يعتبر الحق في الحياة من الحقوق الأساسية للإنسان؛ فعلى أساسه تتحدد باقي الحقوق و تكتسب أهميتها وبانتفائه تفقد وهجها، ولأهميته فقد سعت الأديان السماوية جميعها إلى حمايته، و كرسته المواثيق و العهود و البروتوكولات الدولية، إضافة إلى أن القضايا المرتبطة به (من قبيل الإعدام و الانتحار و الإجهاض و الموت الرحيم….) تشكل مجال اختلاف و اجتهاد بين المفكرين أو المثقفين أو رجال الدين أو المشرعين… ضمن هذا السياق تكتسب الأسئلة حول مقتل الطالب الأمازيغي عمر خالق الملقب بإزم مشروعية و قوة الطرح؛ أسئلة تتناسل بمتتالية هندسية في درب البحث عن الحقيقة: أسذجها التساؤل عما إذا كان هذا الفعل نتيجة اقتتال فصيلتين أم اغتيالا سياسيا، و تتعقد في اتجاه البحث عن أسباب التصفية الجسدية، ثم عن أي تكوين تقدمه فصيلة لطلبتها وهي تشجع و تبيح القتل، بدل أن تكرس ثقافة الحوار السلمي ومقارعة الحجة بنظيرتها ؟!!! ما الفرق بين هذه الفصيلة وتنظيم داعش رمز الهمجية و العنف و التخلف؟!!! كيف سيتم التعامل مع القضية من الناحية القضائية: هل سيلقى الجاني عقوبة زجرية تتلاءم و جرمه، أم أن الأمر يتعلق بموت مواطن من الدرجة الثانية / بأمازيغي غير مصنف، يفتح بشأنه تحقيق ينظاف إلى التحقيقات المفتوحة دون أن نعرف إلى نهايتها سبيلا؟ لماذا لم يعزي رئيس الحكومة أسرة الفقيد؟ لماذا لم يبكي وزير التعليم العالي مادام الأمر متعلقا بطالب قتل داخل الحرم الجامعي؟!!! لماذا هذا التجاهل الإعلامي؟!!!…..
يؤكد طلبة الحركة الثقافية الأمازيغية بكلية القاضي عياض أن هذا الفعل الإجرامي قد سبقته حلقية تمت فيها مناقشة الريع الذي يستفيد منه الطلبة الصحراويون نحو النقل، و أسبقيتهم في ولوج سلك الماستر و الدكتوراه دون اعتماد مبدأ الكفاءة، و التوظيفات المباشرة، والتي تزكيها الوعود التي تلقاها معطلو العيون…. ـ وهي طبعا أمور إن ثبتت صحتها لا يمكن لعاقل قبولها لأن المواطنين سواسية، و لا أحد فوق القانون، بحسب ما علمونا ـ و الأرجح أن تكون هذه الحلقية ما أشعل فتيل انتقام عنيف نابع من صراع أحادي الطرف لدى الكائنات الانفصالية؛ لأن الحركة الثقافية الأمازيغية التي ينتمي إليها الطالب إزم يحسب لها أنها أول حركة خرجت بميثاق شرف يجمع مختلف الفصائل الجامعية، تؤكد فيه أن الجامعة فضاء للتحصيل المعرفي، وتدعو فيه إلى نبذ العنف وإلى ضرورة التدبير السلمي للاختلافات بين الفصائل. وللأسف رفضته أغلب الفصائل الأخرى.
إن مقتل الطالب إزم – بغض النظر عن انتمائه الثقافي – لا يمكن اعتباره إلا خسارة مزدوجة: الأولى لعائلته الصغيرة التي كان معقد آمالها، على اعتبار أن التعليم هو المدخل الوحيد لأبناء الطبقات الشعبية لتحقيق الرقي الاجتماعي ـ و لو بشكل نسبي ـ ، ثم لعائلته الكبيرة الممثلة في زملائه في الدراسة، ورفاقه في درب النضال من أجل قضية آمنوا بها. و الثانية لوطنه الذي فقد روحا تسعى إلى التحصيل العلمي و المعرفي، و إلى تعميق وعيها بذاتها وبما يحيط بها، في زمن تشجع فيه الدولة إنتاج أجهزة تناسلية و هضمية في هياكل إنسانية بدل إنتاج أدمغة تفكر وتنتقد و تؤمن بالتعدد والاختلاف. لتبقى الخسارة الأكبر من نصيب الفكر الحر المؤمن بالحوار و بالتعدد و الاختلاف.
إن عدم تعزية رئيس الحكومة أسرة الفقيد، و بلع وزير التعليم العالي لسانه بدل ذرف الدموع، أسوة بما فعلاه في مقتل الطالب الحسناوي. يجعلهما يتعاملان مع الأحداث تعاملا انتقائيا غير بريء؛ فلا فرق بين الذي اغتيل اليوم و الذي قتل بالأمس إلا كون الثاني ينتمي إلى منظمة التجديد الطلابي ذات التوجه الإسلامي، والأول ينتمي إلى الحركة الثقافية الأمازيغية بقيمها الحداثية. إن الميز الناجم عن الانتماء ينمحي إذا ما تم استحضار أن الذي توفي إنسان قبل كل شيء، ثم طالب وكفى.
إن عصابة الكائنات الانفصالية التي اغتالت الطالب إزم، والتي لا تختلف كثيرا عن داعش قدمت للحركة الأمازيغية من حيث لا تعلم خدمة توحيد صفوفها، لأن إزم توفي كجسد، أما كفكر نضالي سلمي فقد أكسبتموه صفة الخلود، وسوف تحيا روحه داخل إزماون (جمع إزم) جدد، ولن يستطيعوا قتلها ولو استعانوا بكائناتهم الإنسية و الميتفزيقية.
ولإعلامنا المحترم جدا أقول: ألا تعتقدون أن موت هذا الطالب أهم من الحديث عما حققته مشاريع تربية الأرانب والماعز أو تعاونيات معينة!!! ألا تعتقدون أن التساؤل عن حيثيات الفعل الإجرامي أعمق من الأسئلة المتعلقة بالمسلسلات المدبلجة و أسئلة المسابقات التافهة!!! أم أنكم لا تبرعون في تغيير التصريحات المتعلقة بهذا الحدث.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.