في الفيلم الأمريكي الممتع ( La Faille 2007)، للمخرج والمنتج جريجوري هوبليت، نلتقي مع مهندس طيران عجوز داهية وماكر، تيد كراوفورد (يؤدي دوره أنطوني هوبكنز)، ينتقم من خيانة زوجته له مع مفوض شرطة برصاصة في الرأس، أدخلت الزوجة في موت إكلينيكي.
المدعي العام في القضية شاب لا يقل ذكاء، ويلي بيتشوم (يؤدي دوره رايان غوسلينغ)، الذي كان يظن أن القضية أمامه منتهية، بحكم اعتراف الجاني. لكن هذا الأخير سيقلب، بدهاء، أطوار المحاكمة، بالطعن في الاعتراف، عندما يكشف أن مفتش الشرطة، الذي قام باعتقاله وانتزاع اعترافه هو عشيق زوجته، خصوصا أنه لم يقع العثور على أداة الجريمة (المسدس)…
ورغم كل مجهودات المحقق، سيتمكن الجاني من انتزاع حكم بالبراءة، وينجح في الإفلات من العقاب، ويطلب من المستشفى ترك زوجته “تموت بسلام”، عوض “البقاء السريري”. ومرة أخرى، سينجح في تحقيق الطلب رغم اعتراضات المحقق…
بعدما انتهى كل شيء، سيكتشف المحقق حيلة الجاني، بارتكابه جريمة قتل زوجته بمسدس عشيقها، الذي يحمل نفس مواصفات مسدسه، ثم تبديل المسدسين، لكن الأوان كان فات، فالقانون الأمريكي لا يسمح بإعادة محاكمة في قضية صدر فيها حكم قضائي يكتسي “قوة الشيء المقضي به”.
عندما سيواجه بدليل الجريمة، سيعترف هوبكنز بذكاء غوسلينغ، قبل أن يعمد إلى السخرية منه، فالقضاء أصدر حكما منتهيا في القضية… لكن غوسلينغ سيفاجئه بتخريجة قانونية مشروعة، فالتهمة في القضية كانت هي “محاولة القتل”.. لكن، بعد وفاة الزوجة، هناك متابعة جديدة بتهمة جديدة، هي “القتل العمد”، فبهت هوبكنز، وأسقط في يده، وسقط في أيدي العدالة.
مبدأ “المقرر القضائي الحائز لقوة الشيء المقضي به” لا يخص القانون الأمريكي وحده، بل نجده في تشريعات أغلب دول المعمور، وضمنها المغرب. وحيلة هوبكنز، التي انبنت على “الكذب”، هي نفسها حيلة حامي الدين، الذي عمد إلى الكذب، فادّعى أنه “طالب قاعدي”، كما هو موجود في محاضر الأمن والقضاء معا، ما جعل التهمة، التي توبع فيها، تتكيف كـ”مشاجرة أفضت إلى وفاة”…
اليوم، عندنا دليل كذب هذا الشخص، من خلال شهادة موقعة من شيخه ومرشده الظلامي أحمد الريسوني، تؤكد انتماءه إلى الفصيل الإسلامي الإخواني “الإصلاح والتجديد”، استعملها للنصب على هيئة الإنصاف والمصالحة…
واليوم، أيضا، عندنا شاهد عاش وقائع جريمة اغتيال أيت الجيد، هو رفيقه القاعدي الخمار الحديوي، الذي كان برفقته، وتعرض مثله للضرب بالقضبان الحديدية والسلاسل والهراوات، إلى أن غرق في دمائه، حتى ظنت عصابة الخوانجية الظلاميين أنه فارق الحياة… شهادة الخمار الحديوي تشكل، بدورها، عنصرا جديدا، إذ لديه ما يقوله للمحكمة حول الأشخاص الذين اعترضوا سبيلهما، وحاصروهما، وأنزلوهما من الطاكسي، وانهالوا عليهما بالضرب. ولديه ما يقوله حول هوية الظلامي، الذي ثبَّت أيت الجيد على الأرض، ليمكّن بقية الظلاميين من إكمال مهمة الاغتيال…
وبناء على ذلك، سيكون على القضاء النظر في القضية، فهناك عناصر جديدة كافية لمتابعة حامي الدين بتهمة جديدة، هي “تكوين عصابة إجرامية والمشاركة في القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد”.
والمناورات، التي يقوم بها حامي الدين لتحريف القضية لتأخذ لبوسا أخرى، كلها ألاعيب لا تصل إلى مكر هوبكنز، الذي لم يُفدْه دهاؤه في الإفلات من العقاب… حامي الدين لا يستطيع أن يستوعب، ربما لبلادة الخوانجي فيه، أنه ليس هو جوهر القضية، فهو مجرد تفصيل تافه، لا يعدو أن يكون مجندا، كغيره من الظلاميين، الذين استُعملوا بهدف اجتثاث اليسار من الجامعات المغربية، لأن الجوهري في قضية أيت الجيد، هو أنها قضية لا تهم تيارا سياسيا بعينه، بل تعني كل الديمقراطيين المغاربة، تعني كل المناضلين من أجل مغرب حر ديمقراطي حداثي آمن ومستقر.
ما لا يستطيع أن يفهمه حامي الدين، أن المطالبة بعدم الإفلات من العقاب تستهدف، أولا، وعبر توفير كل ضمانات المحاكمة العادلة، معرفة الحقيقة كاملة، ومعاقبة المجرمين الحقيقيين، حتى لا يتوهموا أن بإمكانهم الإفلات من العقاب، وتستهدف، ثانيا وأساسا، ضمانَ بيئة سليمة لأبنائنا ولكل الأجيال اللاحقة ألا يقعوا ضحايا إجرام ظلامي، بات يتغوّل في مفاصل المجتمع، وتأمينَ مستقبل وعيش مشتركين لكل المغاربة، ودعمَ بناء مغرب آمن من التكفيريين الظلاميين، المناهضين لكونية حقوق الناس المواطنية والإنسانية…
بالمقابل، جاء حضور الوزيرين المصطفى الرميد ولحسن الداودي طبيعيا، لأنهما استطاعا أن يفهما جيدا أن محاكمة عادلة مرتقبة لحامي الدين ستجرهما للمساءلة والمحاسبة على الأفعال المستعملة لحماية حامي الدين، ولتمكينه ورهطه من منافع تحوم حولها الشبهات، بدءا من تنقيله من جامعة عبد المالك السعدي بتطوان إلى جامعة محمد الخامس بالرباط، وظروف تمكين زوجته من منصب بجامعة القاضي عياض بمراكش، وصولا إلى التحقيق في ملابسات استبعاد المطالب المشروعة لعائلة أيت الجيد وحفظ شكاياتها ضده، طالما أنها تتضمّن وقائع وأفعالا لم يسبق لحامي الدين أن قُدّم من أجلها للقضاء.
*القضاء يوجه تهمة المشاركة في القتل العمد إلى الإخواني الظلامي حامي الدين.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.