لكل الشعوب والمجتمعات أعياد ومناسبات تستمد من تاريخيه وتحتفي بأمجاده وتذكره بملامحه وبسالة وشجاعة أبطاله , وكل الشعوب تدرك قيمة الذكرى وقيمة الإحتفاء بالماضي الماجد .
ليس فقط من باب الظهور بمظهر القوة الإجلال والعراقة امام الأخرين لكن لضرورة سيكولوجية مرتبطة بالشعب نفسه, ومما لا شك فيه أن الحاجة التي ساقت الإنسان إلى ابتكار العديد من الممارسات واكتشاف بعض أسرار استمرارية الحياة داخل الجماعة، جعلت العديد من المجتمعات كل حسب قدرته تسهم في مجال البناء والرقي الحضاري، الذي أصبح يشكل اليوم موروثا إنسانيا. غنيا منه يستمد اي شعب وجوده وكينونته، والشعب الأمزيغي بشمال إيفريقيا ككل الشعوب يحتفي كل سنة ب” إيض إيناير” كيوم قومي ويندرج هذا ضمن الحضارة الأمازيغية ٬ التي عمرت لقرون، إذ مازال المجتمع المغربي على وجه الخصوص يزخر بتجليات شتى للعديد من الأنشطة التي مارسها الإنسان الأمازيغي في هذه الرقعة المنتمية مجاليا وجغرافيا إلى شمال أفريقيا.
وشكلت هذه الممارسات عرفا متوارثا عبر الأجيال يكتنزها الاجداد للأحفاد، واستطاعت في الوقت الراهن أن تنصهر في صلب التشكيلة المركبة للمجتمع المغربي، إلا إن بعض الجهات وللأسف الشديد تصر على إظهار هذا الإحتفال بالمضهر الطقوسي تارة والفولكلوري تارة آخرى، في محاولة لإفراغ هذه المناسبة من إي حمولة سياسية أو حضارية، ولهذا السبب ترفض إعلان يوم رأس السنة الأمزيغية عيدا رسميا وعطلة رسميا كغيره من من الأعياد من قبيل رأس السنة الميلادية وفاتح محرم الهجري دون أي سبب واضح، أما إيمازيغين اليوم فلابد لهم من الإنتقال بهده الممارسة الإحتفاليية المحضة إلى ممارسة مؤطرة بالوعي، ممارسة تتخذ بعين الإعتبارالحمولية الحضارية لهذا الشعب والحمولة التاريخية العريقة لهذه الحضارة الضاربة في عمق التاريخ.
أنا لنا ونحن نخلد كل سنة هذا الإحتفال أن نقف وقفة تأمل مع الذات ونتساءل عن الطريقة التي يجب أن يوظف بها هذا الإحتفال ماذا نريد من الإحتفال والتخليد .وكيف يمكن استثمار هذا اليوم في خدمة إيمازيغن في زمن العولمة زمن التورات والإنتفاضات، في اعتقادي المتواضع ” إيض ن إيناير “فرصة لترسيخ قيم “توزي” التسامح وثقافة الإختلاف، إذ ما معنى أن لكل شعب أعياد خاصة إلا اختلاف مشاريب وتواريخ هذه الشعوب، الإنسانية اليوم بحاجة أكثرمن أي وقت مضى إلى ترسيخ قيم وثقافة الإختلاف وإيمزيغن عاشوا طويلا مشاركين أرضهم مع شعوب آخرى مع اليونانين والفنقين والرومان والعرب ، ومازالوا على استعداد لتعايش مع أي كان وهم كما قال عنهم “شارل دي فوكو”: لا يخشون الا جانب لانهم مختلفون ولكن يخشون ويحاربون الغزات منهم .
إنها قيم الأممية بشكلها البدائي ونحن لانقول أن إيمزيغن عرفوا قمة العصرنة والتمدن ولكن نقول أن الاعتزاز الغريزي للإختلاف كان دائما من شيهم . فكيف يمكن إعادة الاعتبار لهذا الشعب ولتاريخه ولتقويمه؟ ولإنصاق التاريخ يجب أن ندحض فكرة من يصر على مقاربة “إيض ن إناير” كمضهر كرنفالي فلكلوري ، وأن مايجب أن يكون هو أن يوضع في سياقه التاريخي الحقيقي وسياقه السياسي ، فمعنى أن يتم الإحتفال بهذا اليوم هو أن شمال إيفريقيا لها تاريخ آبعد بكثير مما يتصور لنا أبعد من ميلاد المسيح وأبعد كذلك من الهجرة النبوية.
أما الذين يسعون إلى شيطنة الاحتفال برأس السنة الأمازيغية، واعتباره منافيا للدين والشرع فغرضهم واضح وجلي، وقصدهم من هذا الحكم القيمي هو إماتة الأمازيغية وحضرها في نسق فرجوي فولكلوري، ومحاربة كل تمظهراتها، وهو مسعى قديم أرادوا تجديده بزيادة الوعي الأمازيغي بهذا الحدث وقد سبقهم إلى هذا كثيرون ، هذا مثال من ضمن امثلة عديدة اخرى تاكد ان معظم ما تفوه به “جهال الدين” لم يكن وحيا ولا علما، ولا نابعا من فرط الايمان بقدر ما كان نابعا من الاهواء والهواجس الشخصية التي تم اسقاطها على الجميع وصبغها بالطابع الديني، مع ان الدين منها براء.
ومعلوم أن مثل هذه الأمور ا يدخل في مساحة المباحات ولا علاقة له بالحلية أو الحرمة، اصلاوتقييد الحلال والحرام خاضع لنصوص قطعية الثبوت، ومؤطرة كذلك بالوعي الاجتماعي والاعراف والذوق والقانون، ومن يتفحص ويطلع على كتب النوازل الفقيه وكتب التاريخ الاجتماعي سيرى كيف أن أهل المغرب يحتفلون بإيناير دون أن يثير ذلك أية شبهة أو أيتصدى له أحد، ومن يطلع على مجموع النوازل للونشريسي سيقف بجلاء أمام هذا الأمر الذي استحسنه كل من يتصدى للنوازل التي أتت في هذا السياق، في المحصلة أن من يقولون بهذا الرأي لا يملكون أدلة تاريخية مادية و لا ادلة كتابية نصوصية. و لذلك يعمدون الى التشويش عن طريق استخدام طريقة اصحاب القذف والتحريم والشيطنة لتجريد الامازيغ من تاريخهم ومحو حضارتهم الضاربة في عمق التاريخ.
التعليقات مغلقة.