الأديب رشيد أبو الصبر يعود للإبحار بخياله في روايته الجديدة: “جولة بين حارات المغرب الكبير”

أزول بريس - بقلم: حسن هرماس ـ وكالة المغرب العربي للأنباء

بأسلوب سلس وشيق يستدرجك الروائي المغربي رشيد أبو الصبر من أول فقرة في روايته الجديدة” جولة بين حارات المغرب الكبير” لتستمر في القراءة مستعجلا طي صفحات هذا العمل الأدبي الذي طرزه صاحبه بإحساس استطاع إسقاطه على كل قارئ محتمل لدرجة تجعل أي شغوف بالقراءة يعايش فصول هذه الرواية بكامل عواطفه، وعميق إحساسه.

   هذا الأديب المنحدر من إقليم اشتوكة ايت باها، والذي شاءت الظروف أن يرحل في سن المراهقة نحو مدينة تارودانت لاستكمال دراسته الثانوية، ثم إلى أكادير حيث اختبر عوالم الدراسات الجامعية، وما خالطها من أنشطة موازية، ثقافية وعلمية ونضالية…، شاءت الأقدار أن يكون، مثل العديد من أقرانه، وأن يركب مغامرة الهجرة نحو الخارج بحثا عن لقمة عيش، وعن مستقبل أفضل.

    تزامن موعد ركوب الهجرة نحو الخارج لدى رشيد أبو الصبر في نهاية عقد الثمانينيات من القرن الماضي مع بداية تفاقم ظاهرة بطالة الخريجين الجامعيين في المغرب. غير أن حروف النص الروائي تنطق أيضا، وبكيفية طوعية، بكون الكاتب تطبع أيضا ببيئته الاجتماعية في اشتوكة ايت باها، والتي جبلت ساكنتها منذ أجيال على النزوع نحو الهجرة في اتجاه مختلف جهات المملكة، وكذا نحو الخارج سعيا وراء الكسب الحلال.

   في رحلة على متن سيارة مهترئة انطلقت من إقليم اشتوكة ايت بها، ولم تتوقف إلا في القطر الليبي الشقيق. يصف الروائي أبو الصبر هذه المغامرة بأسلوب سهل ممتنع، وبلغة لا هي بالعالمة ولا بالغارقة في البساطة، ناقلا مشاهداته في أدق تفاصيلها، ومعايشته لنماذج بشرية مختلفة، بدءا بمواطنيه المغاربة، مرورا بالأشقاء الجزائريين، ثم التونسيين والليبيين، وذلك بطريقة تترفع عن القدح في السلبيات، وتعطي الإيجابيات بعدها الإنساني الذي ينهل من القيم الكونية الفضلى.

   هذا الأسلوب في السرد جعل الروائي رشيد أبو الصبر، الذي سبق أن صدر له عمل أدبي ضمن منشورات جامعة ابن زهر ـ أكادير، وهو عبارة عن ترجمة لرواية حول موضوع الهجرة، من توقيع الكاتبة الإسبانية كونتشا لوبث ساراسوا، وهي بعنوان” لماذا يجب أن أهاجر”، جعلت منه كاتبا متمرسا يتقن غواية الكتابة الروائية، التي تمزج بين استذكار الوقائع، وتقديمه ملفوفا في رداء الحكي الممتع الذي يجعل القارئ يسافر بخياله ليحيى بأحاسيسه الباطنية ما عاشه الكاتب من محن، ومن لحظات الفرج، ومن مواقف إنسانية.

   هذه الموهبة في الكتابة السردية استطاع رشيد أبو الصبر أن يكتسبها أيضا عبر سنين متتالية من الشغف بالقراءة، خاصة لإنتاجات أسماء ذات وزن عالمي في مجال الكتابة الروائية، كما قال في لقاء مع وكالة المغرب العربي للأنباء، والذي باح فيه أيضا بأن الكتابة الروائية في المغرب لا خوف عليها، لاسيما وأن الأقلام الناشئة في هذا الجنس الأدبي تتجدد وتتكاثر باستمرار، سواء في منطقة سوس ماسة، او على الصعيد الوطني، لتحمل بذلك المشعل الذي أناره كتاب مغاربة من ذوي الصيت العربي والعالمي، من أمثال محمد زفزاف، ومبارك ربيع، وأحمد المديني، وعبد الكريم غلاب، وغيرهم.

   لا يقتصر الإبداع الروائي لأبي الصبر على إبراز موهبته في مجال السرد السلس، وتطويع اللغة لرسم صور تعبيرية أخاذة، بل يتعداه أيضا إلى إتاحة الفرصة للقارئ للإطلالة على جوانب من الوقائع التاريخية التي طبعت المنطقة المغاربية في زمن مضى، كما هو الشأن بالنسبة لواقع الحياة في الجماهيرية الليبية إبان فترة حكم الرئيس الراحل معمر القذافي، حيث استطاع الكاتب أن يقدم هذا الواقع في حلة أدبية شيقة، يصعب استنباطها إلا إذا كان القارئ ملما بالوقائع السياسية التي طبعت المنطقة خلال عقود من الزمن.

   هذه الخلفية هي التي جعلت الكاتب يستحضر في رواية” جولة بين حارات المغرب الكبير” حدث التوقيع على اتفاقية تأسيس اتحاد المغرب العربي في شهر فبراير من سنة 1989، والتي اعتبر أنها بمثابة مبادرة لطي صفحة عقود من العلاقات التي عطلت انطلاقة قطار التنمية والتطور في المنطقة المغاربية.

   وقال الكاتب بخصوص تأسيس الاتحاد المغاربي” سيجد آلاف الشباب المغاربيين في هذه المبادرة التاريخية استقلالا لم يروه أبدا، وبديلا لجنة موعودة على الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط أغلقت عليهم ثغورها بعد أن أشبعتهم وآباءهم أصناف الاستعباد والمكابرة والاحتقار”.

   ويضيف” سيكون فتح الحدود إذا أمام المغاربيين مخرجا من عزلة طالتهم طويلا …وحقا طبيعيا في صلة الرحم وارتياد آفاق رحبة…فصار الحديث بقدرة قادر على قطار المغرب العربي، وحافلة المغرب العربي، وسيارة المغرب العربي، وحليب لحظة، وحلوى المقرود…”.

   هذا الحق/الرهان في ارتياد الآفاق الرحبة هو الذي ركبه الروائي غير مبال بما ستؤول إليه الأمور التي وقف على جانب من مرارتها بمجرد ما أقبل على اجتاز الحدود الشرقية لوطنه الأم. غير أنه بقي طيلة فترة اغترابه متشبثا بديدنين اثنين، أولهما الوفاء للاسم الذي يحمله “أبو الصبر” حيث بقي متسلحا بالصبر مما مكنه من تحدي الصعاب التي كادت تكون ملازمة له طيلة إقامته في بلاد المهجر. وثانيهما إخلاصه للمطالعة وللقلم الذي يسر له تدوين الوقائع الخام ل”جولة بين حارات المغرب الكبير” التي تغري بالقراءة. (ومع).


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading