر أبدا حجرة تسقط على رأس أحدنا فتحس بالذنب وتبادر إلى الاعتذار. لم نسمع أبدا أن حيوانا انقض على فريسته والتهمها ، فندم على فعله وأنب ضميره وقال مع نفسه أن ما قام به فعل ظالم لأنه اعتداء على حق الغير في الحياة والحرية. الانسان وحده بمقدوره فعل ذلك. المكي بوسراو


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading