أوريد لـ ” إيديا ” : “تْزدغْت ك أولا نْ نّخ أيلي، نْكولا أدور راك نتّو ” (سكنت أفئدتنا يا ابنتي، وآلينا ألا ننساك)

حسن أوريد

حسن أوريد//

عذرا إيديا

عذرا إيديا أنْ كشفت زيفنا، لأننا حسبنا أن للكلمة معنى، وأن للتاريخ مسارا متقدما، فأمَطتِ اللثام عن زيف أمرنا وسراب أمانينا.
عذرا أنك فعلتِ وكان ثمن ذلك حياتك، قربانا للحقيقة. لحقيقة التاريخ والجغرافية، وجيولوجيا الذاكرة، التي بدت كبركان هامد، فانبعثت بموتك. عذرا وشكرا، أنْ ذكّرتنا ما عنه ذهلنا.
عذرا، وقد تأهب العِلية على قرع أنخاب الاستوزار والاستحكام و..الاستغلال، فنسفتِ “الزّفةّ.
عذرا أن من إداراتنا من تجنّى على والديك، وممن لم يُجشم نفسه حتى تقديم العزاء. وعذرا أن من مجتمعنا هذا المدني، من يستكثر أن يبكي أهلك، ويبكوك بلسان ذويك.. أو يغضبوا للظلم وللحكرة، من أجل هذا الذي نسميه “أدّور” أو العزة.
عذرا وشكرا، لأن بعثت “أدّور” وكنا قايضناه بمناصب واستبدلناه بمواقع، وسحرتنا مصطلحات مجلجلة، من قبيل المقاربة التشاركية، والحكامة الجيدة، وتقريب الإدارة من المواطنين، والالتقائية، والروافع، والتنمية البشرية.. وهلم جرا، كي نذهل عن الحقيقة… حقيقة ما يجري غير بعيد عنك في إيميضر وبأسمّار كلها، وفي كل مكان من بلدنا خارج عن التغطية.
عذرا، أنك عرّيت زيفا، وما كان ينبغي لهذا الزيف أن يُعرّى..كان ينبغي أن تموتي في صمت، وتُدفني في صمت، ولا يغضب أحد، ولا يستنكر الأمر أحد. وكان على والدك، وأهلك أن يشكروا وزارة الصحة على الجهد الذي بذلت، وعلى العناية الموصولة التي ما فتئت إداراتنا تخص بها مواطنينا (عفوا، الرعايا) وقد شاءت إرادة الباري جل وعلا، أن تختارك إلى جواره، ولا راد لقضاء الله… وكان لوالديك أن يُقبّل يد فقيه إغْرم وقد فرغ من تلاوة الدعاء، ويطأطئ الرأس لمقدم الزاوية، ثم يصطحبه الشيخ عند القائد، ويبلغه القائد عطف ورضا رؤسائه ورؤساء رؤسائه، ويحذره من العناصر التي تضمر السوء لبلدنا، من شخصيات حاقدة، وجمعيات مشبوهة…
عذرا، لأنه كشفت ما كنا عليه نتستر، وما كنا نجد التبرير له، وشكرا أن عرّيت ذلك كله…من أجل مواطنين أحرار في وطن حر، ومن أجل إدارة في خدمة المواطنين لا أن يكون المواطنون في خدمتها أو في خدمة من تخدم. عذرا، لأننا كنا نعتقد أن الكلمة والتحليل البارد يمكن أن ينفذ إلى قلوب من يملك أزِمّة الأمر. وهل كان من الضروري أن تُقدّم قرابين من صغار وضعاف وموتورين، كي تنفذ معاني الكلمات، ممن يموتون في الرحلات المدرسية، وفي المهرجانات الفنية، وأثناء الوضع، وعلى أبواب المستشفيات وفي أقبية الأمن…
كدت أن أحدثك عن مهرجاناتنا الفنية وإبداعاتنا الرائعة. كدت أنقل لك هديرها إذ تهدر، وصخبها حين تصخب، وهمسها حين ترتاد الروح… كنت أود أن أنقل صدى لقاءات دولية انتظمت ببلدنا، وإعجاب ضيوفنا بكرم الضيافة وجميل الوفادة، والصور التي التقطت أثناء ذلك، والبرقيات التي تم تبادلها من أجل ذلك… والتغطية التلفزية الضافية، وشهادة الضيف اللوذعي عن جمال بلدنا، وأشفع بالحديث عن روعة رواقنا في المعرض الدولي، في عاصمة الأنوار، وأرفق ذلك بشهادات ثاقبة من أصدقاء بلدنا ومحبيه المعجبين بتجربته الرائدة، وخطاه الحثيثة نحو الرقي والتقدم…
كنت أتأهب أن أفعل، وأستشهد بحصافة طبقتنا السياسية، ونضج قواه الحية، ورسوخ البنيات الحزبية، وتوثب مجتمعنا المدني، وتعبئته الشاملة من أجل القضاء على الفقر والإقصاء والتهميش والهشاشة…
كدت أفعل، كي أكون مما يسمى Politically correct. كدت أفعل، إلى أن بلغني نعيك، والتزمت الصمت حينا، ثم كان لي من العزاء هذا الذي شاهدت وسمعت من إخوة لك، من إيعرّيمن الذين يجري في عروقهم “أدّور”..كي أقول بدوري في لغة بسيطة، في لسان “بربري” لقوم أحرار، “تْزدغْت ك أولا نْ نّخ أيلي، نْكولا أدور راك نتّو ” (سكنت أفئدتنا يا ابنتي، وآلينا ألا ننساك)
عذرا وشكرا، شكرا لهذا الذي بصّرْتنا به من النظر إلى الحقيقة بلا حجاب ولا غشاوة..
وها أنتِ منذ اليوم تسكنين إلى جوار ديهية، وكل العلامات التي بها نفخر.. فطوبى لك.


اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

التعليقات مغلقة.

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط لتحسين تجربتك. سنفترض أنك موافق على هذا، ولكن يمكنك إلغاء الاشتراك إذا كنت ترغب في ذلك. الموافقة قرائة المزيد

اكتشاف المزيد من azulpress.ma

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading