إعداد سعيد الهياق//
إن المثقف كائن حي يتأثر و يتفاعل مع قضايا محيطه كسائر الناس. و على مر العصور كان للمثقف دور بارز و أساسي في تغيير مجرى الأحداث. و تختلف قراءته للقضايا حسب تصوراته و قناعته و حسب تموقعه و بُعْد نظره.
و مع الأديب ابراهيم الافغاني أحد رواد الجيل الجديد في سؤال: ما هو دور المثقف المغربي في ظل تداعيات كورونا، الواقع و الآفاق المستقبلية…؟
” إنّ الحديث عن المثقف المغربي في ظل تداعیات کورونا، یدعونا بدایةً إلی إیلاء العنایة والتحلیل بکل کلمة کلمة، علّنا نصل في نهایة هذا الموضوع إلی المبتغی المنشود.
تاریخیّا، ذکر الدکتور بوسریف أنّ لفظ المثقف بمفهومه الحالي لم یکن موجودًا، ولو بحثنا عن اللفظة بالثقافة العربیة، فسنجدها مرتبطة بالفقیه الذي کان له السّبق في لعب هذا الدور اجتماعیا، وتفاعله مع قضایا المجتمع، توجیهًا، وتربيةً، وتنویرًا أیضًا.
لفظُ المثقف الذي سیظهر فیما بعد بالعصر الحدیث کمفهوم جدید، خاصّة في قضیة أحد الضباط الذین اتهموا بالخیانة بالجیش الفرنسي، لکونه من أصول یهودیة، حیث ظهر المثقّف( إمیل زولا ) بمقاله الشهیر الذي عنونه ب J’accuse، وفیه أعاد الاعتبار للضابط، وخلق نقاشا ثقافيا حول قضیة معینة، فأصبح للمثقف وجود، وبدأ یتدخل في القضایا الاجتماعیة والسیاسیة والاقتصادیة .
ومعرض الحدیث عن هذه القضیة بالضبط جاء من کون فرنسا هي المرجع الذي نحتکم إلیه غالبا بالمغرب، بحکم القرب الجغرافي، وأیضا اللغة الثانیة التي نستعملها لاستشراف هذا الافق الثقافي الجدید.
نصل الان للحدیث عن المثقف(المغربي)..ففي المغرب، تاریخ الحرکة الوطنیة أبان عن عدد من المثقفین الذین تزعموا المشهد، وکان لهم تأثیر في القضایا التي تهم الوطن بنظرة ثقافیة، نذکر هنا علال الفاسي، عبد الله ابراهیم القادم من جامعة صربون، وهو الذي عاشر کبار المثقفین، دون أن ننسی العالم المختار السوسی، عابد الجابري ، عبد الله العروي.. وغیرهم.
وإذا کان مفهوم المثقف بمعناه العام یعني ذاک الذي بلغ غایة في الذوق والتهذیب الادبي والفکري، فمن وجهة نظري الشخصیة، فأنا أری أن المثقف لا یکتمل وجوده إلا بتحقق شرطین أساسیین:
— الاول ، أن یکون صاحب تحلیل عقلاني وعلمي.
— ثانیا، أن یخرج من قوقعته، وتجاربه ، ویتجاوز کل هذا إلی اتخاذ موقف ذا قیمة في القضایا العامة.
لذلک فالمثقف الذي یترفع عن المواقف، ویتظاهر بالثقافة عبر التحلیق فوق هذه المواقف، فهو إنسان یدّعي الثقافة فقط .
واقع الثقافة الیوم، وما یعرفه العالم من تغییرات کبری، جعل المثقف منعزلا في ظل طغیان وساٸل التکنولوجیا واتساع داٸرة المعلومات ..
وفي ظل أزمة بحجم کورونا، تفرض الیوم علی المثقف أن یکون عُضویا، بمعنی أن یکون له ارتباط بهذه القضیة التي تٶرق بال الوطن ، یوظف تجاربه وتحلیله بکل إخلاص لیساهم ولو بالقلیل في بعث الثقة، ویتفاعل مع الشعب باعتباره فردا وجزءا منه..
ربما یظهر المثقف وسط هذه الأزمة علی أنه في محنة، محنَةَ إثبات أنّ له من الکفاءة ما یساعد به الوطن، ولکن أنا أقول أن المثقف المغربي الیوم هو فقط في امتحان ولیس محنة، فلو سلّمنا بالمحنة بطُل الکلام وانتهی الدور، لذلک إنما هو الیوم في امتحان ونأمل أن یخرج منه منتصرًا، ویعود للصدارة والتوهج في ظلّ اندحار التّفاهة، وسقوطها في جبّ النسیان ”
الأديب ابراهيم الافغاني
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.