إعادة قراءة لما جرى في الكركرات: الواقعة التي تؤرخ لنهاية البوليزاريو
أزول بريس – ادكـــروم الحــــسن //
لقد ضلت الجزائر تحيك المناورة تلو الأخرى لعرقلة مجهودات المغرب لاستكمال وحدته الترابية في الصحراء، بالرغم من ادعائها أحيانا أن لا أطماع لها في الصحراء وهو الأمر الذي افتضح مباشرة بعد المسيرة الخضراء في نونبر 1975
بعد إغلاق معبر الكركرات الذي يربط بين موريتانيا جنوب الصحراء المغربية من طرف مليشيات البوليساريو لحوالي ثلاث أسابيع … تدخلت قوات من الجيش المغربي لإعادة فتحه وتأمينه بعد فرار الشرذمة التي كانت تعتصم فيه، وتمت عملية تطهير الطريق وتنقيتها فانسابت حركة مرور الشاحنات والسيارات، تنقل البضائع والأشخاص كما جرت العادة بدلك.
غير أن الأمور لم تكن كذلك على المستوى السياسي والعسكري والدبلوماسي إذ مباشرة وعلى اثر تدخل الجيش المغربي الأمني والسلمي لفتح المعبر، انبرت قيادات البوليساريو وما يسمى بالجمهورية الصحراوية إلى إصدار قرارات تتمحور حول إعلان الحرب رسميا من على ارض الشقيقة الجزائر !!!، بدعوى أن المغرب قد خرق قرار وقف إطلاق النار والموقعة سنة 1991 ،وذلك بدخوله إلى المناطق العازلة الموجودة بين الجدار الأمني وحدود الدول المجاورة (موريتانيا والجزائر) متجاهلة بصفاقة ووقاحة أنها ظلت ولمدة طويلة من الزمن تعربد وتعبث في تلك المناطق (خصوصا بتفاريتي) بالرغم من تنبيهات وتحذيرات هيئات الأمم المتحدة (الأمانة العامة /مجلس لأمن/المينورسو…) وذلك في العديد من المناسبات .
وقد تجاوزت الأمور هذا المستوى، بشروع ما يسمى “بالجيش الشعبي الصحراوي” في إصدار بلاغات عسكرية، عن عمليات حربية وهمية تقوم بها مجموعاته ضد وحدات الجيش المغربي الرابضة في مواقعها على الجدار الأمني … وخروج قيادات البوليساريو بتصريحات حربية عدوانية على مختلف المنصات الإعلامية …وتزامن ذلك مع إطلاق حملة تحريض واسعة لبعض أتباعها في مدن الصحراء المغربية لقيام بأعمال شغب …والتهديد أحيانا بقيامها بعمليات إرهابية على طول المملكة المغربية…
والأدهى والأمر من كل ما سبق أن المجموعة الانفصالية لم تقم بإعلان الحرب على المغرب من على أرض الجزائر الشقيقة فحسب، بل ووجدت مباشرة من طرف هذه الأخيرة كل وسائل الدعم المعنوي والمادي. فالي جانب قيامها بإصدار مواقف رسمية وتصريحات متنوعة تدعم من خلالها الانفصاليين في كل ما يصدر عنهم، واعتبار المغرب هو المذنب والسباق إلى إعلان الحرب، قامت بمجموعة من الحركات والسلوكيات ترسل من خلالها تهديدات مبطنة أحيانا وصريحة أخرى للمغرب …في نفس الوقت الذي اوعزت فيه الى وسائلها الإعلامية المباشرة والموازية لشن هجمة شعواء على المغرب …
إن كل ما سبق وغيره، سواء من طرف المجموعة الانفصالية أو من طرف الدولة الجزائرية، يفرض على كل معني بما يجري أو ملاحظ متتبع للأمور طرح مجموعة من التساؤلات عما جرى، وعن المالات والسيناريوهات المحتمل تمخضها، عن التفاعلات القائمة والآتية من مثل: هل يعتبر ما أقدمت عليه المجموعة الانفصالية باحتلالها للمعبر، تم إعلانها التحلل من اتفاق وقف إطلاق النار لسنة 1991 وإعلان الشروع في الحرب، قرارات خاصة بها، اتخذتها بشكل مستقل؟ أم أن الأمر يتعلق بتخطيط جزائري محض ليست البوليساريو سوى اداة طيعة ومنفذة له؟ وإذا كان الأمر كذلك، هل وقع المغرب في فخ الاستفزاز الجزائري –الانفصالي؟و من تم هل كان من الممكن التعامل مع الأمر بطريقة مختلفة؟ – تم ما هي الخلفيات وراء الدفع بالأمور نحو هذا الاتجاه؟ وهل يمكن أن تنفلت الأمور إلى مالا تحمد عقباه، كأن يتورط الجميع في حرب شعواء تحمل معها الدمار للمنطقة ككل، وقد تمس جانب شمال وغرب إفريقيا، وبلدان أوربية قريبة كذلك؟
إن التصرف السياسي العسكري السليم يجب أن ينبني على تحليل مختلف جوانب الواقع والعمل على إمساك الخيط الرابط الحاسم بين مختلف تمظهرات تفاعلاته المؤثرة.
وللاقتراب من تحقيق ذلك لابد من البحث في التساؤلات التالية: أصلا ما هي الاسباب التي جعلت المجموعة الانفصالية تلجأ إلى إغلاق معبر الكركرات؟ وما هي خلفيات الموقف والاختيار الجزائري (صاحبة القرار الفعلية)؟
البوليساريو اداة عملية لتنفييد خطط الطغمة العسكرية الحاكمة في الجزائر
من حيث علاقة البوليساريو بالدولة الجزائرية، فلا يمكن لعاقل دو إلمام ولو أولي بالأمور السياسية أن يقبل بالادعاء اللامنطقي، القائل بان القيادة الانفصالية لها ولو ادني مستوى من الاستقلالية على مستوى اتخاذ القرار السياسي أو غيره من الأمور المتعلقة بمختلف أنشطتها وتدخلاتها (حتى ذات الطابع الرياضي!)، فكل شيء كما تشهد ألاف المعطيات وشهادات الباحثين والمطلعين والمختصين، يفيد أن القيادات الصحراوية لا يمكن أن تتحرك إلا تحت توجيهات وتعاليم السلطات الجزائرية –الراعية …
إنها المسألة التي استطاع أغلبية الرعيل الأول من قادة البوليساريو الوعي بها والتي عبر عنها القائد الكاريزمي (والروحي) للبوليساريو” الوالي مصطفى السيد” حين اسر لرفاقه قولته الشهيرة: «لقد أجرمنا في حق شعبنا «، ويعتبر العديد ممن كانوا قريبين منه أن مقتله الغادر في معركة ضد موريتانيا في سنة 1976. (حيث أصيب بطلق ناري من الخلف من طرف جندي جزائري مكلف أو أحد عملائهم من البوليساريو نفسها) هو نتاج وعيه المبكر، بأن ما كان يجري هو محاولة توظيفه …. وفي حين رجع اغلب القادة المؤسسين البارزين من رفاقه إلى ارض الوطن فقد ظل اغلب الباقين يعيشون تحت مراقبة مستمرة من المخابرات الجزائرية باستثناء الذين باعوا أنفسهم للشيطان …
إن ما تقدم يفرض علينا حين نتصدى للموضوع الذي نحن بصدد مناقشته أن نأخذ بعين الاعتبار في نفس الوقت مختلف المعطيات، سواء التي تمس دولة الجزائر في علاقتها بالمغرب وموقعها الإقليمي، وبارتباط مع ذلك ما يتعلق بموضوع الصحراء المغربية والتدافع المرتبط بها محليا وفي الميدان، وعلى مستوى المنتظم الدولي.
ونظرا لشساعة الموضوع وتفرعاته، فإننا أحيانا نشير إلى مجموعة من القضايا دون التوسع فيها، وبوسع القارئ الكريم أن يعتمد في ذلك على المراجع المتاحة بوفرة خصوصا عبر الانترنت.
أطماع قادة الجزائر الفعلية والدوافع الحقيقية لسلوكهم إزاء قضية الصحراء المغربية
من خلال البحث والتقصي نستخلص أن مطامع الجزائر في الصحراء تحركها بواعث نفسية –اقتصادية – جيوسياسية.
فقد ظل قادة الجزائر وجزء هام من نخبته السياسية و العسكرية، تعتقد أنها وشعبها متميزة ولها أفضلية، على بقية الشعوب والبلدان المجاورة (وغيرها) باعتبارها صاحبة ثورة المليون ونصف مليون شهيد، وذات منزع ثوري وتحرري في سياستها ومواقفها العالمية …الخ تدعم جميع حركات التحرر العالمية …ماديا ومعنويا وفي جميع المنتديات العالمية. وفي مرحلة طويلة اعتبرت نفسها تقدمية –اشتراكية والدول المجاورة لها دول محافظة ورجعية ومرتبطة بالاستعمار في سياستها …لهذا ما انفكت تناهضها أحيانا صراحة وفي الغالب بأساليب ملتوية وسرية …(وتعمل على مساعدة قوى انقلابية موالية لها للإطاحة بها…)
وانطلاقا مما سبق اعتبر جل قادتها، وبمختلف نخبهم، أن الجزائر هي القوة الإقليمية الأولى في المنطقة، والدول الأخرى يجب أن تخنع لإرادتها على جميع المستويات …وما كرس لديهم هذا الوهم هو المساحة الكبرى جدا للجزائر، وتوفرها على ثروات طاقية مهمة جدا (البترول والغاز) وكذا معدنية، والى جانب موقعها الجغرافي ….
والى جانب استيلاءها الواضح على جزء مهم من ارض المغرب في الصحراء الشرقية (تندوف/كولوم بشار….؟)والذي حاول المغرب أن يتجاوز الأمر بإرادة لتحقيق عمل وحدوي في إطار (اتحاد المغرب الكبير ) ما انفكت الجزائر تتطلع إلى ممر خاص بها إلى المحيط الأطلسي من خلاله تقطع الطريق عن امتدادا المغرب الإفريقي ، ويشكل لها مصلحة اقتصادية ضخمة (تصدير مواد طاقية ومعدنية خاصة الحديد …) وجيوبوليتيكية حيث سيعزز موقعها تجاه قوى العالم الكبرى (روسيا – أمريكا – فرنسا …) وهيمنتها على دول إقليم غرب شمال إفريقيا (وكذلك دول الساحل والصحراء ).
في هدا الإطار نفهم سبب استماتة الجزائر في الحيلولة دون استرجاع المغرب لصحرائه المستعمرة ،ولقد تم ذلك حتى قبل تشكيل البوليساريو في الزويرات شمال موريتانيا في مايو 1973 – والإعلان عن الجمهورية الصحراوية الوهمية في فبراير 1976 لقد ضلت الجزائر تحيك المناورة تلو الأخرى لعرقلة مجهودات المغرب لاستكمال وحدته الترابية في الصحراء، بالرغم من ادعائها أحيانا أن لا أطماع لها في الصحراء وهو الأمر الذي افتضح مباشرة بعد المسيرة الخضراء في نونبر 1975 ، حيث تولت زمام الأمر في كل ما يتعلق بسلوك البوليساريو وجمهوريته … ومحاولتها الهيمنة على القرار السياسي الموريتاني ، وتدخلها ودعمها للانقلاب على بندادا سنة 1978 ،وضغطها عل موريتانيا لعقد اتفاق مع البوليساريو تتنازل بموجبه على وادي الذهب لمصلحة سيادة هذه الأخيرة عليه سنة 1979 .وفي هذا الإطار يشكل الموقف الشجاع السريع للمغرب بالدخول إلى وادي الذهب ارتباطا ببيعة قبائله للملك ضربة موجعة لازالت الجزائر تتجرع مرارتها كحلم موءود ،ستعود الجزائر في 2002 لمحاولة تحقيقه بقبولها اقتراح “جميس بيكر” أطروحة الحل” بتقسيم الصحراء” بين المغرب والبوليساريو حيث رحبت به الجزائر بسرعة رغما عن انف البوليساريو، لانه يتنافى مطلقا مع ادعاءاتها الاديولوجية .
طموحات الجزائر ظلت بعد ذلك تتمحور حول إجراء استفتاء في الصحراء، يتم لمصلحة البوليساريو، حتى تحكم دولة هذه الأخيرة الصحراء وتكون تحت وصاية الجزائر مما سيجعلها تحقق أطماعها …
لقد عملت أكثر ما في وسعها … فلقد صرف قادة الجزائر جزء ضخما من مداخل بلدها في تمويل البوليساريو بمختلف أنواع الأسلحة …وشراء أصوات دول عديدة من إفريقيا وأمريكا اللاتينية لدعم الكيان الصحراوي الوهمي في المحافل الدولية ،ففرضته كعضو في منظمة الوحدة الإفريقية ،ومولت لوبيات دولية ،وقدمت عمولات وشراء أسلحة ضخمة لها من دول كبرى لضمان التصويت على البوليساريو في هذا المحفل أو ذلك.
المغرب يفرض نفسه كقوة اقليمية مؤهلة لنهضة تنموية نموذجية
غير أن كل ذلك لم يفلح في عرقلة المغرب الذي استطاع أن يحقق تقدما مهما على جميع المستويات، الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية، وجعله يتبوأ مكانة مهمة مشهود لها من خلال انجازات هيكلية غلى مستوى الدولة ومؤسساتها وكذلك على المستوى التشريعي، توازى مع انجازات هيكلية ذات طابع اقتصادي واجتماعي … أصبحت تؤهله لتحقيق قفزة نوعية تنموية مهمة قوّت من إشعاعه الإقليمي – الجهوي – الدولي ففرض مكانته على المستوى الدبلوماسي والجيوبوليتيكي …
هذا التطور الذي تعمق في العقدين الأخيرين ارتبط على مستوى القضية الوطنية الأولى ،قضية استكمال الوحدة الترابية …بطرح مقترح الحكم الذاتي ، وإقناع أغلبية الدول التي اعترفت بما يسمى الجمهورية الصحراوية في مرحلة اولى بسحب اعترافها ..وتم ضمنها رجوعه المظفر إلى الاتحاد الإفريقي، وتحقيق اختراق حاسم على مستوى الهيئات الإفريقية الجهوية وكذا القارية ، وذلك في إطار دبلوماسية هجومية مبادرة تحث التوجيه والقيادة الفعلية لجلالة الملك محمد السادس …مما جعل المغرب يكتسب مكانة جد محترمة لدى جل دول العالم وهيئاته الموازية (مساهمة المغرب في المفاوضات الليبية –الليبية في مقاومة الإرهاب الدولي وفي الساحل والصحراء …)
هذا الواقع جعل المغرب يحتل مركز الصدارة والجدب لقوى دولية كبرى (الصين – روسيا – أمريكا) وعمق اهتمام وتعامل أكثر جدية لبلدان أخرى (فرنسا / اسبانيا …)كبوابة محورية نحو إفريقيا …عززها المكانة الإشعاعية الروحية – الدينية للمغرب إفريقيا وكذا مبادراته الاقتصادية الرائدة ،حيث يعتبر اكبر مستثمر إفريقي في إفريقيا ،من خلال مجموعة من المؤسسات المالية ، والاقتصادية …
وبارتباط بكل ما سبق دشنت الدولة المغربية في إطار مشروعها الديمقراطي الحداثي خطة هيكلية وتنموية ناجحة على مستوى أقاليمها الصحراوية المسترجعة وذلك من جهة الشروع في تطبيق الجهوية المتقدمة مؤسساتيا وفي جهة أخرى في إطلاق خطة تنموية نموذجية في الصحراء سنة 2015 ،مما جعل جهاتها وأقاليمها ومدنها تعرف زخما ونهضة شهد بأهميتها ونجاحها كل من اطلع على منجزاتها حتى ممن كانت لديهم نظرة عدائية تجاه المغرب وقضاياها العادلة …وقد ارتبط كل ذلك بترسيم حدود المغرب البحرية ،تضمنت تعديلات اهمها ادخال المياه المقابلة لسواحل الصحراء ضمن المنظومة القانونية المغربية
ومن النتائج البارزة لتفاعل هذه المبادرات والمنجزات المحققة في المغرب، انتصار للأمم المتحدة ومجلس الامن لموقف المغرب، باعتبار تجاوزها لاختيار الاستفتاء، واقتناعها والدفع بإمكانية تحقيق حل سياسي متوافق عليه عبر التفاوض، انطلاقا من مقترح الحكم الذاتي المغربي كمقترح واقعي وجدي ودو مصداقية …
ولقد تكرس هذا الاختيار البين في تقارير ومقررات الأمانة العامة للجمعية العامة للأمم المتحدة ، ومجلس الأمن ،مقرونا بمواقف أخرى مهمة كاعتبار الجزائر (إلى جانب موريتانيا) دولة معنية ومسؤولة مباشرة ومعنية بشكل الحسم بالمفاوضات حول الموضوع …إلى جانب الدعوة المستمرة إلى إحصاء ساكنة مخيم الرابوني بتندوف ….وكذلك التنبيه واستنكار التجاوزات والخروقات العسكرية لشرذمة البوليساريو في المنطقة العازلة …”وتسجيل ” الوضع الهادئ في الاقاليم الصحراوية المعنية ، على عكس ما تطبل له الشرذمة الانفصالية …بغاية إحداث تغيير في مهام المينورسو بإضافة مهمة مراقبة حقوق الإنسان …
إضافة إلى كل ما سبق، بقاء موقع الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة المكلف بالإشراف على المينورسو بعد استقالة الألماني “كوهلر” نتيجة مرضه، فارغا لحوالي سنة ونصف …مما يعني في الأعراف الدبلوماسية الإقرار بهدوء الأوضاع وغياب ما يدعو إلى الاستعجال … نفهم لماذا جن جنون شرذمة الانفصاليين وهيأ شروط اندفاعهم لاحتلال معبر الكركرات …
فالأمر بالنسبة لهم يتعلق بالضغط على الأمين العام للأمم المتحدة وعلى مجلس الأمن … حتى تأتي قراراته منسجمة مع مطامحهم، فقطعهم لطريق المعبر، ابتدأ من 21 أكتوبر 2020اي الفترة التمهيدية لاجتماع مجلس الأمن الحاسم يوم 30 أكتوبر 2020 يدخل في هذا الإطار.
غير أن الأمر في منظور أسيادهم أصحاب القرار حقيقة، وهم الطغمة العسكرية الحاكمة المعزولة بالجزائر له أبعاد متعددة، فهو يريد إفراغ المبادرات والانتصارات والمنجزات المختلفة التي أشرنا إلى أهمها أعلاه في مضمونها، خصوصا، البعد التنموي /المؤسسي / الدبلوماسي. المرتبط جوهريا بالموقع الجيوبوليتيكي المغربي كبوابة إلى إفريقيا الغربية خاصة، وإفريقيا برمتها بشكل عام …
الغرض الجوهري للنظام الجزائري من جهة خنق المغرب … ومن جهة اخرى التنفيس عن الوضع الجزائري الداخلي الذي يعيش في قمة أزمته …الشعب الجزائري بكافة فئاته في قمة حراكه، وانتخابات رئاسية مزورة – ومقاطعة …، تليها انتخابات فاشلة حول الدستور (مشاركة حوالي 23 في المئة من القوى الناخبة) تؤكد رفض الشعب أصلا للرئيس صاحب الدستور…
وبالرغم من وباء كورونا وتأثيره السلبي على هذا الحراك، فشعلته لازالت مستمرة، يعمقها التناحرات بين الاطراف الحاكمة (إعادة محاكمات المسؤولين …) وانعكاس ذلك على القرارات المصيرية لدولة الجزائر.
وبارتباط مع كل ذلك محاولة التخلص من عبء المخيمات بتصديرها إلى المناطق المعزولة. لان القادة الجزائريين يعرفون أن التاريخ لن يرحمهم وأنهم سيحاكمون يوما ما على ما اقترفوه من جرائم بخلق مشاكل مدمرة، كان يمكن ان تكون قضاياها منطلق تعاون وإخوة وتقدم هائل لشعوب المغرب الكبير.
شبه اجماع دولي على دعم الموقف المغربي
من كل ما سبق نستخلص ان شرذمة البوليساريو المغرر بها كانت تستهدف بالأساس من محاولة اغلاق المعبر فرض الامر الواقع وفي نفس الوقت جس نبض ردود فعل المغرب والمنتظم الدولي …وبالنسبة للجزائر صاحبة القرار فإنها كانت تستهدف افشال مختلف المشاريع المغربية المرتبطة بتنمية الاقاليم وتكريس انتصارها الديبلوماسي فيما يتعلق بوحدته الترابية وكذا اسقاط المشاريع ذات البعد الافريقي التي يحتل فيها معبر الكركرات موقعا مركزيا…
في هذا الإطار جاءت ضربة المعلم التي قام بها المغرب بواسطة المؤسسة العسكرية تحت قيادة جلالة الملك …حيث بادرت وبشكل فاجأ الجميع، إلى القيام بعملية أمنية في منتهى الإحكام والدقة، بموجبها أخلت المعتصمين من المعبر والذين فروا مذعورين ولم يتم أثناء ذلك أي احتكاك بهم فبالأحرى التصادم معهم …وأعادت الأمور إلى نصابها، بل أكثر من ذلك أمنت المنطقة بكاملها وشرعت في تعبيد الطريق مع ضمان كل الشروط الأمنية المتطلبة.
وبطبيعة الحال فمباشرة بعد تدخل الجيش الملكي لإعادة الأمور إلى مجراها الطبيعي المتمثل أساسا في ضمان حرية وتنقل البضائع والأشخاص، مع تكريس الوجود اللوجستيكي للقوات المسلحة بالمنطقة … أعلنت البوليساريو ودولتها تحللها من اتفاقية إطلاق النار 1991، واعتبار نفسها في حالة حرب متبعة ذلك بحملة شعواء من التصريحات والتهديدات والأخبار الكاذبة مسنودة في كل ذلك بقيادة الدولة الجزائرية من مواقع مختلفة …
غير أن ما شكل صدمة قوية ومفاجأة أكثر للدولة الجزائرية ولصنيعتها الحملة الدولية الواسعة المدعمة لموقف وإجراءات المغرب، والتي شملت أغلبية الدول العربية، وعددا مهما من الدول الإفريقية، ودول أوربية وأمريكية اللاتينية …بالإضافة لهيئات قارية وجهوية (الأمانة العامة لمنضمة المؤتمر الإسلامي / البرلمان العربي / المحكمة الدولية للوساطة والتحكيم) …
هذا الأمر أوقع الجزائر وصنيعتها في عزلة قاتلة جعلها تفقد توازنها وتفقد البوصلة فيما يصدر عنها من ردود الفعل أبرزها، تمرير شريط وثائقي عبر قنواتها الرسمية حول أسلحة متطورة تمتلكها خصوصا صاروخ “اسكندر الروسي ” مرفقا بتعاليق وتصريحات مسؤولين كبار في الدولة يحمل تهديدات منحطة مبطنة للمغرب. (مدته 20 دقيقة)
السيناريوهات المحتملة للتوتر الناتج عن قضية معبر الكركرات
في نظرنا ما يقع في معبر الكركرات حدث مفصلي فيما يتعلق بقضية أقاليمنا الصحراوية المسترجعة، وذلك إن ما سيتولد عنه وينفتح عليه امورا كثيرا مستجدة ستقطع مع ما كان يحصل قبل ذلك:
- فلن يعود من مستطاع شرذمة المنفصلين العربدة على أساس أوهام بئيسة تستند إلى اعتبار المناطق العازلة هي مناطق محررة، (في تفاريتي – المحبس –بئر الحلو –مجك – الكركرات :شرقها البحر غربها…). وما دامت قد أعلنت الحرب، فيجب التصدي لمناوشاتها بقوة وحزم ووضع حد لادعاءاتها بالنسبة لهذا الأمر،
- لم يعد هناك مبرر قانوني وواقعي لوجود هيئة المينورسو (هيئة الأمم المتحدة للإشراف على الاستفتاء بالصحراء …) فمشروع الاستفتاء كصيغة لتحقيق تقرير المصير تم تجاوزها في مختلف النواحي، فمقررات وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن استبعدت ولعدة سنوات اختيار الاستفتاء، وأصبحت تتحدث عن حل سياسي واقعي دائم ومتفاوض عليه بشكل منطقي مقترح الحكم الذاتي المغربي الأرض ذا الجدية والمصداقية للانطلاق نحوه.
غير أن هذه الأمور ترتبط بعدة تحديات:
- المغرب لا يقصي أحد إذ يجب أن يربط تقدم ونهضة تنموية، وتنزيل مشروعه الحداثي في كلتيه …بالانفتاح الايجابي على الإخوة على جيرانه والأقربين ونعني بذلك دول المغرب العربي الكبير (ليبيا – تونس – الجزائر-موريتانيا) بتوحيد الجهود والعمل المشترك والتضامن معززين بذلك باللغة والتاريخ والثقافة والجغرافية والمصالح الاقتصادية، وأساسا المستقبل والمصير المشترك وذلك وفق جميع صيغ العمل الوحدوي المشترك الممكنة، وذلك بأي عقدة تعالي وتميز وحب الزعامة والتكبر …عمل وحدوي قاعدته الشعوب ومصلحتها أساسا.
- بطبيعة الحال فان المعضلة الكبرى حول هذه المسألة تضل متصلة بالموقف الجزائري، وفي نظرنا، فان الحل العقلاني المفترض في هذا الصدد هو حدوث تحول ديمقراطي في الجزائر، ينتج عنه بروز قيادة جديدة تقطع مع عهد الطغمة العسكرية التي ضلت تستولي على مقاليد الحكم في الجزائر …
ولقد بدأت معالم هذا المخرج تتبدى مع انطلاق الحراك الشعبي الأخير في الجزائر والذي عرقل سيرورة تطوره، وباء كورونا، دون أن تجهضه ،حيث ترتبت عنه مجموعة من الإجراءات(خصوصا محاكمة جزء مهم من القادة الفاسدين …) وتمت المقاطعة الفعلية للانتخابات الرئاسية والدستورية المرتبطة بها …
إن القمع والكبت السياسي فرض على مجموعة من الهيئات والقوى المدنية والسياسية عدم الخروج للتعبير عن موقفها في قضية الصحراء المغربية …إذ أن النظام العسكري والبوليسي في الجزائر يتهم بالخيانة كل من يدلي بموقفه وليعارض التوجه الرسمي خصوصا فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية.
وهذا لا يمنع مختلف القوى المغربية الرسمية والمدنية والشعبية من إطلاق حملة كبرى علنية وسرية للتواصل مع كل قوى الشعب الجزائري من اجل التواصل والحوار لتعميق أواصر الأخوة والتضامن وتبيان المصير المشترك – وبشكل موازي إطلاق حملة دبلوماسية قوية مباشرة وعبر وسائط محترمة ومقبولة من اجل تقريب وجهات النظر وتبيان المخاطر التي تدفع إليها قوى الشر والدمار في أوساط الطبقة الجزائرية الحاكمة وكذا داخل الشرذمة الانفصالية.
العمل المستمر الملموس على إقناع اشتراك الإخوة في الدولة الموريتانية والتونسية والليبية بالمصير المشترك والدفع إلى فتح جسور العمل المشترك انطلاقا من مشاريع تنموية يستفيد منها الجميع في مصلحة تقدم الجميع
على سبيل الخاتمة
إن دق طبول الحرب، واختلاق مناوشات عسكرية، متبوعة بشوشرة اعلامية مفبركة. من طرف الشرذمة الانفصالية. لإثارة الرأي الدولي كتعبير عن رفض مقررات هيئات المنتظم الدولي المعنية، أمورا لن تجد هناك من يدعمها، بل على العكس فهي ستعمق عزلة الانفصاليين وأسيادهم في الجزائر …
غير انه يتوجب على المغرب ان يستمر في تعميق وحدة شعبه حول قضيته الاولى وهو أصلا بادر وبعفوية إلى التعبير بمختلف الأشكال –فاجأت الجميع – بتجنيده بمختلف الوسائل وراء سياسة ملكه الرصينة …
وفي هذا الصدد يجب أكثر من أي وقت مضى بدل مجهودات أكبر في تحقيق التنمية واستفادة الجميع منها، وتعميق الاختيار الديمقراطي، وصيانة حقوق الإنسان بمختلف تجلياتها.
إن الوضع الجيوبوليتيكي للمغرب، وما أرساه من دعائم على مستوى بنيته الاستقبالية التنموية، الاتصالية والتواصلية والتشريعية، والتي تمس الجوانب الهيكلية للدولة التأسيسية الاقتصادية والاجتماعية وغيرها … يجب الإسراع ببلورتها ضمن نموذج تنموي جديد متوافق عليه، يحقق أساسا الكرامة والرفاه للمواطن المغربي في حياته اليومية …فذلك هو الشرط لانتصاره على جميع المستويات.
وبالرغم من كل ادعاءات المتحكمين العسكريين الجزائريين وتنطعهم، ومحاولة تصدير عجزهم وفشلهم في شكل مواقف مبدئية صارمة خارجية، فان الوقائع الداخلية المجتمعية الشعبية عنيدة…ذلك ان الحراك الشعبي الجزائري لازال في اوجه، ما يعمقه مرة اخرى الصراع الداخلي للطغمة الحاكمة هو امور الرئاسة، وما يخلقه ذلك من اوضاع هشة على مستوى القرار السياسي.
فأي موقف تصعيدي حقيقي لن يعني سوى انتحار سياسي حول قضايا تمثل للشعب الجزائري، قضايا خارجية ولا تمثل قضايا المعاشية الحقيقية ..
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.