خلف توزيع كتاب يحمل عنوان ” جهة سوس ماسة” في ندوة علمية نظمت يوم الخميس 15 مارس الماضي ردود فعل قوية من الغضب والاستنكار مباشرة بعد توزيعه على المشاركين في الندوة المذكورة بقاعة تابعة لولاية جهة سوس ماسة، حيث اكتشف المعنيون أن الكتاب فضيحة بكل المقاييس وخيبة أمل في حق الجهة وساكنتها لما تضمنه من معطيات مزيفة وقدحية وأخطاء فادحة وصور وتعليقات لا علاقة لها بالجهة، واستغرب المشاركون في الندوة من انجاز وطبع وشراء “كتاب” جل مواده منقولة من الانترنيت دون مراجعتها وتحيينها، رغم أن مقدمة الكتاب أشارت الى أنه صدر تحت اشراف لجنة علمية تضم أسماء نخبة من الجامعيين والأكاديميين.
وتعليقا على الكتاب الفضيحة قال الباحث والاستاذ الجامعي الحسين بويعقوبي في مقال سبق نشره على الموقع، “ككل الذين حضروا الندوة المنظمة من طرف المجلس الجهوي لسوس ماسة حول “الجهوية المتقدمة” حصلت على نسخة من الكتاب المخصص لجهة سوس ماسة في إطار سلسلة سميت ب”دفاتر الجهوية” تحت إشراف الأستاذ محمد عبد الرحمان برادة، وككل الذين اطلعوا على الكتاب داخل القاعة، أحسست بخيبة أمل كبيرة.”
وأوضح الباحث بويعقوبي “أن الكتاب على مستوى الشكل قسم منهجيا إلى عدة فصول، إلا أن القارئ سيحس أحيانا بأن العديد من الفقرات أقحمت في النص بدون الربط بينها وبين الفقرات السابقة أو اللاحقة وكأنها صيغت من طرف أشخاص مختلفين، فالانتقال من الحديث عن مدينة أكادير إلى الحديث عن تارودانت ثم طاطا تم بشكل فج وبدون روابط (ص.26 و27). كما أن العديد من المعلومات والنسب المئوية لا نعرف مصدرها بالضبط وأغلب المعلومات الواردة في الكتاب تعود لسنة 2013-2014 ولم يتم تحيينها، رغم أن الكتاب صدر سنة 2017. وفي غياب المصادر والمراجع فأغلب الظن أن معلومات كثيرة أخذت من الأنترنيت (عن الحاج بلعيد مثلا(ص.188)من ويكيبيديا.
وهكذا نجد ما كتب عن المؤرخ “علي صدقي أزايكو”، خطأ، (تافنكولت وايمي نتانوت ص. 184) هو نفسه الموجود في ويكيبيديا. أما على مستوى المضمون، يضيف بويعقوبي “فأن الكتاب تجاهل الأمازيغية وأصر على استعمال كلمة “البربرية” وهكذا تعمد الكتاب عدم ذكر كون 70 في المئة من سكان هذه الجهة يتحدثون اللغة الأمازيغية (تاشلحيت) حسب المندوبية السامية للتخطيط في إحصائها الأخير، وهو معطى ثقافي لا يمكن تجاهله أثناء الحديث عن ساكنة المنطقة خاصة وأن لهذه اللغة المستعملة بهذا المستوى دور أساسي في كل برنامج تنموي وفي كل خطوة لتفعيل الجهوية المتقدمة خاصة وأن دستور 2011 بوأها مكانة “لغة رسمية للدولة”.
ولا يمكن للقارئ أن لا ينتبه لإصرار مؤلفي الكتاب على استعمال كلمة “البربرية” مما جعلنا نشك إن كانت بعض فقرات الكتاب مأخوذة من مواقع الكترونية مشرقية (ص. 37 “القبائل البربرية”، ص68.”المنتوجات البربرية”، ص.79 “البربر اليهود”، ص. 167 “العرب والبربر”، كما أن عدم إلمام المؤلف (المؤلفين) بالأمازيغية دفعهم إلى تشويه كتابة الأسماء الأمازيغية بل إن بعض المعلومات التي يعرفها القاصي والداني قدمت مغلوطة، فزلزال أكادير حسب الكتاب وقع سنة 1962 (ص150) في حين يعرف الجميع أنه حدث سنة 1960. كما أن بعض الجمل المستعملة لا معنى لها وكمثال على ذلك “المدينة العتيقة بتيزنيت ومناطق الحماية” (ص.160) إضافة إلى تكرار ذكر بعض المعلومات التاريخية عن تزنيت و انزكان مثلا وعدم مراجعة المعلومات كتلك التي نسبت “تافنكولت” مكان ميلاد المؤرخ علي صدقي أزايكو لمركز “ايمي ن تانوت” (ص.184). وبما أن المؤلف لم يكلف نفسه عناء تحيين المعلومات فان الكتاب لا زال يتحدث عن مشروع المدينة الترفيهية “أكادير لاند” الذي لم يعد له وجودا (ص.176)”.
وفي نفس الاتجاه قال الفاعل الحقوقي “تجاني الهمزاوي” للجريدة أنه في بداية عهد الحماية صدرت العديد من الظهائر السلطانية التي تم بمقتضاها تحديد القبائل ذات العوائد البربرية. ومنذ نشأة “الحركة الوطنية” أصبح وصف بربري مرادفا للفتنة والتخلف والهمجية، “وعانينا نحن الأمرين من الاستعمال القدحي لهذه العبارة، وكنا نظن أنها ستنزوي للوراء بإقرار دستور 2011 الذي اعترف بـ “الأمازيغية”، ونتفاجأ في سنة 2018 أن كتابا يوزع في ندوة لمجلس جهة سوس ماسة مازال يستعمل نفس اللفظ القدحي لوصف سكان الجهة أي الكتلة الناخبة.”
وبغضّ النظر عن الأخطاء اللغوية والمطبعية التي لا تخلو منها أية صفحة من الكتاب، يضيف الهمزاوي، يمكن توجيه عدة ملاحظات وتقديم العديد من “الفضائح” الواردة في هذا المنشور،.وهكذا يتسم الكتاب من حيث الشكل بكثرة أخطاء اللغة والطبع وعشوائية في تقديم المحاور، وعلى مستوى المضمون تم استعمال قاموس عنصري وقدحي من قبيل البربر، لوصف سكان الجهة وتقديم معطيات مغلوطة، من قبيل تركز غابات أركان على ضفاف واد سوس، وعدم المعرفة بالواقع القانوني والسياسي للجهة، مثلا تقديم مشروع أكادير لاند الذي يواجه تحديات قانونية ومؤسساتية وتقديم الآلات الموسيقية لرقصة أحواش هي التار والتبل والناقوس. كما يلاحظ عدم التوازن بين كمية المعطيات المقدمة حسب أقاليم الجهة وغموض معايير اختيار النماذج المقدمة في الكتاب، لاسيما في الفرق الرياضية والجمعيات والمقاولات، وإقحام معطيات من خارج الجهة مثل منطقة “ميرلفت” التابعة لجهة كلميم، وإغفال معطيات مهمة من قبيل احتفالات بيلماون والسنة الأمازيغية، والكتاب يقدم الكثير من معطيات الجهة بالسطحية والتبسيط مثل ربط سيدي أحمد أوموسى بالألعاب البهلوانية، ويبقى السؤال الحارق، يؤكد الهمزاوي، هو من الذي اتخذ قرار إصدار هذا الكتاب أو اقتنائه؟ كم بلغت تكلفته ومن الذي أداها؟ وما موقف مجلس جهة سوس من مضامين الكتاب؟
كما أجمع جل الذين اطلعوا على الكتاب، واستمعت اليهم الجريدة، كون جهة سوس ماسة تستحق أفضل من هذا الكتاب وتتوفر جامعة ابن زهر على كفاءات علمية عارفة بالجهة وقادرة على أن تنجز موسوعة علمية حقيقية عن سوس إن توفرت لها نفس الإمكانات، كما علق أخرون، “هل هذا ما تستحقه منطقة سوس وأهلها من الجهوية المتقدمة؟”
ومن بين المعطيات التي حصلت عليها الجريدة من مصادرها أن الكتاب يندرج ضمن ما سمي بموسوعة الجهات التي تتضمن 12 جزء لصاحبها محمد عبد الرحمان برادة سبق أن قدمها لعاهل البلاد في ذكرى ميلاده 54، وهي من انتاج شركة خاصة ضمن سلسلة دفاتر الجهوية للمغرب التي يديرها المعني وتم تمويل السلسلة من المال العام.
التعليقات مغلقة.