ظن الامازيغ المغاربة وانا منهم بطبيعة الحال ،ان الاعتراف الدستوري بالامازيغية كلغة رسمية في الدستور المغربي الجديد لسنة 2011 ، بداية تعبير عن ارادة سياسية عليا بضرورة انصاف الامازيغ المغاربة واعادة الاعتراف بلغتهم وثقافاتهم وحضارتهم ، لما تعرضت له من اقصاء وتهميش منذ عقود متتالية ومتراكمة ، ولكن الحقيقة شيء آخر تماما.
الامازيغ المغاربة مازالوا ضحية التهميش والاقصاء السياسي والاقتصادي والاجتماعي من طرف الدولة المغربية ، وبطبيعة الحال ليس الامازيغ المغاربة فقط من عانى من التهميش والاقصاء ، فالفقراء من العرب المغاربة كذلك اضطهدوا وهمشوا وسلبت ثرواتهم وهذا موضوع اخر مستقل واوردناه في هذا السياق حتى لا يفهم اننا ندافع عن الامازيغ فقط من منطلق عرقي او اثني .
المؤرخ الامازيغي المرحوم علي صدقي ازايكو عبر بوضوح وبرهان عن الاقصاء التاريخي للامازيغ في مغرب ما بعد الاستقلال في استجواب نشره الدكتور مصطفى عنترة في كتابه الامازيغية واسئلة المغرب الراهن الطبعة الاولى ابريل 2006 صفحة 15 عندما قال ” ان الطبقة السياسية التي تولت مقاليد الامر في مغرب مابعد الاستقلال وتوفرت على كل الوسائل للتحكم في الرأي العام المغربي ، وتوجيهه الوجهة التي تخدم مشروعها المجتمعي ، لم تكن تعترف بالطابع الامازيغي للمغرب ، بل ذهبت الى ابعد من ذلك ، اذ رفضت حتى الوجود الفعلي للامازيغ ككيان مميز تاريخيا ولغويا وثقافيا ، ولكي ترسخ ذلك في اذهان المغاربة ، عمدت الى مجال التعليم وعبثت ببرامجه كما ارادت ، وبذلك ابعدت اجيالا من المغاربة عن هويتها الحقيقية ، ونزعت من قلوبها حبها الطبيعي لوطنها وتربة اجدادها”
لكن السؤال المحير الذي يطرح نفسه لماذا يظل الامازيغ المغاربة مقصيين سياسيا وثقافيا رغم وزنهم الاقتصادي والديموغرافي الكبير بالمغرب ؟
لماذا تستمر الدولة واحزابها في سياسة الرهان على الوقت لاستنزاف المطالب الامازيغية واحتواء مطالب الامازيغ في الحرية والكرامة والعيش الكريم ؟
ولكن قبل هذا السؤال وذاك ماذا يريد الامازيغ المغاربة بالضبط ؟
هل قضية الامازيغ قضية لغة مهددة بالانقراض ، يجب إحيائها فقط كما يحاول القانون التنظيمي لتفعيل رسمية الامازيغية والدستور المغربي الجديد في فصله الخامس حصر ذلك ؟
ام ان الامازيغ المغاربة لهم طموح سياسي واقتصادي واجتماعي يتمثل في الوجود الفعلي للامازيغ ككيان مميز تاريخيا ولغويا وثقافيا، كما يطمح ذلك الاستاذ الراحل صدقي ازايكو؟
وهل الرهان على الارادة السياسية للدولة المغربية ولاحزابها للاعتراف بالامازيغ ككيان سياسي وثقافي ولغوي ببلادنا ، رهان سليم في ظل موازين قوى يغيب فيه المعبر السياسي عن المطالب الامازيغية كمطالب خاصة بشعب كامل الاوصاف والعناصر والمكونات حسب تعريفات القانون الدولي للشعوب .؟
واخيرا هل الامازيغ المغاربة محرومين من السياسة لانهم يرفضون الخوض فيها ام لان السياسة المغربية الموروثة عن الاستعمار الفرنسي ترفضهم، وللدقة نقول ترفض، ان تدخل عنصر يشكك في بنيانها المبني على تزوير التاريخ واسطرة بعض الاسماء وخلق احزاب لغايات محددة وواضحة لاستكمال المسلسل الاستعماري وفرض الامر الواقع على كل عناصر المجتمع المغربي ،الامازيغي الهوية والتاريخ والاصل ؟
في محاولة الاجابة عن هذه الاسئلة المؤرقة ، ابدأ بالقول بان الذي يحدد هوية الانسان هو الارض التي عاش فيها اجداده واباؤه ، فالانسان غير مخير في هويته وانتمائه، ولو توسل الى نكران ذلك بكل الوسائل التضليلية الممكنة، فالهوية المتطورة المغتناة بالتجارب الانسانية ليست جامدة او واحدية الجانب ،كما هو مكرس في البرامج التعليمية المغربية الحالية والخطابات السياسية للغالبية العظمى من السياسيين المغاربة ، الذين يعرفون الهوية المغربية باقصاء البعد الهوياتي الاصلي اي الامازيغي . بل هي انفتاح على كل الفكر الانساني وعلى منجزات العلم والتكنولوجيا ، هي كذلك انتماء للغة وتاريخ الارض، فالهوية متنوعة في روافدها وتكوينها لكنها تعرف الارض ولغة الانسان عليها. لذلك اجدني متفقا مع صديقي الاستاذ محمد بودهان في قوله المنشور بكتابه القيم في الهوية الامازيغية للمغرب ص 101 ” فنحن ، كمغاربة ، ملك اذن للأمازيغية وليست ملكا لنا نفعل بها ما يحلو لنا مثل التنازل عنها او التنكر لها.وهذه قاعدة تنطبق على الشعوب والبلدان ، وليست مقصورة على المغرب والمغاربة .فالمواطن الفرنسي مثلا ملك للهوية الفرنسية التي جعلت انتماءه فرنسيا ، وحتى لو كان ذا اصول أجنبية مثل الرئيس ساركوزي الذي اصبح ملكا لهذه الهوية الفرنسية بمجرد ما هاجر آباؤه من هنغاريا ، موطنهم الاصلي ،……ويجدر التذكير ان الاستعمار هو الذي يعتبر هويات الشعوب المستعمرة وأراضيهم التي استولى عليها ملكا له يتصرف فيها بفرض هويته الأجنبية عليها لتبرير استعماره واحتلاله.”
هوية بلدنا التي سماه الاستعمار الفرنسي المغرب، هوية امازيغية بالاستناد الى التاريخ والجغرافيا والانثربولوجيا ، وهناك شبه اجماع علمي على ان شمال افريقيا كانت أرضا امازيغية الثقافة واللغة باختلاف انظمة الحكم التي تعاقبت على المنطقة وبتنوع الانتسابات الدينية ، لذلك كانت اللهجات الامازيغية هي المتداولة شفويا وتواصليا في المنطقة الشمال افريقية وهذه حقيقة تاريخية لا غبار عليها، وكان الامازيغ وثنيون ثم يهود, فمسلمين … ، لذلك نجد عدد لاباس به من اليهود المنحدرين من شمال افريقيا المعروفين”بالسفارديم” من اليهود الامازيغ، الذين التحقوا فيما بعد الى اسبانيا او البرتغال او النازحين الى اسرائيل في اطار حركة التسفير المعروفة من طرف المنظمة الصهيونية العالمية قبيل انشاء دولة اسرائيل وبعدها. اذا كانت الكتابات التاريخية والابحاث الانثربولوجية والعلم الاركيولوجي ينصفنا كأمازيغ ، ويعتبرنا سكان المغرب الاقدمون ، فاين كان منعرج هزيمتنا ؟ متى فقدنا البوصلة التاريخية والثقافية واصبحنا اليوم طلاب حقوق ثقافية بسيطة ، بعدما كنا امس اصحاب دول وحضارات ؟
هناك شبه اجماع لدى الباحثين والمناضلين الامازيغ على ان الاستعمار الفرنسي لبلادنا هو المسبب الرئيسي في مأساتنا الثقافية والحضارية اليوم ، فلنقرأ ما قاله المؤرخ علي صدقي ازايكو عن مسؤولية المستعمر فيما وصلت اليه ثقافتنا ولغتنا في نفس المرجع المذكور اعلاه :”ان فرنسا لا تحب الامازيغ ولا توثرهم بالمعاملة الحسنة ،بل تريد ان تسيطر عليهم بكل الوسائل وظهير 16 ماي 1930 من هذه الوسائل ،لان الظهائر من هذا النوع كان يصدرها الملوك المغاربة قرونا قبل دخول فرنسا الى بلادنا غير ان فرنسا لم تتمكن البتة من السيطرة عليهم لان المقاومة المسلحة في المدن المغربية للوجود الفرنسي نظمت وانجزت من قبلهم بمشاركة مغاربة اخرين من طينتهم ، اما “الاذكياء” من “الوطنيين” فقد زينوا كراسيهم الوثيرة في حديقة المغرب المستقل بالمقالات والتصريحات الاذاعية من الخارج والاتصالات المثمرة مع مخططي الاستعمار الجديد.”
المرحوم صدقي ازايكوا كان واضحا في تحميل مسؤولية التآمر على لغتنا وثقافتنا الامازيغية للاستعمار ووكلائه المحليين وفي نفس الاتجاه سار الاستاذ محمد بودهان ولو بوضوح اكبر عندما اورد في كتابه السالف الذكر”لان ما حدث في سنة 1912 لم يكن مجرد احتلال للمغرب وفرض للحماية الفرنسية عليه ، بل كان بداية لميلاد –نعم ميلاد بمعناه التكويني- دولة جديدة بهذا القطر ، وهي الدولة العربية الجديدة التي خلقتها فرنسا خلقا وانشأتها انشاء، وتثمثل مظاهر هذا الخلق والانشاء لهذه الدولة العربية الجديدة في العناصر التالية :
1-اطلاق اسم جديد على هذه المنطقة التي اقامت بها فرنسا دولتها العربية الجديدة، وهو الاسم العربي “المغرب” بعد ان كانت تسمى في السابق “مراكش”
2-اعطاء هذا البلد هوية جديدة هي الهوية العربية بعد ان كانت هويته قبل ذلك امازيغية وكان العرب انفسهم يسمون هذا الجزء من شمال افريقيا بلاد “البربر”
3-تحويل عاصمة الدولة من فاس الى الرباط كعاصمة جديدة للدولة العربية الجديدة.
4-تنصيب “ملك” على راس الدولة العربية الجديدة ، بعد ان كان حاكمها يسمى قبل ذلك” بالسلطان” مع وظائف وسلطات محدودة تختلف عن صلاحيات و سلطات الملك الموسعة للدولة العربية الجديدة.
5-وضع علم وطني لهذه الدولة العربية الجديدة بنجمة خماسية ، بعد ان كان هذا العلم في السابق يحمل نجمة سداسية كما هو معروف.
6-خلق نشيد وطني خاص بالدولة العربية الجديدة.
7-العمل على التعريب السياسي للمغرب والحاقه بمجموعة الدول العربية بالمشرق .” انتهى كلام الاستاذ محمد بودهان .
تهميش ايمازيغن اذا، بدأ مع الاستعمار الفرنسي لبلادنا واستمر” الاستقلاليون ” المغاربة بعد الاستقلال السياسي على نفس النهج الاستعماري في اقصاء الامازيغية وسلب اراضي القبائل الامازيغية بالقوة دائما وبالحيلة والدين والايديولوجية مرات ومرات.
لكن دعونا من التاريخ الاستعماري الذي ازاحنا من الساحة الثقافية بالمغرب بمساعدة وكلائه المحليين ، هذا الامر بات معروفا ومكرورا ، ولنرجع الى اسئلتنا علنا نتلمس طريقا لمعالجتها او الاسهام النظري فيها .
الاقصاء السياسي للشعب الامازيغي كان مبرمجا له من طرف النخبة الاستعمارية و تحالف النخبة المدينية المغربية المتعلمة على ايدي المستعمرين ، فكان الانحدار السياسي للامازيغ كشعب منذ المؤامرة الاستعمارية للقضاء على جيش التحرير المغربي في الشمال والجنوب ، انذاك انفرط عقد الامازيغ واصبحوا منزوعي السلاح والقوة التفاوضية في مستقبل المغرب ، القضاء على جيش التحرير بالجنوب والشمال المغربيين، كان البداية الاولى لتغيير مسار الاحداث السياسية بالمغرب ، وانهزام المقاومين الاصليين للاستعمار الفرنسي والاسباني وانتصار المفاوضين “الوطنيين ” المتعلمين، اصحاب العرائض والمذكرات السلمية في مواجهة الاستعمار الاجنبي لبلادنا. في هذه الظروف السياسية التاريخية فقدنا البوصلة الامازيغية واستغلت امية شعبنا في خلق اساطير مؤسسة للاستقلال الوطني المغربي، وخلد في الافاق زعماء “استقلاليون” استفادوا من الاستعمار والاستقلال معا في مفارقة عجيبة غريبة ، كرست الاستثناء المغربي في كل شئ. وعلى عكس الوقائع التاريخية الحقيقية، اتهم الامازيغ بالعمالة مع الاستعمار الاجنبي ، واتخذ هذا التحريف الاعمى للتاريخ ذريعة لتهميشهم من المستفيدين الجدد من الاستقلال .لذلك حذر بعض المؤرخين الاجانب ، المهتمين بالتاريخ المغربي من بعض الافكار الخاطئة التي تنظر لعمالة الامازيغ مع الاستعمار الاجنبي، من هؤلاء المؤرخين نذكر MICHAEL PEYRON الذي اوضح في مقال له منشور بمجلة الثقافة الامازيغية منشورات ircam ندوة فاس 28-29-ماي 2009 ص 23 مايلي :”il convient ,egalement , de se méfier de certaines spécieuses constructions mentales postcoloniales ou l’on mélange aisément les genres. D’accuser le protectorat d’avoir passagèrement caresser l’espoir de créer un « BERBISTAN »….en vérité Berque lui même (1962-p240) avait nier que c’était l’intention des autorités coloniales. »
الاقصاء السياسي للامازيغ كان بفعل قرار سياسي ، مع سبق الاصرار والترصد من قبل الماسكين الجدد بالسلطة المغربية ، فانتهجوا اسلوب التعريب ضد البشر ، في سعي حثيث للقضاء على اللهجات المحلية وتحريف التاريخ لبناء قاعدة سوسيو ثقافية جديدة، ناكرة لذاتها وجاهلة لاصولها وفروعها . ولكن هل نجح الاستعمار وأذياله المحلليين في خطتهم لابادة الشعب الامازيغي في المغرب الجديد ؟ الجواب نعم ولا . نعم المعمرون الجدد واحزابهم ومؤسساتهم استطاعوا تكريس تفاضلية لغوية بالمغرب وخلق اجيال معربة ومفرنسة محتقرة لذاتها الامازيغية ، بل الاصح جاهلة بها ، فرض على الطفل الامازيغي المحظوظ، طبعا الانتقال الى المدن الكبرى للعمل بعد تفقير وتهميش مناطقه القروية وفرض عليه فرضا ان يتعلم اللغة العربية والفرنسية وان يصبح لديه الاصل الترابي والمكاني القروي مزارا سنويا فقط ، واصبحت الامازيغية لديه حنينا يسمعها بين الحين والاخر في البيت من الأبويين الذين يحتفظان باللغة ويقصران استخدامها في البيت فقط خشية السخرية وسماع نعوت ونكت عن “الشلوح “التي كانت تعج بها الثقافة الشعبية المغربية المستهزئة بالامازيغي البدوي دائما. ومن حسن حظ الامازيغ ان تهميش الدولة المغربية للمناطق الامازيغية في الشمال والجنوب والوسط والاهتمام فقط بالوسط المديني الحضري “باعتباره صاحب القلاقل والصراع السياسي” ساهم في نمو الهجرة القروية الى الخارج، فتمكن الامازيغ الجنوبيين من العمل والانتقال الى فرنسا و سافر الشماليين الى هولندا والامازيغ الوسطيين ، فيما بعد الى ايطاليا ، افواج الهجرة الامازيغية الى الخارج ،هربها الحظ من التعريب القسري واستطاعت ان تعطي للأمازيغ نفسا اقتصاديا وسياسيا جديدا متجددا ، حافظ على تواجدنا ككيان وكثقافة ، فلولا امازيغ القرى بالمغرب الاميين وامازيغ الخارج المنعتقين من التعريب ، لتحقق اماتة اللهجات الامازيغية ، ولما اصبح للأمازيغية اليوم اي ذكر حتى في الاثار .
الامازيغ المغاربة فطنوا بعد نضال ثقافي وجمعوي مديد، على ان النضال السياسي هو المخلص الوحيد للأمازيغ من تبعيتهم الثقافية وخلاصهم النهائي من التهميش والاقصاء، لانهم استنتجوا ببساطة ان الوصول الى السلطة والثروة هو مخرجهم الابدي من النسيان والتهميش ، فبادروا الى تأسيس اول حزب سياسي امازيغي يحمل الامازيغية كهم استراتيجي ، و يسعى الى مراجعة التاريخ المغربي مراجعة حقيقية في اتجاه تحرير العقل الامازيغي من الدونية والاستيلاب المستمر الى حد الان، ولكن بطبيعة الحال هذا المسعى سيواجه بالرفض والتعنت والاقصاء، لان من شأن تأسيس حزب امازيغي ان يبعثر اوراق اللعب السياسي المتوارثة من الفترة الاستعمارية ، هذا اللعب الذي يبنى ويتطور على انقاض الحقيقة والتاريخ ، ويتأبد بنفي العناصر الثقافية والسياسية ذات الفضل في استقلال بلدنا الذي بات يسمى المغرب الاقصى ، انشاء حزب سياسي امازيغي معناه ادخال عنصر اصلي على عناصر طارئة تشكل منها الحقل السياسي المغربي ، فايمازيغن يريدون فهما وسطيا للدين ، بل يريدون اديانا متجاورة ومتسامحة فيما بينها ،اللعبة السياسية المتوارثة عن الاستعمار تقول بدين اسلامي سني ووحيد، ايمازيغن يريدون مغربا منفصلا عن المشرق ومنفتحا اكثر على افريقيا واوروبا ، فيما مغربنا الجديد ساهم في الحروب العربية الاسرائيلية وفي حروب اليمن والخليج ، فما دخلنا في حروب لا نفع لنا بها ولا طاقة لنا على تحملها، الامازيغ المغاربة يريدون اقتصادا مبنيا على التضامن والتآزر ،حتى لا اقول اقتصاد اشتراكي ، فيما المغرب الجديد سلب اراضينا وثرواتنا لفائدة قلة قليلة منتفعة بدون اوجه حق . دخول ايمازيغن الى السياسة كان سيعني بداية تكوين مغرب جديد ، في ديبلوماسيته واقتصاده و توجهه الحضاري ، لكن موازين القوى الحالية الناتجة عن القمع والتعريب وازدراء الذات الامازيغية نتج عنه انفصال النخب الامازيغية عن محيطها الاقتصادي والاجتماعي ، فالأمازيغ المغاربة يوجدون في اعلى مراتب القرار السياسي والاقتصادي اليوم ببلادنا ، لكنهم مسلوبو الارادة ومستلبو الثقافة ويفضلون المنفعة الاقتصادية الذاتية والوضع السياسي الشخصي المميز، على النضال من اجل هويتهم وحضارتهم الممتدة في التاريخ ، المحاولة السياسية الامازيغية الاولى افشلت، بتظافر عوامل ذاتية تهم الفاعل الامازيغي وحدود فهمه للتعقيدات السياسية ببلادنا وعوامل موضوعية مؤثرة تتعلق برفض السياسة المغربية تغيير الخريطة السياسية المغربية ،والابقاء على الجمل راكدا. ولكن الى متى سيبقى الجمل راكدا مادام الثقل يزداد عليه والحرارة تحيط به من كل الجوانب؟
على الامازيغ التفكير في تغيير موازين القوى السياسية على صعيد المجتمع السياسي ولدى عموم الشعب المغربي ، اي ان الامازيغ يجب عليهم القيام بخطوات استعجالية قبل ان ينجح المسعى السياسي الحزبي وان يؤدي وظائفه التحررية ، لا انتخاب نخبة سياسية امازيغية التي ستلعب دور الكومبارس في النسيج السياسي المغربي او دور المواجه للإسلاميين والتيار المحافظ بايعاز من هذا الطرف او ذاك ،بدون افق استراتيجي للتحرر الامازيغي ، الامثلة على الخيانات السياسية بأسماء وعناوين سياسية امازيغية مختلفة كثيرة ، ولداعي للخوض فيها في هذا المقال . لذلك اقترح برنامجا استعجاليا للنهوض بالوعي الامازيغي يجمع بين السياسي والثقافي والتربوي :
1-الضغط على الدولة المغربية لتعميم تدريس الامازيغية وفي جميع الاسلاك التعليمية ، لان تعميم تدريس الامازيغية وربطها بالتشغيل والمستقبل المهني للمغاربة سيجعلهم ولو بشكل برغماتي في البداية يقبلون على الامازيغية تعلما وكتابة وتواصلا وهذا سيغير في غضون سنوات قليلة المشهد الثقافي ببلادنا.
2-العمل على نشر كتابات تاريخية مبسطة للأجيال المقبلة مبنية على الحقائق التاريخية لبلادنا ، لان قراءة التاريخ ومعرفة بعض تفاصيله بوابة اساسية للاعتزاز بالذات وتحرير العقل الجمعي من الصور الذهنية الخاطئة عن الامازيغ ومن شان ذلك محو اثار التعريب التي طمست هويتنا وثقافتنا .
3-التمسك بالبورجوازية الامازيغية كحليف اساسي لنشر الامازيغية والتمسك بها عبر تشجيع الفن الامازيغي والثقافة الامازيغية بشكل عام . الدعوة اليوم الى اقصاء رجال الاعمال الامازيغ من الصراع الثقافي بداعي فسادهم او تقاعسهم اوو…. يعني تدعيم جبهة المعارضين للثقافة الامازيغية بشكل مجاني ومباشر ، بعض الرأسماليين الامازيغ جبناء، هذا صحيح الى حد كبير ولكن الاستثمار في اولادهم اعلاميا وتعليميا سيجبرهم على الانخراط في جهود تطوير الثقافة الامازيغية ، خصوصا اذاما اقنعنا المؤسسة الملكية والغرب بمشروعية مطالبنا الثقافية والسياسية لان هذان العنصرين هما مرجعية البورجوازية المغربية حاليا. .
4-هذه القضايا العملية لن تتحق اليوم الا بنسج تحالف قوي مبني على الثقة وعلى معادلة رابح رابح بين الفاعل الرئيسي في الحقل السياسي المغربي اقصد المؤسسة الملكية والتنظيمات السياسية الامازيغية . الملكية اليوم محتاجة الى تحالف الحداثيين والديموقراطيين في مواجهة الرجعيين والنكوصيين المهددين لشرعيتها ولموجبات وجودها ، فالصراع بين الاسلاميين والملكية اليوم بالمغرب صراع وجود لا صراع صلاحيات ، والامازيغ في حاجة الى ملكية حداثية تقود المغرب اتجاه الحضارة الانسانية ولا ترجع بنا عقودا الى الزمن الغابر ، من يقنع من ؟ وكيف يقنع الامازيغ الملكية ، موضوع يحتاج الى تفصيل والى ضمانات من الجانبين ؟ المهم في نظري المتواضع الامازيغ اليوم ، في حاجة الى من يأخذ بيدهم ومن سينتشلهم من الانتظارية والموت البطيئ ، اذا كان الاسلاميون امامنا والملكية وراءنا ما لنا سوى ان نختار الاصلح لنا ولقضيتنا ،واظن ان الملكية بالمغرب افضل لنا من الرهان على تيارات اسلامية ، تبني مجدها على الحفاظ على الاساطير المؤسسة لدولتنا “العربية الجديدة” ولعقلنا السياسي المتحجر.
5- العمل من اجل اقناع الغرب ونخبه المؤثرة بثقافتنا وحضارتنا ومشروعنا الحضاري المنسجم مع الحضارة الانسانية ، وبطبيعة الحال اقناع الغرب لا يتم بالاخلاق فقط بل بلغة المصالح واستعمال اللغات الاجنبية والاستثمار فيها وفي التكنولوجيات التواصلية الجديدة ، جاليتنا ونخبنا الامازيغية المتنورة مطلوب منها ،تطوير علاقتنا بشركائنا من السياسيين والحقوقيين والمفكرين الغربيين على وجه الخصوص ، لان نضج عملنا داخليا بتحالف رصين مع المؤسسة الملكية والحداثيين المغاربة واقناع الغرب خارجيا سيمكن ثقافتنا ولغتنا وتاريخنا من البزوغ بشكل جديد في عالم يبحث عن اصطفافات جديدة على اساس حوار الثقافات والهويات بعدما فشلت التكتلات السياسية المبنية على المصالح الاقتصادية الضيقة وادى منطقها الى حروب ثقافية وعسكرية ، تخفي في عمقها اشكالات ثقافية ودينية مولدة للانفجارات والحروب بين الامم .
6- تجديد الخطاب الامازيغي وبلورة خطاب امازيغي جديد يبني علىتجميع الامازيغ وفق مقاربة الحد الادنى ولا يبحث عن نقاط الخلاف الكثيرة ، فالخطاب الامازيغي اليوم يحتاج الى نخب متنورة تفهم ان الصراع لا يحسم بين ليلة وضحاها وان ثمة تحالفات تكتيكية واخرى استراتيجية ، هناك تناقض ثانوي واخر رئيسي باللغة الماوية وهناك تفاوت التطور بين الفاعليين الامازيغ بلغة الماركسي مهدي عامل ، الامازيغ اليوم بحاجة الى الوحدة الثقافية وتغليب المشترك وتاجيل المختلف عليه ، الاستقطابات داخل التيار الامازيغي اليوم معطلة لمطالب الامازيغ ، الامازيغية بحاجة الى امازيغي المخزن وامازيغي الثورة على حد سواء، كل سيؤدي وظيفته بتكامل مع الأخر ، المتربصون بالامازيغية اليوم يراهنون على التشتت اللهجي الامازيغي وعلى الاختلافات المناطقية والنزوعات الانقسامية ، لذلك الخطاب العلمي الامازيغي المبني على التاريخ والانثربولوجيا واللسانيات والعلوم الانسانية يجب توصيله لعموم الناس بالحوار ثم الحوار فالاقناع . الخطاب الامازيغي لابد ان يفكك اساطيره المؤسسة ويبني مجدا حقيقيا لا بد ان يبتعد عن الشعارتية ويبدأ العمل المتدرج باستغلال المتاح والسعي لربح المساحات والمسافات وتثمين جميع المبادرات الامازيغية من اي كان في اتجاه التصنيف والترتيب ومرحلة القطائع الكبرى ، علينا ان نستفيذ من دروس خفوة اليسار وتهافت خطابه ، الجملة الثورية كما يقول لينين لا تبني وطنا ثوريا ولا تحصن قضية عادلة من الذبول..
رئيس العصبة الامازيغية لحقوق الانسان
باحث في العلاقات الدولية
0661093037
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.