أي مستقبل للأمازيغية بعد نتائج الإحصاء الأخير ؟ مسار قرن من تراجع استعمال اللغة الأمازيغية
أعلنت المندوبية السامية للتخطيط أن نسبة الناطقين بالأمازيغية في المغرب هي 27% ضمنهم 15% ناطقة بتاشلحيت و7% ناطقة بتامازيغت و4% مستعملة لتاريفيت، و تبقى جهة سوس ماسة أكثر الجهات استعمالا للأمازيغية بنسبة 70%.
ودون الدخول في النقاش حول مدى مصداقية هذه النتائج ومختلف الإشكالات المرتبطة بتقنية الإحصاء وطريقة طرح الأسئلة وظروف طرحها والتي تؤثر عن وعي أو عن غير وعي في طبيعة النتائج فان ما أعلنت عنه المندوبية السامية يعتبر أرقاما رسمية يجب أخذها مأخذ الجد بإعتبارها المرجع الوحيد في الموضوع سواء للباحثين أو للمنظمات المهتمة.
هده النتائج الرسمية تضع الناطقين بالأمازيغية و بشكل صريح في وضعية “الأقلية اللسنية” وما يتبع دلك من التزامات أمام المنتظم الدولي وضرورة احترام الدولة المغربية للمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الأقليات.
بل إن هده الإحصاءات تجعل المغرب في تدبيره لوضعية اللغات بين المطرقة و السندان أي إما الالتزام ب “حقوق الأقليات” أو قبول “حقوق الشعوب الأصلية”. وكلا الطرحين غير مقبولين من طرف الدولة المغربية خاصة بعد الاعتراف الدستوري بالأمازيغية لغة رسمية واعتبارها ملكا لجميع المغاربة في دستور 2011.
لنترك هدا الإشكال جانبا ولنعد للتاريخ لفهم مسار تراجع استعمال اللغة الأمازيغية لأن ذلك سيجعلنا نفرض أن نسبة 27% المعلنة مع إضافة 10% كهامش للخطأ لكي نصل 38% ربما قد تكون صحيحة وتفرض الخروج من وهم “الأغلبية الناطقة بالأمازيغية” للتفكير في مستقبل هذه اللغة بناء على هذه المعطيات الجديدة.
فجولة بسيطة في أغلب المجال الحضري بالمغرب وحتى في العديد من الدواوير تظهر غلبة استعمال الدارجة المغربية أمام تراجع الأمازيغية في عقر دارها، ولنا في الأطفال الصغار و في عائلات المناضلين أنفسهم خير مثال، هذا التراجع بدأ مند قرون خاصة وأن الأمازيغية لم تكن قط لغة سيادة بما في ذلك لدى الإمبراطوريات الأمازيغية (المرابطون والموحدون…) رغم ما يقال عن استعمالها من طرف السلاطين وداخل البلاط واستمر التراجع بشكل جلي بعد التحولات العميقة التي أحدثها الاستعمار الفرنسي بشمال إفريقيا بين 1830 و 1962.
في سنتي 1910 و 1913 طلبت الإدارة الفرنسية من الباحثين ايدموند دوتي وكوتيي القيام بدراسة حول وضعية الأمازيغية وعدد الناطقين بها بالجزائر فخلصوا إلى أنه “من الناحية العملية من المهم أن تعرف الإدارة مدى تراجع استعمال اللغة الأمازيغية وسرعته وتأخذ ذلك بعين الاعتبار لأن الشعب الذي يهجر لغته يعيش تحولات عميقة ستكون لها نتائج على المدى البعيد” وأضافا “ليس هناك شك في أن استعمال الأمازيغية في تراجع وما ينقصنا هوا لتفاصيل “[1]
بعد دخول الفرنسيين إلى المغرب تساءل اندري باصي سنة 1938 في مقال حول هذا الموضوع عن “مستقبل اللغة الأمازيغية في شمال إفريقيا”[2] وأقر بدوره بتراجع استعمال هذه اللغة. بل أن باصي اقترح حلين لهذه المشكلة : إما قرار سياسي من طرف حاكم لصالح الأمازيغية، أو ظهور أديب كبير من بين الأمازيغ يغير مجرى هذه اللغة.
وخلص في الأخير إلى أن “المشكل في العمق يعود لمدى تجدر الوعي اللسني لدى الأمازيغ ورغبتهم في الحفاظ على لغتهم”. لكن هذا الوعي نفسه كان يبدو بالنسبة لباصي بعيد المنال خاصة بعد ظهور الفكر العروبي–الاسلامي في سياق الثلاثينات من القرن الماضي والانخراط الواسع للأما زيغ في هذه الإيديولوجية وميول جزء من نخبتهم نحو ترك لغتهم. وقد استمر التساؤل حول الأمازيغية ومستقبلها ومختلف القضايا المرتبطة بها طيلة فترة الحماية الفرنسية بالمغرب. فجاء روبير مونطاني الباحث السوسيولوجي المعروف وصديق الجنرال ليوطي ليتساءل سنة 1955عن مستقبل الأمازيغية وعلاقتها بمستقبل الإمبراطورية الشريفة فخلص إلى أن ” وحدة الإمبراطورية الشريفة لا نقاش فيها ولا مجال للحديث عن أي استقلال للأمازيغ. لكن بين “المركزية العمياء” و”الانفصال” يمكن الحديث عن آلاف المشاريع الجهوية والتي من شأنها أن تضمن التوفيق بين سيادة السلطان واحترام الدين وضمان تشبث الأمازيغ بمؤسساتهم المحلية وعاداتهم المرتبطة بحياتهم المادية والاجتماعية”[3]
هذه النماذج من الكتابات التي تعود للنصف الأول من القرن الماضي تثبت أن تراجع استعمال اللغة الأمازيغية ليس بالشيء الجديد واستمر أكثر في فترة الاستقلال كما أن العديد من الأسئلة المطروحة اليوم حول اللغة الأمازيغية وعلاقتها بالمركز وبالجهوية وتراجع استعمالها وممكنات تطويرها كانت مطروحة مند فترة الحماية الفرنسية. بل يمكن القول أن هذه الكتابات كانت تضمر بعض الحلول المطروحة اليوم كعلاقة الأمازيغية بالقرار السياسي أو بالجهوية أو أهمية الوعي اللسني لدى الأمازيغ.
في هذا الاتجاه ألا تدفعنا الإحصائيات الأخيرة إلى ضرورة التفكير أولا في تحصين المجالات التي لا زالت تستعمل الأمازيغية وضمان مجال طبيعي لإعادة إنتاجها وتطويرها قبل التفكير في التعميم ؟.
و في هذا الإطار وما دامت الدولة تقر بأن الأمازيغية هي اللغة الأولى في جهة سوس ماسة فما الذي يمنع من جعلها اللغة الرسمية الأولى في هذه الجهة ؟
هوامش :
*استاذ علم الاجتماع بجامعة بن زهر وناشط أمازيغي
[1] Enquête sur la dispersion de la langue berbère en Algérie, faite par ordre de M. Le Gouverneur général, Alger, 1913, p.3
[2] André Basset, « L’avenir de la langue berbère en Afrique du Nord », in, Entretien sur l’évolution des pays de civilisation arabe, Tome III (3e année), Centre d’études de politiques étrangères, Travaux des groupes d’étude, Publication n° III, (3e semestre), Paris, Harmattan, 1938.
[3] Robert Montagne, « l’avenir de la berbérie », in, l’Afrique et l’Asie, Revue politique, sociale et économique, et Bulletin des anciens du CHEAM, n° 31, 1955, p.86.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.