إصدار جديد للأستاذ عبد الله كيكر :الحاج أحمد سيدينو

إيمانا مني أن تفاصيل بعض الأحداث وبعض جزئياتها، لا يمكن الحصول عليها إلا من خلال السير الذاتية للشخصيات الفاعلة في المجتمع ورجالاته المميزين، لهذا تعاطيت لمثل هذه الكتابات، ولو وجدت الاستجابة ممن كنت أردت أن أسجل معهم سيرتهم الذاتية لكانت الحصيلة أكبر مما هي الآن، ولكن سامح الله الممتنعين عن ذلك والذين اتصلت بهم وألححت عليهم وترجوتهم، ولكن بدون نتيجة، ومنهم من توفى، وضاعت المعلومات المهمة التي كان يحملها، والتي لا توجد إلا عنده، وأغلب هؤلاء ينظرون إلى أن ما يتوفرون عليه من المعلومات ومن تجارب غير ذات بال، سامحهم الله، ومن هؤلاء الحاج بلقاسم ما يوحل رحمه الله والذي قال لي لما ألححت عليه : أعرف أين وضع الشيطان أبناءه، ولكنني لن أبوح لك بأي شيء.
من بين الشخصيات التي قبلت بفكرتي الحاج أحمد سيدينو، وقد شجعني على الاتصال به وكتابة سيرته الذاتية السيد محمد منيب، وأخوه السيد علي، صهر الحاج، زوج إحدى بناته، ومحمد مونيب، رحمه الله، هو الذي شجعني أيضا على كتابة سيرة الحاج محمد القاصدي، وعنده في منزله بدأتها، لما التقيت به هناك، إذ كان يزوره كلما زار مدينة أكادير.
لم تكن لي أي وسيلة للاتقاء بالحاج أحمد سيدينو إلا زيارته في مكتبه بشركته في آيت ملول، لذلك ذهبت إليه ذات صباح لأنه في ذلك الوقت كان لا يذهب إلى شركته إلا في الصباح، أما المساء فكان يقضيه في منزله بأكادير.
دخلت عنده في مكتبه باستحياء، وأنا كلي أمل أن لا يرد طلبي، وأن لا يرتاب في قصدي من كتابة سيرته الذاتية، وأن يدرك أهمية ما تنطوي عليه تجاربه والأحداث التي عاشها من معلومات تاريخية ستستفيد منها الأجيال القادمة.
ما أن دخلت عليه في مكتبه حتى كدت أيأس من مسعاي، إذ لم يسبق لي أن رأيت الحاج سيدينو، ولما وقع عليه نظري، وجدته إنسانا كبيرا في السن، يوحي مظهره بالوقار والهدوء، فشعرت بنوع من الهيبة، وزاد في تلك الهيبة الضوء الخافت الذي كان يعم أرجاء مكتبه الكبير، وقلت لنفسي هيهات هيهات أن يستجيب لك هذا الرجل بهذه الهيئة لما ترغبين فيه.
قدمت له نفسي، وأطلعته على رغبتي، وبررت له الدافع لي إلى ذلك، وهو توثيق ذاكرة المدينة من خلال رجالاتها، وهو أحد هذه الرجالات، قبل الفكرة، وربما، كما بدا لي أول وهلة، بشيء من التحفظ، وذكرته أن الأمر سيتطلب عدة جلسات، فاتفقنا أن تتم اللقاءات عنده في منزله بأكادير بعد عصر كل يوم الأربعاء.
كان ذلك في بداية العقد الثاني من القرن 21 وكان هدفي أن أكتب عنه سيرته الذاتية، والتي تؤرخ لفترة من فترات مدينة أكادير، والتي يمكن اعتبارها متممة لكتاب “ذاكرة أكادير في القرن العشرين” الذي أصدرناه أنا وزميلي السيد الحسن الروصافي، والسيد إعزا جافري، في ثلاثة أجزاء، خصصنا الجزء الأول للفترة الممتدة ما بين سني 1901 و 1945، والجزء الثاني خصصناه للفترة الممتدة ما بين سنتي 1945 و 1960، في حين خصصنا الجزء الثالث للزلزال، وكنا عازمين على الاستمرار في إصدار السلسلة، ونخصص لكل عقد من العقود الأربعة المتبقية من القرن العشرين جزءا حيث يصبح عندنا في الأخير سبعة أجزاء، توثق لمدينة أكادير في القرن العشرين، غير أن ظروفا حالت بيننا وبين إتمام المشرع.
لهذا سعيت في إضافة ما يمكن إضافته لهذه الذاكرة من خلال مذكرات بعض رجالات المدينة الفاعلين، والذين كتبت سيرتهم.
ذهبت عند الحاج أحمد سيدينو إلى منزله في الوقت الموعود، فاستقبلني استقبالا حارا، وبدون مقدمات ولا مجاملات انطلقنا في العمل هو يحكي وأنا أسجل، وكانت الجلسة الواحدة تستمر ما يقرب من ساعة ونصف إلى ساعتين، وكنا نبدأ كل جلسة بقراءة ما حررته عن الجلسة السابقة ليبدي ملاحظاته أو ليضيف ما يمكن إضافته، غير أنه في الغالب كان لايضيف ولا يلاحظ أي شيء.
استمرت اللقاءات لأسابيع، ورغم أن في جعبتي المزيد من الأسئلة حول سيرته وعلاقاته ومنجزاته كرئيس للمجلس البلدي فقد قرر أن يختم تلك الجلسات معتذرا أنه سيسافر مع حرمه إلى مولاي يعقوب.
فاكتفيت بما سجلته عنه وأضفت إليه بعض المعلومات التي تتعلق بحياته وبزمانه والتي استقيتها من هنا وهناك، وختمت ببعض الشهادات.
ولما توفي الحاج أحمد كانت المذكرات قد هيئت وتوقفت على الطبع فاحتجت إلى التمويل، فاتصلت بأبنه الحبيب بنصيحة من الصديق أبي الحسن محمد (بهوش) شفاه الله، وسلمته نسخة مرقونة من المذكرات ووعدني خيرا، وقال لي سأتصل بك فيما بعد، ولما لم يفعل قررت أن أتخلى عن فكرة طبعها، وبعد مرور أكثر من سنتين، عاودني الحنين إليها فأعدت قراءتها فتذكرت المجهود الذي بدلته فيها، كما وجدت أن المعلومات الموجودة فيها مهمة بالنسية لتاريخ مدينة أكادير، وهكذا قررت أخيرا أن أطبعها كلفني ذلك ما كلفني، فأرسلتها إلى المطبعة ولما أرسلت لي نسخة للتصحيح اتصلت مرة أخر بسي الحبيب وسلمتها له وبعد أن اطلع عليها قرر أن يتولى طبعها فكان الأمر كذلك، جزاه الله خيرا، ورزقه رضاء والده.


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading