حينما يشتغل أستاذ في بلدته يعرف خبايا الساكنة وأحلامها ويعرف معاناة الطفولة وانكساراتها، ويحدوه الطموح والأمل في التغيير فكيف لا يكون مدرسا، فنانا ومبدعا في إنقاذ الطفولة والإرتقاء بالمدرسة.سنتحدث في هذا المقال عن تجربة الأستاذ والمبدع في مجال السينما ”حسن أبراهيم ” الذي يشتغل بواحة مكونة ، واحة الورود والجمال، هذا الأستاذ الذي أخد على عاتقه تربية وتعليم الناشئة باستثمار الطرق النشيطة والحديثة في التربية كالسينما والصورة .
من مميزات تجربة الفنان حسن ابراهيم، اشتغاله على المهمش والمنفي و المقصي و أحيانا فهو يصور القرى النائية بالجنوب الشرقي ناثرا جمالا أخاذا قل نظيره ليقدم لنا تلك الجماعات والقبائل المبعدة والشخوص التي لا تروق أحيانا المركز ولا تتماشى والنسق الذي تتسم به المركزية التي نعتقد أنها هي أصلا غير قادرة على إدماج هذه الجماعات في سياساتها العمومية. فلا هي استطاعت هضمها وابتلاعها ولا هي تمكنت من التخلص منها فاعتمدت أسلوب الإقصاء الممنهج كسبيل أوحد ووحيد للتخلص من صور هذه الجماعات التي تشوش على الأنماط المركزية. فالصورة المركزية تحاول دائما تقديم الساكنة الجبلية الأمازيغية والواحية على شكل صورة نمطية تبخيسية وفلكلورية، بل تقدمه في أحسن الأحوال في هيئة ذاك الساذج، صاحب الحانوت، ولا غير. والواقع يكذب باستمرار هذه الصور الإعلامية الزائفة التي تخلق بزارا ثقافيا باهتا يروج الرداءة كل يوم عبرالوصلات الإشهارية و الأفلام التلفزيونية.
حسن أوبراهيم شاب ترعرع بين أحضان الطبيعة المتمردة في التاريخ و الجغرافيا. في ينابيع أمجاد بوكافر وبادو التي ارتوى هذا الشاب الطموح الذي لا يعرف للاستسلام سبيلا، ولا يعرف التماهي مع السخافات الإعلامية و الشطحات الموغلة في الرداءة والضحالة. استثمر المبدع حسن ابراهيم كفاءاته الفنية سواء القصائد الشعرية الأمازيغية أو السينما في خلق عالم جميل للطفولة. زرناه في فصله الدراسي فوجدناه بستانا للتعلم، فبالصورة والتشكيل خلق جوا ابيستمولوجيا يغري المتعلمين بالتعلم والمعرفة فيخلق لديهم فضول التعلم والاكتشاف لما هو جديد مما يضفي على المدرسة برمتها جاذبية لا تقاوم وبالتالي تنامي مستوى التحصيل العلمي سنة بعد أخرى . أصدر الفنان حسن عدة أفلام تربوية قصيرة فازت بعدة جوائز إقليمية ووطنية كالجائزة الكبرى لمهرجان ورزازات للفيلم التربوي، جائزة الأمل للفيلم الأمازيغي كما حصل على تنويه في مسابقة القناة الأمازيغية للفيلم القصير وجائزة لجنة التحكيم بمهرجان بن سليمان للفيلم الامازيغي و جوائز تقديرية أخرى…
ما أثار اهتمامنا كمتتبعين لهذه التجربة الفتية هو أن الفنان المدرس حسن أبراهيم عبر الصورة والسينما يعطي قيمة جمالية واعتبارية لأبناء الجبل فيعرض حياتهم، ويصف معاناتهم ثم يخلق لديهم آمالا وطموحا يبنون من خلالهما الثقة في أنفسهم. لهذا لا نستغرب عندما نجد من بين تلاميذه وتلميذاته من يحلم أن يكون صحافيا وإعلاميا أو ممثلا أو مهندس صوت … لكون الأستاذ قام بعدة ورشات في تعلم التصوير والفن السينمائي عموما لفائدة الأطفال والأطر التربوية على السواء. تجربة فناننا وأسلوبه السينمائي أبرز بشكل جلي أوجه الاختلاف بين الأنماط المركزية والنواقص والاختلالات المجتمعية والتناقضات الداخلية .
الفنان حسن أبراهيم جعل من آلة التصوير أداة وسلاحا للترافع على القرى المنسية بالجنوب الشرقي ، قدم الأطفال و الابتسامة تملأ محياهم ، عرض صورة الجبل بشموخه وعظمته. يحب الجبل ويقدر قيمته، أليس الجبل هو الذي يعطي المياه للسهول ؟ أليس الجبل هو الذي احتمى به ذات يوم جل المقاومون والمحاربون من أجل الوطن ؟ فلماذا تحتقر سياساتنا الجبل؟ لماذا ليست هناك سياسات عمومية حقيقية وواضحة المعالم تعتني وتنتصر للجبل لكي تنصفه وترفع عنه التهميش الذي طاله مند سنوات. كلناأبناء الجبل فلا يمكن أن نستدير مولين ظهورنا له، فكبرياؤه وسموه يتجاوز نزواتنا وتنكرنا وإهمالنا.
حسن ابراهيم عبر نهجه لهذه المقاربة الفنية أصبح أستاذا يحتذى به في هذا المجال، فاستعماله للصورة في الفصل الدراسي تيسرله بشكل جلي الولوج إلى قلوب الأطفال فيبني القيم ويرسخها ويعالج الإنتكاسات ويبني شخصية الطفل الذي يعيش في مجتمعات موسومة بالهشاشة .
وفي حديثنا مع هذا الفنان اقترحنا عليه ثلة من الأسئلة فكانت أجوبته كالتالي :
لماذا يجب إدماج الثقافة السينمائية ضمن محاور العملية التعليمة ؟
أعتقد انه إذا تم اعتبار جيلنا جيلا للذاكرة فإن هذا الجيل الجديد يمكن اعتباره جيل الصورة بامتياز نظرا لاكتساح الصورة لكل مناحي الحياة. فمنذ أن اقتحمت الصورة بصفة عامة و الشريط بصفة خاصة كل الفضاءات الاقتصادية و السياسية و الثقافية و الاجتماعية أصبح من الضروري فتح جسور التواصل بين السينما و المدرسة و غرس ثقافة تذوق السينما منذ المراحل الأولى لنمو الناشئة لمحاربة أمية التلقي والحد من التلوث البصري و الرداءة التي تعج بها حظيرة الإعلام خصوصا مع موجة مواقع التواصل الاجتماعي.
ما الهدف من هذا الإدماج التربوي ؟
تهدف السينما في الوسط المدرسي إلى خلق ثقافة سينمائية لدى التلاميذمن أجل فهم دلالات الصورة وأبعادها وتفكيك الخطاب السينمائي ومقاصده، وتوظيف مكوناته في مختلف أشكال التعلم. والسينما تضل حاملا بيداغوجيا يثير فضول التعلم لدى التلاميذ وهنا تكمن أهميتها وقيمتها التربوية .
كيف يمكن ترسيخ ثقافة الصورة والسينما في المدرسة العمومية ؟
إن تأسيس نواد سينمائية فاعلة ونشيطة مكونة سلفا بالمؤسسات التعليمية و تفعيل أدوارها من خلال رصد حصص للأنشطة الموازية قصد تجميع الطاقات والمواهب وتكوينها من شأنه أن يضمن انخراطها الفاعل في أنشطة الترويج والترفيه وإخراج المواهب و صقلها لجلب المتعة لهم وترسيخ الجودة في العملية التعليمية. وبالتالي خلق ما يسمى في الأدبيات الجديدة المستعملة خاصة فيبعض الدول الرائدة في المجال التربوي مثل سنغافورة بالتعلم الممتع .
فما القيمة المضافة إذا للسينما والشريط السينمائي إذا ثم استخدامه في الفصل الدراسي؟
إن علاقة السينما بالمدرسة هي علاقة تفاعلية، تكاملية، يتجلى دورها في اكتشاف واستخدام وسائل جديدة لضمان حصول المتعلمين على تعليم قيّم وممتع ومسلية في الوقت ذاته، فالسينما هي تلك النافذة التي يطل منها المتعلم و يجد فيها ذاته و محيطه الذي يعيشه أو يشاهده في المنزل عبر التلفاز…قد أستغرق وقتا كثير لشرح مفهوم معين عبر اللغة، لكن عندما تحضر الصورة أو الصورة المتحركة فهي توفر لي جهدا كثيرا و توصل الرسالة و بحمولات إضافية.
يعتبر الكثيرون من السينمائيون بالمغرب وخارجه ورزازات بالجنوب الشرقي بالعاصمة السينمائية فما رأيكم ؟
الوضع السينمائي بالجنوب الشرقي يعيش وضعية كارثية يتجلى ذلك في استمرار إقفال دور السينما وعدم تحيين و مواكبة استوديوهات التصوير للمستجدات السينمائية، و عدم تعميم فكرة المعهد المتخصص في مهن السينما المتواجد بورزازات في باقي أقاليم الجهة خصوصا مع تهافت أعتى الشركات السينمائية الأجنبية لتصوير الأفلام بالجهة نظرا لمميزاتها و المناطق الطبيعية التي تزخر بها الجهة. لذا فنحن نؤكد وندعوالجهات المسؤولة عن قطاع السينما إلى ضرورة تكوين و تأهيل العنصر البشري ليرتاد السينما و يعانقها، نظرا لبزوغ جيل جديد من الشباب المنفتحين على السينما من زاوية الهواية والتعلم الذاتي…الشيء الذي يفرض من صناع القرار فتح أبواب الولوج و خلق مؤسسات أكاديمية قادرة على احتضان هذه الطاقات و صقل ملكات الإبداع لديها.
وأخيرا نقول للفنان حسن أبراهيم واصل أيها الفنان وكن على يقين أنك تبني أجيالا من ذهب ستكون بمثابة رأسمال رمزي في المستقبل لا يمكن التلاعب بأفكارهم ولا هدم طموحاتهم فأنت تزرع الورود وعبقها سيصلنا يوما ما لا محالة، أنت تهدم أصنام الجهل بمطرقة المعرفة، تهدم الأفكار الرجعية التي طالما كانت لجاما أمام تحررالعقول.واصل أيها البطل، نحن فخورون بكم وبكل رجال ونساء التعليم الذين يشتغلون ويبدعون ولا يكتفون بتلقين الدروس الجافة التي لا تزرع الحياة بل تزكي منطق المنافسة فتنتصر بذالك لذكاءات على حساب أخرى. مجتمعنا الحالي في حاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى إلى الفن.الفصول الدراسية بدون فن لا تعدوا أن تكون سجونا فانتم تحررون العقول وتقدمون الفن الراقي لخلاص الطفولة وبنائها .
بقلم ذ. الفنان عمر أيت سعيد
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.