أنا الأمازيغية أحدثكم..
أيتها المغربيات أيها المغاربة: هل تعرفون ما أنا؟ أنا هوية جماعات إثنية معروفة من أبنائكم؛ وتتشكل شخصيتي من عناصر أساسية هي؛ أولاً تلك اللغات المحلية المميزة التي ما تزال تُتداول بنسب كبيرة في مناطقها، ثم ثانياً تلك القيم الثقافية المشتركة بين الناطقين بلغاتي وأولاء الناطقين بالعربية الدارجة.
بيد أنني أعاني الآن،كهوية لا تزال تظهر عليها أمارات الحياة بينكم، من مرض مزمن عضال؛ هو كوني في الطريق نحو الفناء لا محالة، ويُجَلّي هذه الحقيقة المُرة ما تعانيه لغاتي اليوم من تهميش واحتقار.. ولقد حاول مناضلون من أبنائي البررة إنقاذي بالدفاع عن تلك اللغات التي ما فتئ الزمن ينال منها بطيئا بطيئا منذ قرون ثم سريعا سريعا منذ عقود.. لكنهم لم يفلحوا في تحدي آثار التعريب غير الممنهج الجارف لشروط وجودي، ولا في مواجهة ضغط الإيديولوجيات المغرضة الفاتكة ببنياتي اللسانية وقواي الاجتماعية التي حولت جسدي إلى كيان هزيل لم يعد يطيق الحرب الهوياتية؛ وغدت نهايته الحتمية قريبة؛ لا، بل هي وشيكة.
أيتها المغربيات أيها المغاربة: هؤلاء المناضلون أبنائي لم يفلحوا في الحيلولة دون منع احتضاري كما ترون اليوم لأسباب لا مجال لإخفائها لأن تلك هي الحقيقة:
أول سبب حالَ دون إنقاذي من الموت المنتظر هو أن الحركة الأمازيغية تعتبرني مسألة ثقافية فحسب؛ وأنا لست كذلك أبدا أبدا.. بل أنا قضية سياسية لا غبار عليها.
ـ وثاني سبب هو كونها ترى مما ترى أن لي لغة واحدة لا أكثر.. وأنني مِلكٌ لكم جميعاً وأن الاعتراف بي دستوريا إلى جانب العربية هو الإجراء السليم القويم الذي من شأنه تحقيق الإنصاف لي بحكم القانون …إلخ، والحال أن كلَّ ذلك كلام فارغ لا أساس علميا له؛ فأنا هوية متعددة اللغات التي تعرفون، كما أنني ملك لبعض المغاربة فقط وليس للجميع، كذلك لا يمكنني العيش بجانب الهوية العربية ذات الأداتين القويتين للعمل ضدي، وهما لغتاها العربيتان: الفصحى والدارجة، اللتان تحتلان كل الأجواء النفسية الاجتماعية للساكنة وكل الفضاءات الترابية للوطن وكل الوظائف والمجالات خلاله؛ سواء أتواصلية كانت أو معرفية.. حتى لم تُبْقِ لي تانك اللغتان ــ أنا الهويةَ السقيمةَ المحتاجة لقلب ينبض بالحياة ــ أيةَ إمكانية للحياة؛ وها أنا من جراء ذلك السقم الخطير أحتضر بعيدا عن الهواء الضروري لإنعاشي، ثم في خضم الحصار والخنق والتتفيه أظل أموت أمام أعينكم وبين ظهرانيكم من غير ما شفقة أو رحمة من مغربي.
ـ وثالث سبب هو أن معظم الفاعلين في تلك الحركة يعتقدون أن بإمكانهم إقناعكم جميعا بشرعية المطالب الثقافية التي رفعوها من أجلي منذ ستينات القرن الماضي ( رغم أن تلك المطالب كما سبق القول لم تكن تشير لا إلى وضعيتي المجتمعية الحقيقية ولا إلى أطروحتي السياسية المغيبة)؛ ثم لم ينجحوا.. ولكن كيف ينجحون في إقناعكم والحال أنكم بصدد الموقف “الهوياتي” مني فئتان لا قيمة لي ولا اعتبار في عرف وثقافة أعضائهما:
ــ يمثل الفئة الأولى الناطقون بالعربية الدارجة والمستمدون لهويتهم الجماعية من لسانها؛ فاعتبروا أنفسهم عربا ومن ثم لم يعودوا يكثرتون لمصيري المأساوي أنا الهوية “الأجنبية” عنهم حينها، هذا إذا لم تبلغ العنصرية المقيتة ببعضهم إلى أكثر من عدم الاكتراث فيدعو الآخرين إلى كراهيتي أو يحثهم على السعي إلى التخلص مني..
ــ ويمثل الفئة الثانية الناطقون طبيعيا بلغاتي؛ أولاء الأمازيغ الذين لهم موقف سلبي وكارثي مني؛ وهم نوعان: أشباه المثقفين والأميين، ضحايا إيديولوجيا الواقع، غير الواعين بسياسات التآمر ضدي.. ثم المتعلمون “المتنورون” الذين سلبتهم الإيديولوجيات اليمينية واليسارية والإسلاموية والمخزنية كل قدرة على إعمال العقل النقدي في موضوع الهوية الوطنية؛ فتمكنت من أن تَحُولَ فكريا بينهم وبين الوعي بما يحدث لي، ثم إلى جانب سلب العقل منهم حَرَمتهم عاطفيا أيضا من إمكانية استشعار الأمازيغي لذة انتسابه لحضن هوية جماعته القومية ومن إمكانية استشعاره متعة الحديث بلسان أمه الطبيعي.
أيتها المغربيات أيها المغاربة.. تلك هي أنا .. وهذه حقيقتكم ومواقفكم تجاهي: هوية مهددة بالانقراض بلا شعب يقظ يحميها. أنتم تجهلونني، إذن لا تستحقونني.
وبناء عليه أقول لكم في الختام، وببالغ الحسرة والأسى، وفي عز هذه الحملة الانتخابية التي أعادت فضح مواقفكم جميعا…. أقول لكم: إنه لا المخزن الذي تمدحون منجزاته في حقي، ولا الأحزاب السياسية المنافقة، ولا هيئات المجتمع المدني التي لا تبدع شيئا بخصوص قضيتي بل تستنسخ فحسب أقوال بعض “المناضلين” من أبناء الحركة الأمازيغية، ولا حتى أبناء الحركة نفسها مترشحين كانوا أو مقاطعين أو مساهمين في الحملة بالواضح أو بالمرموز، سرا أو علنا لفائدة هذا أو ذاك… كل هؤلاء لا يعرفونني..
أي نعم، أنتم جميعا لا تعرفونني.. ولأن ذلك كذلك فكل شعاراتكم لا تعنيني وأنتم جميعكم غير مؤهلين على الإطلاق للدفاع عني.
أيتها المغربيات أيها المغاربة..
رجاء رجاء لا يتحدث أي منكم باسمي… واتركوني لمصيري الذي أعرفه أنا وحدي.
اكتشاف المزيد من azulpress.ma
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
التعليقات مغلقة.