صدر مؤخرا ديوان شعر بعنوان “ويعصمني يراعي..” من توقيع الدكتور عبد السلام فزاري، الباحث الجامعي والمبدع شعرا ورواية ونثرا.
الديوان الجديد للأديب عبد السلام فزازي يضم 22 قصيدة، صدر عن دار النشر “مقاربات” جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، لصاحبها جمال بودومة، وطبع بدعم من قبل وزارة الشباب والثقافة والتواصل قطاع الثقافة.
والجميل في الديوان الجديد للأستاذ عبد السلام فزازي هي المقدمة الهامة التي افتتح بها إصداره الشعري الجديد،ننشرها كاملة، والتي عنونها ب:
عن الشعر أقول:
حقا بني أمي الإنسان حيوان شاعر…
“الشعر وحده يستطيع أن يشكل في الذات المبدعة كونا غرائبيا من خلال علاقاته الفاتنة بأكوان لا تحدها فلسفة الزمكان .. يقترب منها عبر مثالة الاستعارة، ويلامسها عبر الحاسة السادسة بغية إبداع كوني جديد، وماهية ماكرة زئبقية..
والشاعر هو ذلك الطفل المشاغب، والخارج من قمقم الفوضى؛ يبحث له عن شذا أزهار برية طالعة من أزمنة المهلهل وابن قزمان..
هو ذلك العنيد الذي يأبى أن تخنقه شراسة حضارة لا تبقي ولا تذر .. ليحتمي بذاكرة تعودت الانتظار على ضوء القمر العربي..
الشعر مملكة بوح لا زالت جاثمة على صدر ملكوت الله؛ تبحث عن قارورة الأسرار القابعة في تجاويف النسيان.. الشعر بوصلة يهتدي بها العشاق؛ وبركان أسئلة وقلق يعرف حقا كيف يكسر أقفال لغاتها العصية؛ وكيف يبعث حبر القصيدة من جمجمة امرئ ألقيس..
صدقت حقا يا نزار، حين قلت علانية « الإنسان حيوان شاعر»..! فكم قرأنا الحقيقة، ذات الحقيقة في أعماق عيون النجوم الشاهدة إلى حد الآن على ليالي ألف ليلة وليلة..!
وكم اختبرنا نوايا سمار الليل على إيقاع نور الفجر الصامت / الناطق..! الشعر حقا قنبلة عنقودية تحملها إلينا عذراء تحركها نشوة تتحدى الفناء الرمزي..
الشعر أنشودة كونية يحمل إلينا بريد الكينونة الخرساء على صهوة أبجدية عصية.. كذب الفلاسفة حين حددوا العناصر الأربعة في: النار، التراب، الهواء، والماء، متناسين الشعر باعتباره عنصرا خامسا مكون لهذا العالم الغرائبي..
كذب المنجمون حين أعلنوا موت صولة زمن الشعر ليقروا بهتانا وجورا ريادة زمن الرواية في الوقت الذي يحاول فيه للنقاد الكلام عن « بلاغة الرواية، وشعرية الرواية، وليس العكس، وهي مصطلحات خرجت من رحم الشعر إلى أن صارت لقيطة ونجوم في السماء تنظر ولا تسعف..»؛
الشعر بني أمي غمامة تظلل ذاكرتنا المتعبة، وبطاقة بريدية تستحضر فينا الفجر البعيد.. من هنا مرت زرقاء اليمامة يا أمل دنقل حين همست في أذنها قائلا: «ًلا تصالح ».. ومن هنا أعلنت يا سعدي يوسف وأنت تقاتل ليلك المغولي«ًأسير مع الجميع وخطوتي وحدي».
يوم ذاك اعترفت طواعية على أن الشعر هو غلالة دهشة بكر. وفي أحضانه شعرت حقا أنك أصبحت مسيطرا على العالم؛ وكل شيء طوع أناملك..
الشعر كما اعترف سعدي هو: « أن ترى الناس يرتدون ثياب الملائكة، وكل الوجوه تتحول إلى وجوه أطفال مقدسة.. والشجرة تحدثني..»
الشعر إقامة إجبارية في مملكة الجمال، ومدار يستريح فيه النجم الثاقب فلتصرخ الدنيا!.. مملكة الشعر .. آه يا مملكة الشعر!.. يا مهد طفولة المتنبي الذي أخرس في زمنه أربعين متشاعرا قائلا:
أرى المتشاعرين غروا بذنبي
فهل ينفع الداء العضال؟
المعري، آه يا معري، أنت حين كشفت ذات يوم حين حصحص الحق قائلا: « الكلب هو الذي لا يعرف للكلب سبعين اسما..»..،
وأنت يا أبا تمام، يا من كنت تمشي مختالا في ثوب عشتار قائلا: « … ولماذا لا تفهمون ما يقال؟
علي نحت القوافي من معادنا
لا علي إذا لم تفهم البقر..
ويا ناظم حكمت، لوركا، بريفر، بودلير.. الخ. يا مبدعة الإنسان من هيولة أبجدية الضاد العصية!.. بك أصبحنا أقوى من الزمن العنيد، وعبرك أصبحنا نقترب شيئا فشيئا من الحرية المشتهاة..
الشعر هو أن نسقط الحبر على تفاصيل هذا الزمن الهارب منا.. هو هذا الضوء الذي أوقد صباحاتنا الفاترة.. بربك فك لغز أيامنا ودعنا نعتمر في ديرك الكهنوتي ونغلق باب الدهشة لنعود تائبين إلى زمن الشعر.. بربك أنقذنا من هذا العزل المسدود يا أطهر من أي مكان، ويا أحلى من أي زمان..!
فخشية منك أيها الشعر العظيم أصبحنا لا ندري في حضرتك، هل يحق لنا أن نضحك أم نبكي..؟ ورب الشعر ،لا ندري ..!
في لحظات انبهارية منفلتة قررت أن أخرج هذا الواقف في حنجرتي، فكان ميلاد هذا الديوان في زمن حصحصت فيه لغة الفيسبوك، وضاقت البلاغة.. وتداعت فضاءات الإبداع معلنة قدوم ميلاد غرغرة خارجة من خبايا عنعنة مفترضة.”
عبد السلام فزازي
التعليقات مغلقة.