صدر عن مطبعة الورود، غشت2017 ، كتاب “منحلة تادارت انزركي بايدا اوزيكي الأطلس الكبير ( الذات – الحقل الثقافي – التاريخ ) لمؤلفه عبد الله أزيكي، أستاذ التعليم الثانوي لمادة الفلسفة وعلم الاجتماع، وهو كاتب مقالات في الجرائد ( انوال والمنظمة والاتحاد الاشتراكي) له 3 كتب اخرى ” مسألة اليهود المغاربة ” سنة 2003 و” معجم بعض أعلام المغرب الحديث ” سنة 2011 و” المكون الثقافي والشخصية الاجتماعية ” سنة 2014 ، الكتاب يبحث في التقاليد الأمازيغية لإنتاج العسل.
وفي هذا الصدد قال الدكتور محمد حنداين في تقديم للكتاب أن مؤلف الاستاذ ازيكي عبدالله “منحلة تادارت انزركي” يعتبر فريد في موضوعه وفي مضمونه. وبذالك يشكل بالفعل تراكما معرفيا متميزا يضاف الى ما قام به العلامة محمد المختار السوسي في دراسته للمجتمع السوسي.
فالمؤلف عمد الى الاحاطة بالموضوع من كل الجوانب ابتداء بالطوبونيما والدلالة مرورا بالإطار التاريخي للمنطقة والجوانب الثقافية والمعمارية مركزا على علاقة الانسان الامازيغي بالنحل مستعرضا التعامل الطقوسي معه.
ان المؤلف شيق للغاية ولئن كان موضوعه منصب على منطقة محددة وعلى موضوع محدد وهو المنحلة، فان الموضوع يطرح مجموعة من التساؤلات ومجموعة من الملامسات البحثية استنبط طرقا حضارية راقية في خلق التسيير الذاتي، بعيدا عن عيون السلطة المركزية، محققا توازنا ايكولوجيا بين الانسان والطبيعة، محافظا على نظمها الايكولوجية انطلاقا من معارفه التقليدية وتجاربه الميدانية. ونتساءل مع المؤلف هل استطاعت هذه النظم ان تتكيف مع تيارات العولمة والتحضر المتوحش؟
وانا استمتع بقراءة بحث الاستاذ ازيكي، يقول حنداين، اتذكر بحثا اخر من نفس الطينة، وهو بحث جاك بيرك Jacque Berque حول قبيلة سكساوة الذي يناقش ويحلل نفس الظاهرة مع فروق منهجية وتحليلية. ظاهرة البنية الاجتماعية لمجتمع جبال درن (الاطلس الكبير الغربي). تلك البنية الاجتماعية التي تتأسس على قاعدة القبيلة المتماسكة والتي ساعدت هذا المجتمع على الحفاظ على ثقافته ولغته ونظمه الاجتماعية المتسمة بالتوازن بين المطالب الاستهلاكية للإنسان والتوازن الطبيعي. ذلك ان من خلال منحلة “انزركي” نلاحظ مدى هذا التوازن بين استمرار المنحلة عبر أزمنة وحقب تاريخية وبين استفادة الانسان الانزركي من منتوج النحل من العسل واعتباره سلعة تجارية تضمن له التسوق وشراء حاجيته من مواد اخرى دون استنزاف الثروة العسلية ودون ارهاق مجتمع النحل.
ان هذا التوازن، يضيف كاتب المقدمة، وهذه المعارف التقليدية هي التي يفتقدها المجتمع بجبل درن والمغرب بصفة عامة، مما يجعل الطبيعة تفقد توازنها انطلاقا من استنزاف الثروات الطبيعية ومن تم الاخلال بذللك التوازن الذي حافظ عليه الاجداد للأحفاد. وهو ما نلاحظه حاليا من استفحال ظاهرة التغيير المناخي وتدهور التنوع البيولوجي، مما اثر على المناحل في جبال درن باعتباره مصدر الثروة العسلية المتميزة للمغرب كله والمتسمة بجودته واصالته، فعسل الزعتر “تازوكنيت” معروف داخل المغرب وخارجه.
وأضاف محمد حنداين أن اختلال هذا التوازن اليوم بين الطبيعة والانسان هو الذي حدى بالمجتمع الدولي للاهتمام بالدور الفعال للمعارف التقليدية لحماية التنوع البيولوجي والتوازن الطبيعي، ومقاومة التغير المناخي، فاصدر عدة توصيات خلال مؤتمرات وقمم دولية سواء تلك المتعلقة بالتغير المناخي او تلك المتعلقة بالتنوع البيولوجي، توصي بالأخذ والرجوع الى المعارف التقليدية للسكان الاصليين قصد الحفاظ على التنوع البيولوجي ومقاومة التغير المناخي ، الذى اضحى مصدر تهديد للإنسان والكون.
لذالك فان مؤلف الاستاذ ازيكي يأتي في السياق المناسب ليدلنا على ان الاهتمام بمنحلة انزركي ما هو الا صيحة موجهة للباحثين والفاعلين الاجتماعيين والسياسيين على ضرورة الانتباه الى ضرورة حماية الثروة الطبيعية للمنطقة وللمغرب كله وذالك عبر الاهتمام بالإنسان وثقافته ومعارفه المتعلقة بالتعامل مع الطبيعة. وما أجمل وما أبلغ مثال علاقة الانسان بالنحل، يؤكد حنداين.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.